أمام التحولات الكبرى الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي ميزت السنوات القليلة الأخيرة، وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب وجدت الحكومة نفسها مدعوة وبشكل قوي ليس فقط لمتابعة جهودها السابقة في مجال التنمية وتطوير البنية التحتية و التجهيزات الأساسية ،بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أولوية خاصة وهي تشجيع وتقوية الإدارة الترابية والمجال الترابي في إطار اللامركزية والجهوية المتقدمة. وفي هذا السياق وجدت الحكومة المغربية نفسها ؤعد دستور سنة 2011 مدعوة للقيام بمجموعة من الإصلاحات المحلية وسن العديد من القوانين والاستراتيجيات على جميع الأصعدة والمستويات بهدف إتباع سياسة عمومية محلية رشيدة و متكاملة وشاملة قوامها الحكامة في اطار اللامركزية الحقيقية واللاتمركز الفعال ، فأضحت التنمية الترابية في الوقت الراهن ذات أهمية فائقة بالنسبة لتدبير السياسات العمومية بالمغرب. فهل تتوفر الجماعات الترابية بمختلف أصنافها و خصوصا الجماعات على نخب منتخبة أو معينة قادرة على تنزيل ورش الحكامة الترابية أو ما يمكن أن نصطلح عليه بالذكاء الترابي، وقادرة على تكريس التنمية الترابية و إرساء دعائم الإدارة المحلية، ونهج أساليب التنظيم الإداري الحديثة وتنزيل برامج مواكبة للعصر وتجيب على كافة احتياجات الساكنة ؟ لقد وضع المشرع المغربي آلية مهمة بيد رؤساء الجماعات الترابية لتنزيل ورش التنمية المحلية على أرض الواقع وبشكل تشاركي حسب منطوق الفقرة الثالثة من المادة 12 من دستور المملكة لسنة 2011 إذ يعتبر "برنامج عمل الجماعة " من المفاهيم الجديدة التي جاء بها القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14، لكن مجموعة من التجارب السابقة على مستوى بعض الجماعات الترابية أبانت على كون بناء وتنزيل هذه البرامج يحتاج للعديد من المراجعات، وحتى لبعض التعديل على مستوى القوانين المنظمة لها إذ لا يعقل أن يقوم المنتخبون في سنتهم الأولى وهم حديثي العهد بالتدبير الجماعي بانجاز هذا البرنامج لأن ذلك يقتضي لزوما الحرص على إخضاعهم لدورات تكوينية مكثفة في مجال الإختصاصات المخولة للجماعات ، فتدبير الشأن المحلي ليس بالأمر الهين ويقتضي مقاربته بمنهجية رزينة ونوعية ، قوامها الحكامة الترابية والإنخراط المندمج لجميع المتدخلين في تراب الجماعة للوصول بالجماعة إلى ذاك الطموح الذي يلبي حاجيات كل أصناف السكان أطفالا وشبابا كهولا نساءا ورجالا ، ولعل من بين المعيقات التي تحد من فعالية هذه البرامج هو عدم توفر الجماعات على خزان للمشاريع التوقعية مبني على الصدقية والمصداقية و التي من الممكن بناؤها بشراكة مع الخواص أومع القطاعات الحكومية وحتى مع المنظمات الغير الحكومية ذات الإهتمام المشترك، ومن بين العراقيل كذلك التي تحد من فعالية برامج عمل الجماعات نجد أيضا عدم تخفيف الرقابة الإدارية والمالية على الجماعات بل الملاحظ أن هذه المراقبة قد أصبحت أكثر قوة من ذي قبل خلال فترة جائحة كوفيد 19 وأصبحت أيادي رؤساء الجماعات مغلولة في كثير من الإختصاصات الممنوحة لهم في إطار مبدأ التدبير الحر . ومن جانب ثاني لا يمكن مطلقا وبأي حال من الأحوال بناء برنامج عمل جيد دون وجود هيكل تنظيمي يبين اختصاصات كل قسم أو مصلحة بشكل دقيق ومضبوط ، فلا يمكن تصور عمل المصالح و تجنب تداخل الاختصاصات إذا لم يتوفر هيكل إداري واضح ووجود رؤساء أقسام ومصالح معينين بشكل قانوني وفق القوانين المنظمة لمناصب المسؤولية بالإدارات العمومية والجماعات الترابية، وعلى ضوئها تضبط المسؤوليات و يقسم العمل داخل الإدارة الجماعية. لأجل كل ذلك يمكن الجزم أن توحيد الرؤى والتنسيق القبلي والبعدي بين جميع الفاعلين المحليين والمتدخلين في الادارة الترابية خو الكفيل بخلق جماعة عصرية ومتكاملة ومتماسكة في إطار الإلتقائية والتناغم مع جميع البرامج الحكومية والجهوية، لاسيما وأن أغلب الجماعات الترابية بما فيها الجهات والجماعات ومجالس الأقاليم قد بدأت فعلا مرحلة التشخيص الترابي لإعداد برامجها التي ستحدد خارطة طريق تدبيرها لشؤون مجالس جماعاتها لمدة ست سنوات .