أتتبع خطب بنكيران بعين الباحث المصطلحي، وأسلك نفس المنهج في تتبع خطب الملك، وأثبتت غير ما مرة أن الملك، يحمل مسؤولية التاطير المفاهيمي للنخبة، ويحصنها من أي اختراق مفاهيمي مضاد، ولذلك، وصف الملك بعض المصطلحات، بالغريبة، قال ذلك في خطاب العرش يوليوز 2016، وجدد ذلك في خطاب العرش يوليوز 2017. وأثبتت أن السياسي رقم واحد في المغرب، الذي له القدرة، على إنتاج معجم سياسي خاص، ينحاز إلى رؤية سياسية معينة، هو بنكيران، وهذا أحد عناصر قوة بنكيران، يقرأ المشهد ويسمي المشهد بمصطلح دقيق، أكان باللغة الفصحى ام بالدارجة، وهذا لا يتوفر إلا لمن له قدرة على تذوق المعاني. قد يبدو مستغربا، لو قلت أن الحوار بين الملك محمد السادس وعبد الإله بنكيران لازال مستمرا بينهما على مستوى "المفاهيم السياسية" المرتبطة بالصراع بين الفاعلين الأساسيين، قد يبدو هذا مبالغا فيه، وهو كذلك، لكنني أتشبث بالقول، أن بنكيران يفكك مفاهيم السلطة فتضطر السلطة لتصحيح المفاهيم. ما يؤكد ذلك، هو مصطلح "الزلزال السياسي"، هذا مصطلح ولد في سياق معين، لابنكيران حقوق الاقتراح المصطلحي والترويج له، بل إن هذا الاقتراح قوبل بالرفض من فيلسوف العدالة والتنمية الأستاذ المحترم محمد يتيم قال نعيش "هزة سياسية" وهناك من يقول" ازمة" وهنا من يقول إننا بخير. ومن المفارقات، أن الملك اتفق مع توصيف بنكيران لما يجري فاستعمل نفس المفهوم، لكن ليس لنقده، بل من أجل تبنيه والاعتراف به، ومنحه الشرعية، أن الزلزال السياسي هو أيضا في صالح بلورة نموذج تنموي جديد. قال بنكيران في لقاء بالمقر المركزي للحزب أمام برلمانيي حزبه بالغرفتين يوم 13 أبريل 2017، أي بعد شهر من إعفائه من رئاسة الحكومة:"حنا كحزب سياسي، هاد شي لتعرضنا لو ، هذا راه زلزال، زلزال كبير، طبعا هذا الزلزال، ربما مزال مجاش الوقت باش نستوعبو الأمور ديالو كاملة، ما الذي مهد له، كيف وقع، شنو هي العواقب ديالو". في خطاب الملك محمد السادس لافتتاح البرلمان 13 أكتوبر 2017، قال:"كما ندعو للتحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة ، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي". نلاحظ ان بنكيران، يصف ما وقع بعد 15 مارس 2017 انه زلزال سياسي اضر بحزب العدالة والتنمية، ولازال هذا الزلزال ارتدادته تؤثر على الوضع الداخلي للحزب، ويتحدث بنكيران كيف ينبغي أن نواجه هذا الزلزال السياسي، وذلك بمعرفة أسبابه ومآلاته. لم يكن أحد يتوقع أن ياتي الملك محمد السادس عشية افتتاح البرلمان، ليقول للأحزاب السياسية، إن الزلزال السياسي في هذا الزمن مطلوب ومشروع، لاننا في زمن جديد، ولأننا نريد إطلاق نموذج تنموي جديد. أي أن القصر، حسم أسئلة بنكيران، نعم نريد زلزالا سياسيا، قد تكون منزعجا من هذا الأسلوب يا بنكيران، ولكن هذا في صالح بلدنا، لاننا نريد تحقيق نموذج تنموي جديد. وكأن شخصا يقول لابنكيران، من الآخر، إذا اقتضى أن نحقق شيئا لمصلحة البلد، سنزلزل البلد سياسيا، وسنضحي بك وبامثالك، قف مكانك. والرسالة موجهة ليس لشخص بل لتيار واسع، يرفض الزلزال السياسية! ومن الآن، ينبغي تحفيظ مصطلح "الزالزل السياسي" لابنكيران، فهو من وضعه وروج له، من اجل توصيف وضع كارثي ينذر بالخطر، والملك استعمل هذا المصطلح من أجل توصيف طرق إبداعية في السياسية من أجل إطلاق مشروع تنموي لصالح البلد، وكان الملك أفرغ المضمون السلبي لمعنى "الزلزال السياسي"، وهذا هو الدور الذي تقوم به السلطة "تصحيح المفاهيم". واش فهمتيني ولا لا..