منذ إعلان جائحة فيروس كورونا القاتل عابرة للقارات بعد فترة صمت غادر، اتّخذت الدولة المغربية قرارات استباقية استراتيجية وسيادية حاسمة طبعا بتنسيق مع شركائها في المحيط الإقليمي والدولي، حيث كان أجرأ قرار على الإطلاق هو إغلاق الرحلات الجوية وعبور الحدود من وإلى المغرب، رغم أن المغرب له قرابة 5 ملايين مهاجر موزع في بلدان إقامة في القارات الخمس. قرار إغلاق الحدود المفعل يوم 14 مارس 2020، فعلا جنّب المغرب كبلد منفتح ومشرع الحدود في وجه التنقل وحركية البشر، كارثة وبائية كان ضحاياها قد يفوق الأرقام التي نحصيها يوميا في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، بالنظر إلى أن الحالات الأولى للإصابات تكون وافدة وأن موجة التدفق على المغرب مكثفة باستمرار، إضافة إلى ضعف البينات الصحية ومحدوديتها ، واعتبارا أيضا لخصوصية نمط حياة المجتمع المغربي وثقافته وعاداته المطبوعة بالفعل الجمعي. وإذا كانت كثير من قرارات الدولة المغربية حرّكها عقل استراتيجي، أثبت حضوره في خضم هذا الطارئ الجيوسياسي الذي تغاضى عن الخوض في تحديد المسؤوليات، ولقيت تدابيره إشادة أجنبية ووطنية خاصة تلك المتعلقة بإغلاق الحدود، وإعلان حالة الطوارئ، وفرض الحجر الصحي تحيّزا لسلامة المواطنين، وتوقيف الأنشطة الاقتصادية والتجارية والدراسة، وإحداث صندوق مواجهة الجائحة، وتكفّل الدولة بتقديم المساعدات للأسر والعائلات، ودفع مؤسسة الضمان الاجتماعي لمنح دعم لفاقدي الشغل. فإنّ المفارقة كانت أيضا ملحوظة وملموسة بين العقل الاستراتيجي الموجّه والمصدّر للتعليمات، وبين العقل التقني العاجز على مستوى الحكومة والمؤسسات المعنية بتصريف القرارات وتنزيلها بشكل سريع، خاصّة وأن تدبير انعكاسات الجائحة اقتصاديا واجتماعيا على المعيش اليومي لساكنة عشرة ملايين منها فقراء، يفترض أن يكتسي طابعا استعجاليا دون ارتباك. وبعودتنا إلى الحديث عن مأساة ما يزيد عن 18 ألف مواطن مغربي، منعهم قرار إغلاق الحدود وإقفال الرحلات الجوية والبحرية والبرية من وإلى المغرب من حق العودة، ووجدوا أنفسهم عالقين في تراب دول أجنبية، يمكن القول إنّه وفقا للمواثيق الدولية وللدستور المغربي كان على المغرب، أن ينجح أيضا في معادلة تمتيع مواطنيه بحقّ العودة إلى بلدهم الأصلي، وفي الوقت ذاته في ضمان تطويق انتشار الجائحة. وكان بالأحرى على الحكومة المغربية على غرار حكومات باقي دول العالم -بينما الدولة تتحكم في تطور انتشار الفيروس-أ ن تعمل على تنظيم رحلات إجلاء استثنائية لهؤلاء المواطنين وإن على مراحل وجدولة زمنية متقطعة متقطعة منذ اقتحام الوباء التراب المغربي، مع إخضاعهم لحجر صحي محتمل في أماكن عامة وخاصة على امتداد المدن والجهات التي ينتمون إليها. علما أن أغلب هؤلاء كانوا في وضعية سياحية أو أعمال حرة أو دراسة أو زيارات عائلية وتطبيب، وليس الحديث هنا كما يتمثّله البعض عمّا يفوق 4.5 ملايين مهاجر مغربي ببلدان العالم. يذكرأنه، لم يعد مستساغا ولا مقبولا الآن، استمرار الحكومة في التفرج على مأساة 18 ألف مغربي، عالقين بدول أجنبية، خاصة وأنه يتم الحديث عن مجهودات بذلت على مستوى توفير بنيات الاستقبال واللوجستيك والتشخيص والتحليلات المخبرية، ويتم بشكل يومي مسترسل تفعيل إجراءات على مستوى فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي والتحسيس والتوعية وتكيّف المجتمع مع راهنية الوضع ومستجداته.. فعلا ، جائحة كورونا الكونية قد خلقت أوضاعا خارقة لحقوق الإنسان في مستويات عدة حتى في البلدان المتقدمة نفسها. هذه الأخيرة نفسها ارتبكت أخطاء جسيمة في عملية إجلاء مواطنيها بل منها من تأخّر في ذلك. ولكن لا يمكن بأي حال خاصة بعد تمديد الحجر الصحي أن تستمر مأساة العالقين تحت طائلة أي مبرر يعصف بحق عودة مواطنين إلى بلدهم.