قال محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الخميس بالرباط، إن "تخليق القضاء، كما هو الشأن بالنسبة لموضوع إصلاحه، هو مهمة جميع المغاربة، كل من موقعه وبوسائله المشروعة". وأكد عبد النباوي، في كلمة بمناسبة افتتاح ندوة وطنية حول "مدونة الأخلاقيات القضائية: محطة هامة في تأطير السلوك القضائي"، منظمة بشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، على أن تخليق القضاء يظل محورا أساسيا من انشغالات الدولة ممثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه جلالة الملك، والقضاة الذين ينتمون لمهنة لا يستقيم دورها بدون أخلاق ومبادئ. كما شدد على أن "تخليق مهنة القضاء هو واجب على الدولة وعلى القضاة أنفسهم؛ وأنه ليس غاية في حد ذاته ولكنه وسيلة من الوسائل بين يدي الوطن ليرتقي إلى مصاف الأمم المتقدمة"؛ مشيرا إلى أن "عقد هذه الندوة بمناسبة صدور مدونة الأخلاقيات القضائية، هو حلقة إضافية لسلسلة تخليق الحياة العامة ببلادنا، ومهنة القضاء بصفة خاصة". واعتبر السيد عبد النباوي أنه "إذا كان تنفيذ الالتزامات القانونية يستند إلى الجزاءات التي يحددها القانون وينطق بها القضاء، فإن الالتزامات الأخلاقية لا تسندها دائما جزاءات قانونية، ذلك أن احترامها م ناط بضمير الفرد وحسه السليم"؛ مبرزا أن "احترام هذه الالتزامات قد يكون موضوع صراع داخلي تضطرم به نفسية الإنسان، ويتطلب منه التغلب على النوازع الداخلية الرافضة لها، إذ في العادة لا توجد كوابح خارجية تحمي المبادئ الأخلاقية". وذكر بأن مدونة الأخلاقيات القضائية أصبحت مفروضة في المغرب بمقتضى القانون، حيث نصت المادة 106 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن المجلس يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة مدونة للأخلاقيات القضائية، تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية. ودعا السيد عبد النباوي الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها –باعتبارهم مستشاري الأخلاقيات– إلى تنظيم حلقات للدراسة والتكوين بشأن مدونة الأخلاقيات؛ وإلى الاضطلاع بدورهم كمستشاري الأخلاقيات القضائية بدوائر نفوذ محاكم الاستئناف، وذلك لما سيترتب عن ذلك من أثر إيجابي على الأداء القضائي؛ معتبرا أن كل مجهود في سبيل تحقيق المبادئ الأساسية الناظمة لمهنة القضاء، مثل الاستقلال والحياد والتجرد والنزاهة والاستقامة، والعناية بالملفات، لابد أن يترتب عنه تحسن سمعة القضاء وزيادة منسوب الثقة في أحكامه. من جهتها، اعتبرت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، السيدة زينب العدوي، في كلمة بالمناسبة، أن موضوع الندوة يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى السياق الوطني الراهن الذي يتسم بالنقاش العام حول التقرير الصادر عن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد الذي يؤكد على ضرورة وضع إطار لترسيخ الثقة والمسؤولية من أجل دعم الحماية القانونية والمعنوية لمختلف الفاعلين ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار. وأضافت العدوي أن تقرير هذه اللجنة يدعو إلى الرفع من منسوب الثقة بين المواطنين والدولة، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا من خلال الالتزام القوي والواسع بالمبادئ والقيم الأخلاقية التي تعتبر ملازمة لممارسة مهنة القضاء. وتابعت أن الأجهزة العليا للرقابة المالية أولت اهتماما بالغا بمسألة الأخلاقيات والمبادئ التي ينبغي أن توجه سلوك العاملين بها من خلال صياغة وبلورة مدونات ومواثيق في الموضوع على المستوى الوطني وعلى مستوى المنظمات الإقليمية والدولية لهذه الأجهزة؛ مذكرة بأن المجلس الأعلى للحسابات قد عمل سنة 2015 على بلورة "ميثاق مبادئ وأخلاقيات المحاكم المالية" لإشاعة القيم والمبادئ التي يتعين أن توجه السلوك المهني والشخصي لقضاته أثناء مزاولة مهامهم. من جهتها، ثمنت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، "ما تضمنته مدونة الأخلاقيات القضائية من إشارات إيجابية، من قبيل حث السيدات والسادة القضاة على الاطلاع على التطورات المتعلقة بالقانون الدولي، بما