لا أعرف لماذا بدأت تنتابني رغبة جامحة في الكتابة عن مسقط رأسي، مدينة أصيلة مع العلم أنه في كل مرة كنت أقرر فيها الكتابة عنها إلا وأناملي تبدأ في ارتعاش غريب، غير أن الموت السريري للمدينة ولسكانها، فرض علي على الأقل في ظل صمت رهيب وتواطؤ وتحامل كبيرين على المدينة أن أصرخ بصوت عالي، لكن هذه المرة الصرخة عن طريق الكتابة لتصل لأكبر عدد ممكن من القراء. إن مدينة زيليس الضاربة في القدم والحاملة لقيم حضارية وتاريخية وثقافية ربما تصل إلى ما قبل الميلاد، أصبحت اليوم كالمرأة العجوز التي لا تقوى على أن تحتضن اولادها ومنزلها وتدافع عنهم، أصيلة شاخت وشاخت معالمها، ومع شيخوختها، بدأ أبنائنها يتعرضون للتقتيل المتعمد وذلك عبر التهميش والحرمان من أبسط الحقوق التي يجب أن تتوفر لأي مواطن. إن الدمع لا يفارق العين والجرح لا يندمل عندما تجد عددا من شيوخ المدينة الذين أفنوا حياتهم فيها لا يجدون مكانا يقصدونه سوى بعض المقاهي الشعبية، وعندما تجد الشباب لا يجد ما يفعله في المدينة سوى الجلوس في الحومة والتعاطي للحشيش بشكل كبير، وعندما تجد بعض الموجزين والحاصلين على الشواهد العليا مضطرون للرحيل عن مسقط رأسهم قصد البحث عن لقمة العيش، لأن مدينتهم أصبحت مهتمة فقط بجلب أموال الخلجيين التي يستفيد منها ملك المدينة لوحده. إن الدمع لا يفارق العين، عندما أشعر أن الكل متحامل على مدينتي، كل الأحزاب السياسية، لا تتحرك إلا بشكل موسمي، بل هي أيضا تتبنى الخطاب التظلمي، لأن أخر شيء يمكن أن يهمها هي المدينة وسكانها، عندما أجد النقابات شبه متغيبة عن المدينة وعندما أجد الجمعيات الحقوقية أخر ما تفكر فيه هو فتح ملفات تفضح فيه الخرق السافر لحقوق الإنسان في عدد هام من المجالات، وعندما أجد الجمعيات مهتمة فقط بتخليد المناسبات الوطنية والتسابق عليها. أصيلة لا تستحق كل هذا من أبنائها الغير شرعيين، لأن الإبن الشرعي لن يتخلى عن أمه، أصيلة الشمعة المضيئة التي تبهر كل زوارها كانت تستحق الإهتمام، الإهتمام ببنياتها التحتية وبسكانها وشبابها، لكن دائما ليس كل أمانينا يمكن أن تتحقق. اليوم لا يمكن ان نعيش دور الضحية واختيار نهج الصمت والخدلان، لا يمكن لإبن يعشق أمه وأرضه أن يتخادل على مدينته، ولا يمكن أن يستسلم ويرفع الراية البيضاء، اليوم حان الوقت لنقول كفى لكل الإنتهازيين، اليوم سوف أصرخ عاليا ولو لوحدي لأقول كفى، كفى من بناء مقابر جماعية لأبناء هذه المدينة، كفى من بناء قبر لأي شخص ازداد أو عاش في هذه المدينة. كفانا من المقابر الجماعية نريد المدارس نريد المستشفيات، نريد مرافق اجتماعية ورياضية، نريد من يحب المدينة ويخاف عليها وعلى ساكنتها، فهل ستستيقضون من سباتكم؟