الأستاذ : عمر أمزاوري يقبل بنات وأبناء الشعب المغربي على الدخول المدرسي الجديد نظريا في بداية شهر سبتمبر من كل عام دراسي، يترافق هذا الحدث هذه السنة مع التطورات المعقدة لسيد الأعطاب المغربية والتي يمكن إجمالها في التالي: -سيادة خطاب الأزمة وانعدام الحل في الأمد المنظور. – انهيار النظام التعليمي أو الاصطلاح اللطيف: تفكك منظومة التربية والتعليم. – إصلاح الإصلاح.. (أصلح الله الوضع!). – تعقيد الوضعية : التوظيف بالتعاقد وتهديد الأمان الوظيفي للأستاذ. – إشكالية لغة التدريس في المواد التقنية والعلمية. – نوعية التعليم الذي يحتاجه هذا البلد. كما نلاحظ جميعا فهذه عبارة عن عبارات: شعارات! مقولات حقة أو إيديولوجية حسب الحال والمآل، حسب الواقع الموضوعي الذي يمكننا من التمييز بين الحسن والقبيح، بين النافع والضار، بين الحقيقي والوهمي. أكتب هذا من منزلة المواطن، دافع الضرائب المسكين الذي يراد له أن يدفع الضرائب مقابل خدمات مجانية رديئة، لست متخصصا في الشأن التعليمي، ولا مسؤولا في قطاع التعليم، وإنما خبرتي جمعوية متواضعة في إطار حقل التربية والثقافة.. وقد كتب لي القدير أن أرى حال التعليم المغربي في هذا الزمن الذي نسمع دائما مقولة التوحيد والمجانية لكنه في حقيقة الأمر تعليم غير موحد ولا مجاني في الحقيقة (الضريبة تلغي مقولة الخدمات المجانية).. صار التعليم الخصوصي منتشرا جدا في العقدين الأخيرين، فمالت الطبقة الوسطى وقبلها البورجوازية إلى التخلص من فكرة الدراسة في التعليم العمومي.. وإذا استوقفت شخصا مهما بلغت اشتراكيته المزيفة، يعمل في إطار سلم 11 على سبيل المثال، سيخبرك أن لديه اعتراضات مقبولة على النظام التعليمي العمومي، وأن الأمن الاقتصادي مستقبلا لولده مهدد إذا تم إجباره على الدراسة في المدرسة العمومية.. بل هذه الاعتراضات لا نجدها عند وزراء حكومة الدكتور سعد الدين العثماني فقط، بل هي شاملة لكل الطبقة السياسية المغربية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الجذري العميق.. أتذكر أنني أثناء استشفاء الوالدة أطال الله في عمرها في الرباط، وكان الوقت مطيرا وباردا، مررت من مدرسة خصوصية فوجدت أحد جهابذة السياسة المغربية الصاعدين والمدافع عن المدرسة العمومية ينتظر طفله أمام باب المدرسة الخصوصية ويتحدث معه بفرنسية جميلة يجيدها أحسن جون ماري لوبن! اللهم لا حسد! إذا بحثنا أيضا عن بروفايلات السياسين المغاربة سنجد أنهم يرسلون أطفالهم للدراسة في الولاياتالمتحدة وفرنسا وكندا وروسيا، والبعثات الأجنبية الإسبانية أيضا.. لكنهم يعطوننا دروسا حول ضرورة الدفاع عن اللغة العربية ! عن الهوية ! وكأن المغاربة يأكلون الهوية ! وطبعا أيها السيدات والسادة هذا كلام يقولونه للضحك على عقول المساكين من الناس والبسطاء، وهذه ليست التسعينات ليتكرر الضحك مجددا علينا في موضوع لغة التدريس سواء باسم الاشتراكية ذات الميول القومية العربية أو الإسلام السياسي ! هذه الأرض أمازيغية، ونحن المغاربة شعب موري، واللغة ليست سوى وسيلة تواصل لإحلال السلام وتيسير المعاملات بين البشر.. والموري استعمل الأمازيغية والبونيقية، اللاتينية، ثم جاء العرب واستعمل العربية أيضا ثم تطورت العربية المغربية لغة الشعب المغربي الحقيقية والتي ستجدها لغة الغالبية العظمى للشعب المغربي ونسميها زورا بالدارجة وكأنها دارجة فقط.. وليست لغة حقيقية! تكون اللغة تحت مسمى اللغة الأم، حين تتحدث بها من سنوات ما قبل الدراسة في المنزل، فلغتي الأم هي اللغة العربية المغربية الشمالية، أما اللغة العربية الكلاسيكية فلغة غير موجودة في الواقع اللساني اليومي، باستثناء كونها لغة البرامج والديانة وبعض الأمور الرسمية في