احتضنت مدينة أصيلة مساء يوم أمس الأربعاء 3 نونبر من الشهر الجاري، وعلى مدار ثلاثة أيام إفتتاح الندوة الثانية التي تدخل ضمن الدورة 42 من مهرجا أصيلة الدولي، الذي تسهر على تنظيمه مؤسسة منتدى أصيلة برئاسة وزير الخارجية الأسبق السيد "محمد بن عيسى" ، وذلك تجث الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. ندوة يوم أمس التي دار موضوعها حول "أي مستقبل للديمقراطية الانتخابية"، شارك فيها العديد من المثقفين والسياسيين والخبراء من المغرب وخارجه. إذ أكد محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، في كلمته الافتتاحية للندوة، أن موضوع الندوة، يعتبر "الشغل المركزي الراهن للفاعلين والمحللين السياسيين والأكاديميين المختصين سواء في المجتمعات العريقة أو الحديثة العهد بالديموقراطية"، متابعا أن الموضوع يشكل "مصدر اهتمام وقلق حتى لدى الذين ينبذون الديموقراطية ولا يؤمنون بجدواها".
وأشار إلى أن الندوة تناقش قضايا الديمقراطية، والقضايا المتصلة بها، من قبيل مستقبل العولمة وأزمات الرأسمالية، وإشكالات التعددية وظهور عالم متعدد الأقطاب، فضلا عن مخاطر البيئة والثروة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والوباء الجماعي. بالمقابل، توقف وزير العدل المغربي السيد "عبد اللطيف وهبي"، عند ما أسماه "الديموقراطية الانسيابية أو ديموقراطيات التمثيليات الخارجة عن لعبة الانتخابات، مثل وسائل التواصل الاجتماعي"، مضيفا أن "الديموقراطية الانتخابية بالعالم أصبحت تعيش أزمة داخل المجتمعات الحديثة، على خلفية أزمات اقتصادية واجتماعية". وأضاف الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، "إذا حاولنا تلمس الأسباب التي تقود إلى إنتاج أزمة الديموقراطية الانتخابية، فإننا يمكن تفسيرها بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي خلقتها الثورة الصناعية والتي أسفرت عن التحولات في العالم الاجتماعي والسياسي"، موضحا أن "انفتاح المجال الاجتماعي على تبادلات بسبب انتشار التعلم والتكوين (...) أفرز تراجع سلطة الأطر الثقافية التقليدية في مراقبة المجتمع والأخلاق والأفكار، بينما في المجال السياسي نجد تراجع السيادة الوطنية للدول أمام تأثيرات العولمة الاقتصادية، والذي أضر كثيرا بالديموقراطية الانتخابية وأصبحت المؤسسات السياسية عاجزة عن معالجة كل المشاكل المطروحة". أما وزير الدولة الخارجية البرتغالي الأسبق "لويس أمادو"، فقد اعتبر أن أزمة الديموقراطية الانتخابية ناتجة عن عدم قدرة الفاعل السياسي على التحكم غالبية الدينامكيات التي يعرفها المجتمع والتي أفرزت أزمات سياسية طالت عدد من البلدان العالم الثالث سواء بالقارة الإفريقية أو الأسيوية أو أمريكا اللاتنية.وفي بعض الأحيان طالت بلدانا كبيرة وعريقة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأضاف إلى أن الأزمة الوبائية العالمية أعطت رؤية أوضح لما يعتمل في العالم من تحولات، لاسيما صعود الشرق مقابل تراجع الغرب، والحاجة إلى تعديل العولمة، وانتشار الفقر والتفاوتات وتغير أنماط التواصل بين أفراد المجتمع، وتحول شروط الإنتاج والإكراهات المناخية، معربا عن اعتقاده بأننا بصدد "التوجه إلى مجتمع جديد واقتصاد جديد، وهو أمر سيجري بصدامات أكبر". أما وزير خارجية إسبانيا الأسبق، ميغيل أنخيل موراتينوس، فقد إعتبر أن "الديموقراطيات اليوم في خطر، والديموقراطية يتعين عليها أن تتجدد، إنها بمثابة مسلسل مفتوح يتعين بناؤه كل يوم، هي مرجع أساسي بالنسبة للشعوب والمواطنين، وإذا اعتبر المواطنون أنفسهم أنهم غير ممثلين في العملية الديموقراطية فإن ذلك يصير مشكلا، ونحن بالفعل نعيش هذا المشكل اليوم، إذ أن هناك مشاركة أقل، والتزام وثقة أقل في الطبقة السياسية، ربما هناك انسلاخ من المواطنين والمجتمعات عن الهيئات السياسية". و أشاد بمسلسل البناء الديموقراطي بالمغرب بفضل ريادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مذكرا في هذا الصدد باعتماد الدستور الجديد، واحترام نتائج الانتخابات التي أفرزت خلال الولايتين السابقتين حكومة بأغلبية يقودهما حزب إسلامي معتدل، قبل أن تقود الانتخابات الأخيرة لتشكيل أغلبية وحكومة جديدتين، معتبرا أن هذه "هي طريقة تجديد المؤسسات الديموقراطية، أي الاحترام والثقة في المنتخبين".