في ذلك الاتفاقيات الدولية، وغيرها من الصكوك التي تحدد معايير حقوق الإنسان، واعتبار هذا الالتزام من أهم التطبيقات العملية لمبدأ الكفاءة والاجتهاد". كما أشادت السيدة بوعياش بما نصت عليه المدونة من تشكيل لجنة أخلاقيات، وتحديد مهامها، وإحداث مهمة قاضي مستشار للأخلاقيات لدى مختلف الدوائر الاستئنافية، معتبرة أن هذه الجهود "تلتقي مع توصيات المقرر الخاص المعني باستقلال القضاء والمحامين الذي أكد على أن القضاة والمدعين العامين أنفسهم هم الأقدر على تحديد نطاق ومضمون القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة بممارسة الحريات الأساسية". واعتبرت أن "للقضاة مسؤولية جماعية في نشر مضمون المدونة؛ لأن سيادة القانون تعتمد، قبل كل شيء، على ثقة المتقاضين والمواطنين ولأن أي سلوك مشكوك فيه يميل إلى تقويض هذه الثقة"، مشيرة إلى أن "مسؤولية القضاة في حماية الحقوق والحريات تكون أولا تجاه دستور المملكة وتجاه المواطن؛ وفي هذا الصدد فإن على القاضي أن يلتصق بالدستور والبحث عن التوازن الضروري ما بين تقلبات الظروف وضغوطات الراهنية، وأن ينتبه لتطورات المجتمع". وتهدف هذه الندوة إلى تمكين السادة والسيدات قضاة المملكة على اختلاف مناصبهم ودرجاتهم وحجم مسؤولياتهم ومهامهم، من معرفة أكبر بواجباتهم الملتزمين بها مهنيا وأخلاقيا، وتشكل مناسبة سانحة للمتقاضين للاطلاع على معايير واضحة ومحددة لأخلاقيات مهنة القضاة من أجل بناء الثقة في مرفق القضاء، وتحسين فعاليته ونجاعته، مما سيساهم بشكل فعال في تنزيل النموذج التنموي الجديد. وتتطرق هذه الندوة الوطنية، التي تتواصل فعاليتها اليوم وغدا الجمعة، إلى عدة مواضيع تتمحور أساسا حول "مدونة الأخلاقيات القضائية من أجل تعزيز الثقة في القضاء" و"حرية التعبير بين الحق الدستوري والواجب الأخلاقي، أية ضوابط؟" و"مبادئ مدونة الأخلاقيات القضائية والتطبيقات المرتبطة بها". أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، اليوم الخميس بالرباط، أن الأخلاقيات القضائية تبقى من المنطلقات الأساسية لكسب رهان القضاء المستقل والنزيه والفعال، الذي يحظى بثقة المواطن والمستثمر ويطمئن الجميع لعدالته ولأحكامه، على نحو تسود معه سلطة القانون وتتحقق المساواة أمام أحكامه. وأوضح الداكي، في كلمة بمناسبة افتتاح ندوة وطنية حول "مدونة الأخلاقيات القضائية: محطة هامة في تأطير السلوك القضائي"، منظمة بشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، أن انعقاد هذه الندوة يأتي في ظرفية يحظى فيها هذا الموضوع باهتمام كبير، لاسيما بعد صدور مدونة الأخلاقيات القضائية، وإعطاء عناية كبيرة لورش التخليق ضمن الورش الكبير لإصلاح القضاء، واعتباره من ضمن أولويات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ضمن استراتيجيتهما المستقبلية في تدبير الشأن القضائي. واعتبر أن موضوع الأخلاقيات القضائية " لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختزل فيما هو مهني أو فئوي، بل هو موضوع يتقاطع مع مجموعة من السياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية، فهو من جهة يرتبط بحقوق المتقاضين وأمنهم القضائي وانتظاراتهم من العدالة، ومن جهة ثانية يرتبط بالثقة في القانون وفي مؤسسة القضاء، ومن جهة ثالثة يرتبط بالتنمية والنمو الاقتصادي ومستوى ثقة المستثمر في منظومة العدالة". وتابع الداكي أن صدور مدونة الأخلاقيات القضائية شكل خطوة مهمة نحو تنزيل أحكام دستور المملكة والتزاماتها الدولية وتوفير إطار مرجعي للقاضي يسترشد به في أداء مهامه وفي سلوكه اليومي وحياته الشخصية؛ معتبرا أن "القاضي بما يحمله من مسؤولية جسيمة، يتقيد بواجب التحفظ والسلوك المهني القويم الذي يحفظ هيبة ووقار القضاء، سواء أثناء تأدية مهامه أو خارج المحكمة في علاقته بمحيطه الأسري والاجتماعي، مما يجعله دائما أمام أسئلة وأوضاع قد لا يعرف كيف يتعامل معها في غياب إطار مرجعي لأخلاقيات القاضي". وأشار إلى أن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتحمل أمانة دستورية في صون الأخلاقيات القضائية وتقويم السلوك القضائي، والمسؤولون القضائيون مدعوون ليكونوا