البلد، فهي لغة مكتوبة.. وكأننا نتحدث من خلال لسان من ماتوا قبل قرون، هذا طبعا تقريب لما أراد أن يقوله وزير صريح أمام حدث جمعوي نواحي تطوان !. والحق يقال أن المنظومة التعليمية المغربية دخلت مرحلة الانحطاط التام، منذ جريمة التعريب العراقية، نسبة للعراقي وليس للعراق الشقيق طبعا، فقد شكل الأمر في البداية انتصارا لقيم الهوية لكنه في النهاية ساهم في تخريج ملايين الغاضبين على سوء قدراتهم التعليمية إلى الحياة العملية، حيث تم تزويدنا جميعا بمعارف غير ضرورية عن حياة عنترة بن شداد، وقضينا 15 سنة في دراسة لغة مكتوبة معقدة وذات صعوبات نحوية، إضافة إلى اللغة الفرنسية التي لا تقل غرابة وصعوبة عن العربية الكلاسيكية.. ولكن لنكن واضحين، فعلى الرغم من كون اللغة قضية مهمة، فإنه بالإمكان أن نتصالح مع الذات الوطنية المغربية، ونعتمد اللغة العربية المغربية المعيارية، وهذا سيساهم بلا شك في تقليص مدة تعليم اللغة الوطنية الحقيقية، وتجاوز وضعية الأمية القسرية في النحو أيضا.. ويمكن اعتماد اللغة الإنجليزية بدل اللغة الفرنسية بشكل عاجل، لا كما يقرر البعض في أفق سنة 2050 !! فقواعد اللغة الإنجليزية سهلة حين نقارنها باللغة الفرنسية، وهذه الأخيرة يجب أن تظل حاضرة في إطار حجمها الطبيعي، لا كما يحصل اليوم من تضخيم لأهمية اللغات الفرنسية والعربية القديمة والأمازيغية المصنوعة.. هذه لغات غير شعبية، والمغاربة يتحدثون العربية المغربية والأمازيغيات بمختلف اللكنات المعروفة حسب المناطق والجهات.. أضف أن اللغة الإنجليزية منتشرة بقوة بين الشباب اليوم مع تراجع كبير للغة الفرنسية، وانعدام القدرات اللغوية في الفرنسية لدى الطلبة والباحثين واضح جدا في الجامعة المغربية.. من جانب هناك التوظيف بالتعاقد، وهذا التعاقد يعقد الوضع التعليمي المعقد أصلا.. فنحن أمام إشكالية حقيقية تهم الأمان الوظيفي للشغيلة التعليمية، واستمرار حالة انعدام الأمان الوظيفي لا يساعد في في إصلاح هذا التعليم المغربي، إن وجدت طبعا إرادة للإصلاح.. فهذه الوضعية تتكرر كل سنة مع تخرج كل فوج للتعاقد، وكان بالإمكان استخدام الذكاء قليلا والوصول إلى نقطة شراكة بين التنسيقيات والوزارة والنقابات تحافظ على منهج التعاقد كنظام أولي للعمل، مع اعتماد الإدماج لمكافأة من يثبتون الجدارة والأهلية المهنية في مدة محدودة لا تتجاوز الخمس سنوات مثلا.. وهكذا نحقق التجويد في الأطر التعليمية ونحفظ الأمان الوظيفي للشغيلة التعليمية. من جانب آخر فالاهتمام بالتعليم يجب أن ينصب على الفائدة الاقتصادية منه، ولحد الآن لازالت الجامعة المغربية مثلا تنتج الآلاف من الإيديولوجيين الذين لا ينوون فهم الحياة بطريقة عملية، ولا يميزون المصلحة الفردية والحرية والمصلحة العامة عن المصلحة الإيديولوجية.. إنه محض تصور مشوه للواقع يتخلص الإنسان منه بألم كبير. إن ربط التعليم بالاقتصاد لا يتأتى من خلال تدريس مواد تدبير المقاولات لأصحاب الشعب العقيمة في الجامعات، بل من خلال توجيه الأطفال المغاربة منذ السنوات الأولى نحو تنمية الحس التقني والمهني والاقتصادي، وتجنيب الشعب العقيمة الضغط الديمغرافي منذ المرحلة الثانوية، مع إنهاء نظام الاستقطاب المفتوح فيها ورفع المستوى الدراسي لدرجة لا تسمح لمتواضعي المستوى لدخول كليات الحقوق والآداب والعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية أيضا.. إن الهدف الحقيقي للتعليم في هذا العصر ليس هو رفع عدد الحاصلين على الشواهد العليا كما يعتقد المثقف الإيديولوجي، الجاهل جهلا مركبا، بل هو صناعة إنسان ومواطن ذكي قادر على حمل قيم أخلاقية واقتصادية واجتماعية، وجاهز لياكل خبزه بنفسه ولا يتسول عشرة دراهم من والدته العجوز ..