هذا وقد إعتبر الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية "نبيل بن عبد الله"، الذي اختار مخاطبة زوار مهرجان أصيلة الدولي باللغة الفرنسية، أن الديموقراطية الانتخابية اليوم تعيش خطرا وتهديدا حقيقيا، لدى يجب أن تجدد نفسها، وأن تلامس المطالب العادلة للمواطنين والمواطنات. قال إن الديموقراطية في العالم تعيش أزمة حقيقية، خصوصا في ظل تنامي الاحتجاجات غير المؤطرة وتراجع دور الفاعل السياسي، واختزال الديموقراطية الانتخابية في "ديموقراطية الصناديق" دون السعي لتوفير بيئة تعزز من الديموقراطية التمثيلية (مؤسسات الحكامة، فصل السلط ..)، وتداعيات الأزمة الصحية العالمية على أنماط الحكامة بالعالم. وإعتبر محمد أوجار وزير العدل المغربي السابق، الذي شارك في الجزء الثاني من هذه الندوة صباح اليوم الخميس 4 نونبر:" أن الندوة تأتي بعد نجاح المغرب في تنظيم استحقاقات انتخابية مهمة جدا، حيث شهدت هذه الانتخابات نسبة مشاركة مرتفعة، وسجلت تداولا سياسيا بين الأحزاب. وأضاف، أن النقاش يسائل الأزمة التي تعيشها الديمقراطية بصفة عامة، والأزمة التي تواجهها الأحزاب في العالم، ثم مختلف التساؤلات التي تتم مناقشتها في مختلف عواصم العالم، حول تدني مستوى المشاركة في الانتخابات وحول اختصار الديمقراطية في العمليات الانتخابية، وفي بروز أشكال جديدة تتحدى الوسائط التقليدية للديمقراطية المجسدة في التنسيقيات والحركات الاحتجاجية العفوية. أما ادريس الكراوي رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة "تمت مناقشة الأزمة البنيوية التي تعرفها المنظومة الديمقراطية في العالم، مع إبراز خصوصية النموذج المغربي للديمقراطية". وإعتبر الكراوي، أن "صعوبة انتاج النخب السياسية لأفكار جديدة، واقتراح ما يمكن هؤلاء النخب من جعل المواطنين في صلب حلم جديد، يواكب تطلعاتهم وهمومهم وحاجياتهم ويحاول أن يعطي معنى للسياسة. وأضاف " الندوة كانت فرصة لإبراز مدى تقدم الفكر وتقدم التحليل، على صعيد مخرجات هذه الأزمة، وتبين على أن الديمقراطيات بما فيها الديمقراطيات العريقة، في حاجة إلى ثقافة سياسية جديدة". جدير بالذكر أن فعاليات هذه الندوة تمتد لغاية يوم الغد الجمعة 5 نونبر من الشهر الجاري، ومازال المهرجان يحتفظ بثلاث ندوات كبرى "العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة .. العروبة إلى أين؟" (8 و9 و10 نونبر)، فيما ستكون الندوة الرابعة تكريمية وسيتم خلالها الاحتفاء بالإعلامي المغربي محمد البريني (11 نونبر)، قبل التطرق لموضوع "الشيخ زايد .. رؤية القائد المتبصر" خلال الندوة الخامسة (12 و13 نونبر)، ثم إسدال الستار على هذه الدورة بتنظيم اللقاء الشعري الثاني حول "لغة الشعر العربي اليوم" (16 و17 نونبر).