المقولة الشهيرة "شوف فريخ"، التي تُستعمل في سياق الخثان لتحويل نظر الطفل بعيدًا عن العملية، أصبحت تمثّل استراتيجية تُستخدم في مشاهد سياسية كبرى. ما حدث في سوريا مؤخرًا يعيد إلى الأذهان هذه الطريقة في تحويل الأنظار عن الحقيقة. الصور التي وصلت من سوريا، والتي أظهرت سقوط النظام القديم على يد "الثوار"، دفعتنا إلى تصديق ما نراه والابتعاد عن الواقع المُرّ. هؤلاء "الثوار" ليسوا مجرد مجموعات مسلحة عادية، بل إن الأمر أعمق وأكثر خطورة، ولنا في تجربتي طالبان وداعش في العراق نموذج يُذكر. ما وراء سقوط دمشق كيف سقطت دمشق؟ لم نشاهد معارك حقيقية، لا جيشًا يقاتل ولا طائرات تقصف لتحول دون تقدم "الثوار". ما رأيناه كان صفوفًا من العربات المدنية والأشخاص العاديين الذين يحملون أسلحة خفيفة يدخلون مدنًا مثل حلب، حمص، درعا، ثم دمشق، دون مقاومة تُذكر. هل يُعقل أن ما لم يتحقق في ثلاثة عشر عامًا تحقق في ثلاثة عشر يومًا؟ الحقيقة وراء الحدث ما جرى في سوريا خلال هذه الفترة لم يكن سوى الحلقة الثانية من مسلسل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. إعادة انتخاب ترامب عجّلت وتيرة الأحداث. الجزء الأول من هذا السيناريو بدأ مع التصعيد الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وقصة "طوفان الأقصى"، التي كانت خطة محكمة للقضاء على حماس ووضع نهاية للقضية الفلسطينية. ما تبع ذلك من مقتل قيادات بارزة مثل إسماعيل هنية وحسن نصر الله شكّل خاتمة درامية للجزء الأول من المسلسل. الجزء الثاني: سوريا الجزء الثاني بدأ بسقوط دمشق وهروب بشار الأسد، وتحوّل سوريا إلى دولة مقسمة. تسليم السلطة بين العلويين الشيعة و"الثوار" السنة أنهى هيمنة إيران على سوريا. لبنان أيضًا على أعتاب استعادة سيادته بعد القضاء على حزب الله. ومن هنا، يتضح أن بقاء بشار الأسد حتى هذه اللحظة كان مجرد جزء من "مسرحية الجريمة المتكاملة". إسرائيل والمخطط الأكبر إسرائيل، التي كانت بحاجة إلى بقاء الأسد لسنوات، قررت أخيرًا التخلص من العقبات الأربعة: حماس، حزب الله، سوريا كطريق لنقل الأسلحة، وأخيرًا إيران. ومع ذلك، يبدو أن مواجهة مباشرة مع إيران ليست في الحسبان. بل على العكس، سيتم التعاون والتطبيع معها. إيران، التي تخلت عن حماس وحزب الله وسوريا، ستشارك في تشكيل الشرق الأوسط الجديد، وربما تُساهم لاحقًا ببرنامجها النووي. دور روسيا روسيا بدورها دخلت في اللعبة، ووافقت على الانسحاب من سوريا مقابل ضمان مكاسب في أوكرانيا والقرم. ترامب، بأسلوبه المعتاد، قال للجميع: "شوف فريخ". روسيا ضعيفة بسبب أوكرانيا، إيران ضعيفة بسبب التفوق العسكري الإسرائيلي، والشرق الأوسط الجديد يتشكل بهدوء. نسأل الله السلامة مما قد تحمله الأيام القادمة، سواء كانت "طوير فريخ" أم الطائرة العملاقة B52.