فسر عدد من المراقبين، منهم دبلوماسيون من داخل منظمة الأممالمتحدة، إقدام جمال بنعمر، الوسيط الأممي لحل الأزمة في اليمن، على طلب الاستقالة، بأنها خطوة تأتي في سياق تعرضه لاتهامات له بالتحيز لطرف دون الآخر في اليمن، وتحديدا لجانب الحوثيين الذين تستهدفهم حاليا عملية "عاصفة الحزم". وربط مراقبون طلب الدبلوماسي المغربي، 58 عاما وعينه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، رسميا في منصبه في غشت 2012، بأنه تعبير منه لتجاوز قرار مجلس الأمن الأخير للمجهودات التي قام بها بنعمر في اليمن، منذ اندلاع الأزمة في هذا البلد، وتطورها الدراماتيكي إلى الوضع الراهن. وتعرض بنعمر لاتهامات كثيرة بأنه "منحاز" لأحد طرفي النزاع اليمني، متمثلا في جماعة "أنصار الله" الشيعية، وبأنه كان يسعى من خلال مبادراته السابقة إلى منح "الشرعية" للحوثيين، فيما ذكرت مصادر دبلوماسية غربية أن دولا خليجية أبلغت موقفها "السلبي" من بنعمر خلال القمة العربية بشرم الشيخ في مارس الفائت. وترى دول خليجية تشارك في "عاصفة الحزم"، التي تشنها المملكة العربية السعودية، ضد معاقل الحوثيين باليمن، بأن الدبلوماسي المغربي لم يتوفق في طريقة تدبيره لمحادثات السلام بين أطراف الصراع في اليمن، وبأنه كان "متساهلا" مع الحوثيين خاصة، رغم تأكيدات بنعمر المستمرة بأنه "متمسك بالمبادرة الخليجية". وبخلاف تلك الاتهامات التي وُجهت للدبلوماسي المغربي، والتي تدور في كواليس المواقف السياسية والدبلوماسية، أشادت مذكرة الأممالمتحدة بمجهودات الرجل، وقالت إن "الأمين العام يقدر بشكل كبير الجهود التي بذلها بنعمر خلال السنوات الأخيرة لتعزيز التوافق والثقة، من أجل التوصل إلى حل سلمي باليمن". ولتدرأ عنه أية تهم متداولة بالانحياز لطرف دون آخر في الأزمة اليمنية، شددت الأممالمتحدة على أن بنعمر قضى السنوات الأربع الماضية في العمل بتعاون وثيق مع اليمنيين، من أجل تحقيق طموحاتهم المشروعة في تحقيق انتقال ديمقراطي"، وبأن "هذا المسلسل تم نسفه بعد التصعيد المأساوي للعنف". الرجل المناسب الباحث في الشأن الشيعي وعضو مؤسسة "الخط الرسالي"، عصام حميدان الحسني، قال في هذا الصدد إن استقالة الدبلوماسي المغربي من مهمته باليمن جاءت بسبب تصريحاته الأخيرة الداعية إلى وقف عمليات قصف اليمن، وجلوس أطراف النزاع السياسي اليمني على طاولة المفاوضات". وتابع حميدان، في تصريحات لهسبريس، بأن موقف بنعمر لم يعجب السعودية، ولا "هادي منصور"، الراغبيْن في استمرار العمليات العسكرية باليمن"، وفق تعبيره، مضيفا أن هذا الأمر أكدته جريدة "نيويورك تايمز" التي أجرت مع بنعمر حوارا يوم الأربعاء حول هذا المعطى". وذهب المتحدث إلى أن الدبلوماسي المغربي استطاع إدارة الوساطة في الأزمة اليمنية باقتدار منذ 2012، وكان محل انتقادات من السعودية التي أصرت على أن تكون جلسات الحوار اليمني بالرياض، ما اعتبره "أنصار الله" مطلبا غير واقعي لعدم حيادية المملكة، فاقترح بنعمر الدوحة كبديل عن الرياض، وهو ما أثار في وقته حفيظة السعودية". واستطرد الحسني بأن جمال بنعمر يعتبر شخصا مناسبا لإيجاد الحل، خاصة أنه خبر تفاصيل الوضع المعقد لليمن"، مضيفا "أن هذا الدبلوماسي قام بدوره لولا التدخلات الخارجية في الملف اليمني"، قبل أن يؤكد أن "بنعمر كان واضحا عندما طالب بوقف العنف في اليمن، وعودة الحوار". وخلص المتحدث إلى أن موقف بنعمر كان طبيعيا من وسيط أممي، مهمته الرئيسية تتمثل في إحلال السلام في اليمن، وليس تسعير الحرب، وإيجاد خارطة طريق يمنية مقبولة لدى كل أطياف الشعب اليمني، بعيدا عن منطق استتباع اليمن وضرب استقلاليته" على حد تعبيره.