آباء مرشدين لباقي القضاة يؤطرونهم وينصحونهم وينبهونهم لما قد يقعون فيه من خلل أو زلل"، مضيفا أن "الجمعيات المهنية مدعوة أيضا لنشر القيم القضائية والتحسيس بها، والإعلام مدعو لنشر الأخلاقيات والقيم القضائية النبيلة، ليس فقط من خلال تناول الممارسات المخلة بهذه الأخلاقيات، ولكن أيضا من خلال تسليط الضوء على الجوانب المشرقة من عمل القضاة وسلوكهم". من جهته، اعتبر محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن وجود مدونة الأخلاقيات يعتبر من التدابير الوقائية من الفساد التي من شأنها تعزيز النزاهة والمسؤولية، موضحا أن سلطة قضائية مستقلة ومحايدة هي بمثابة ركن أساسي لحماية حقوق الإنسان، كما أن نزاهة القضاء تشكل حجر الأساس في الأنظمة القضائية القوية وشرطا مسبقا وضروريا لسيادة القانون. وأشار ا الراشدي إلى أن السياق الذي جاء في إطاره وضع هذه المدونة للأخلاقيات بالمغرب يندرج ضمن مسار تعزيز عملية الإصلاح الشامل للعدالة الذي انطلق قبل بضع سنوات، كما يجد سنده في تنفيذ مقتضيات المادة 106 من القانون التنظيمي المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وتابع أن كل هذه المؤشرات والمبادرات الإصلاحية تعضد الانتقال نحو مرحلة جديدة في الوقاية من الفساد بالمملكة ومحاربته باعتباره خيارا حتميا لإحداث تغيير عميق في مستويات المنحى الذي تعرفه هذه الآفة؛ معتبرا أن كل ذلك يتطلب إطارا مؤسساتيا متجددا وقويا تلعب فيه المؤسسات الدستورية المعنية بالحكامة الجيدة والتقنين إلى جانب الجهاز القضائي دورا محوريا في خلق الشروط الضرورية لاكتساب الثقة وترسيخ أسس الانتقال إلى النموذج التنموي الجديد المنتظر. ومن جانبه، قال وسيط المملكة، السيد محمد بنعليلو، إن مؤسسة وسيط المملكة مقتنعة تماما بأن الثقة في القضاء ودعم مصداقيته لن يتحققا إلا عن طريق ترسيخ القيم والأخلاقيات القضائية الرفيعة، وسيادة السلوك القويم لدى مكونات الجسم القضائي برمته، مع ضرورة الالتزام والتقيد بها من طرف السادة القضاة في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحفظ هيبة القضاء وحرمته، باعتبارها مؤشرات قياس مجتمعية لفهم جدلية الحق والواجب في السلوك القضائي. وأضاف بنعليلو أن فكرة المؤشرات الأخلاقية في هذا المجال تلامس جانبين مختلفين، يهمان في ذات الوقت قياس الأثر السلبي وقياس جهود تجاوزه؛ مشيرا إلى أنه "إذا كنا نعي جيدا صعوبة إيجاد معيار علمي جامع لقياس هذه العلاقة وتقييم آثارها، فإننا على يقين أيضا بأن عملية الرصد والقياس ممكنة، على الأقل من خلال بعض السلوكيات التي تعتبر مؤشرات للأقيسة الإدراكية التي تحاول رصد الانطباعات من خلال استطلاعات رأي حول الأداء القضائي". وأكد على أهمية النظر إلى هذا اللقاء على أنه أكبر من مجرد عملية تعليمية أو تواصلية للتعريف بمدونة السلوك القضائي ومناقشة بعض مما تضمنته من زوايا مختلفة، بل على أنه عملية تفكير مشترك تفرض على الجميع، كل من جهته، كل من زاوية نظرته للأمور، إعادة قراءة واقع الممارسات والسلوكيات المهنية والشخصية على ضوء المبادئ التي تضمنتها المدونة. وتهدف هذه الندوة إلى تمكين السادة والسيدات قضاة المملكة على اختلاف مناصبهم ودرجاتهم وحجم مسؤولياتهم ومهامهم، من معرفة أكبر بواجباتهم الملتزمين بها مهنيا وأخلاقيا، وتشكل مناسبة سانحة للمتقاضين للاطلاع على معايير واضحة ومحددة لأخلاقيات مهنة القضاة من أجل بناء الثقة في مرفق القضاء، وتحسين فعاليته ونجاعته، مما سيساهم بشكل فعال في تنزيل النموذج التنموي الجديد. وتتطرق هذه الندوة الوطنية، التي تتواصل فعاليتها اليوم وغدا الجمعة، إلى عدة مواضيع تتمحور أساسا حول "مدونة الأخلاقيات القضائية من أجل تعزيز الثقة في القضاء" و"حرية التعبير بين الحق الدستوري والواجب الأخلاقي، أية ضوابط؟" و"مبادئ مدونة الأخلاقيات القضائية والتطبيقات المرتبطة بها". وتعرف جلسات هذه الندوة الوطنية مشاركة وازنة لثلة من خبراء القانون والقضاء، وكذا ممثلي مختلف الجمعيات المهنية للقضاة، وذلك عبر تقديم سلسلة من المداخلات، كما سيتابع أطوارها كافة مسؤولي وقضاة المملكة، سواء بشكل حضوري أو عن بعد.