من منا لم يمر خلال دراسته على مادة التاريخ والجغرافيا، تلك المادة التي كانت دائمًا مرتبطة بالتربية الوطنية؟ اليوم، ندرك جيدًا لماذا ارتبطت هذه المادة بمادة التربية الوطنية، فالوطنية الحقة تعني الحفاظ على كل شبر من الجغرافيا وكل ثانية من التاريخ. لقد حاول أحفاد المستعمرين، من تركيا وفرنسا، على مدى خمسين عامًا، السطو على جغرافية المغرب ولم ينجحوا. واليوم، بعد فشلهم، يحاولون سرقة تاريخ المغرب وهويته الثقافية، من الأسماء والملابس إلى المأكولات والتراث الشفهي والمكتوب، وحتى فنون العمارة. خلال الأيام الأخيرة، شاهدنا كيف يحاول جيران السوء نسب الزليج البلدي الفاسي إليهم، رغم أن هذه القطع الفسيفسائية الفريدة تُصنع من طين لا يوجد مثيل له إلا في مدينة فاس. هذا الزليج، الذي أصبح رمزًا معماريًا للمغرب، يُزين القصور والمنازل التقليدية والحمامات والمداخل منذ قرون. إنه جزء لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، وها هم اليوم فقراء التاريخ وعديمو الهوية يحاولون نسبه إليهم! لكن، هيهات ثم هيهات! فوطنيتنا وتربيتنا الوطنية تقف لهم بالمرصاد. أخرجنا كتب التاريخ وأرشيفنا العريق، وبتنا ندافع عن تراثنا وثقافتنا بكل الأدلة والوثائق. فمن يقف أمام معلم زلايحي في فاس، مدينة التاريخ والجغرافيا، التي كانت عاصمة لمجال ترابي يمتد من الأندلس شمالًا إلى نهر السنغال جنوبًا، ومن المحيط الأطلسي غربًا إلى تمبكتو وغاو شرقًا، لا يستطيع إلا أن يشعر بعظمة التاريخ وعبق الجغرافيا، متشبعًا بروح التربية الوطنية. الزليج البلدي: تراث فاسي أصيل يُصنع الزليج المغربي، الذي نسميه الزليج البلدي، من طين فريد لا يوجد إلا في المغرب، وبالتحديد في منطقة بن جليق، التي تبعد سبعة كيلومترات عن مدينة فاس. يتم تشكيله على هيئة ألواح كبيرة تُعرف بالقفا، بألوان متعددة، ثم تُقطع إلى قطع صغيرة، كل منها يحمل اسمًا خاصًا، وعند تجميعها تشكل لوحة هندسية فريدة تعرف بالأربعة وعشريني، التي تأخذ شكل دائرة متناسقة. التكوين الهندسي للزليج البلدي تتكون هذه اللوحة من عدة قطع، تحمل أسماء دقيقة ودلالات تاريخية، منها: الخاتم، المشيطة، اللوزة، الشوكة، البعيوي، الدريهم، المسيسة ديال المنشار، عظم الزيتون، القنديل، السفيط، الميال، اللباس، باوولا، العرجة، المحدود، النزق، القطيب، الرويصاص، الساروت. يتم تقطيع هذه القطع في عملية تُعرف بالتخلاص، باستخدام أداة حادة مخصصة لذلك. ولضمان الدقة في الأشكال، يعتمد الصناع على تقنية الميزان، حيث يتم وضع الركبة على ساند حجري لضبط الزوايا أثناء العمل. هذه الحرفة ليست مجرد مهنة، بل مدرسة متكاملة، توارثها المغاربة عبر الأجيال، وظلت سرًا معماريًا لا يتقنه إلا أهل فاس. حقيقة الادعاءات الزائفة ثم يأتي بعض التافهين، الذين يسكنون في دولة لا تاريخ لها ولا جغرافيا، ويطبعون فوق قمصانهم الرياضية ألوانًا لا تسر الناظرين، مدّعين أنها تمثل الزليج! يا لسطحية الفهم وسذاجة الادعاء! لكن، ليعلم العالم كله مع من حشرنا الله في الجوار، ولتكن هذه الحادثة درسًا لكل المغاربة: التاريخ والجغرافيا مسؤولية وطنية، والحفاظ عليهما واجب مقدس!