كان لنتائج الانتخابات في جهة الاندلس المستقلة وقع الصاعقة على المشهد السياسي الوطني في اسبانيا بتراجع الحزب الاشتراكي الاسباني الذي حكم الجهة منذ عودة الديموقراطية إلى الآن أي ما يزيد عن 36 سنة ورغم استمراره كقوة سياسية أولى ب 33 مقعد إلا أنه لن يستطيع تشكيل حكومة بالتحالف مع تحالف بوديموس وااليسار الموحد اليساريين، وفي المقابل ورغم تراجع الحزب الشعبي اليميني سجل غريمه من وسط اليمين “سيودادانوس” صعودا صاروخيا ضاعف فيه عدد المقاعد المحصل عليها سنة 2015 (21 مقعد)، والمفاجأة التي هزت الأندلس وأصابت ارتدداداتها كلّ اسبانيا سجلها الحزب اليميني المتطرف “فوكس” الذي حصل على 12 مقعد وأصبح مفتاحا لتشكيل حكومة يترأسها الحزب الشعبي أو غريمه سيودادانوس من وسط اليمين. عبد الحميد البجوقي يُجمع المحللين والمتتبعين للشأن الاسباني أن هذه النتائج سيكون لها تأثير وانعكاس على المشهد السياسي في اسبانيا. هذه النتائج التي توافق الاحتفال بالذكرى الأربعين لميلاد الدستور الاسباني تعيد إلى الساحة السياسية الاسبانية إلى أجواء الانقسام والتطاحن التاريخي بين الاسبانيتين، الجمهورية والملكية، وهو التطاحن الذي أفرز سنة 1936 الحرب الأهلية الدامية التي انتهت بانتصار الديكتاتور فرانكو والعودة بعد 40 سنة من الحكم المطلق للملكية البوربونية. المُستجد في هذه النتائج هو صعود اليمين المتطرف واقتحامه للمؤسسات الديموقراطية وتأقلم هذا اليمين مع نظيره في فرنسا مع الجبهة الوطنية وفي ايطاليا مع تحالف الشمال وفي ألمانيا مع حزب البديل الألماني وكذلك في النمسا والسويد وغيرها من دول الاتحاد الآوروبي. هذا الاقتحام القوي وغير المنتظر من حيث عدد المقاعد المحصل عليها يُنذر حسب استطلاعات الرأي بصعود مماثل في الانتخابات التشريعية الوطنية المقبلة، كما يُنذر بتراجع الأحزاب التقليدية وتفكك التحالفات الحالية وامساك هذا الحزب بمفتاح أغلبية تشكيل الحكومة المقبلة. الحزب الجديد/القديم يُعلن عن برنامج اقتصادي يضعه في خانة الأحزاب اللبيرالية ويتحاشى التشكيك في المؤسسات ويتشبث بدستور الديموقراطية (دستور 1978)، لكنه يعلن صراحة عن نيته للعمل على تفكيك هذه المؤسسات الديموقراطية والتراجع على كل قوانين المساواة بين المرأة والرجل، وعن البرامج الاجتماعية، وعن قانون الذاكرة التاريخية الذي أقرّ حقوق ضحايا وعائلات ضحايا الحرب الأهلية. واختار هذا الحزب لترويج برنامجه خطابا عنصريا يصرفه بشراسة غير مسبوقة ووجد في محاربة الهجرة وتشديد القوانين المنظمة لها خزّانا انتخابيا على غرار باقي الأحزاب اليمينية المتطرفة في أروبا، وكلها تتماهى مع خطاب الرئيس الأمريكي ترامب وجملته الشهيرة ” أمريكا أولا” بالمقابل يرفع حزب فوكس شعار ” إسبانيا للإسبان فقط”. أن تكون انطلاقة هذا المشروع السياسي المتطرف من جنوباسبانيا وبالخصوص من الأندلس، وأن يرفع شعار طرد المهاجرين المسلمين الرافضين حسب زعمه للإندماج مع الثقافة المسيحية يعيدنا إلى جريمة طرد الموريسكيين والتنكيل بهم، ويخاطب بمكر لاوعي الاسبان ومخزونه من كراهية الموروس والتحذير منهم وتأجيج مشاعر الكراهية، و تصريح زعيم الحزب ومؤسسه الوطني “سانتياغو أبسكال كوندي” بالدعوة إلى بناء سور على الحدود مع سبتة ومليلية على غرار مشروع الرئيس الامريكي ترامب على الحدود مع المكسيك يكشف خطورة المشروع السياسي لهذا الحزب وتأثيره المنتظر على اليمين التقليدي والدفع به خارج دائرة الاعتدال التي ميزت خطابه حتى الآن. خطورة “فوكس” أنه يختلف عن اليمين الفرنكاوي من حيث الشكل ويجتهد في التميز عن الأحزاب الفرانكوية وفي الانضباط للقوانين الجارية واحترام المؤسسات والانخراط فيها لكنه يحمل مشروع الانقلاب عليها من الداخل ولا يخفي نيته في خلخلة التوازن الذي قام عليه الانتقال الديموقراطي الاسباني بما في ذلك الغاء نظام الجهوية المتقدمة. على مستوى العلاقات الخارجية لإسبانيا “فوكس” لا يهدد فقط العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بانضمامه إلى باقي الآحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة المُطالبة بالانسحاب من الاتحاد، بل يهدد وبقوة العلاقات مع المغرب ويعلن عداءه الواضح للمصالح المغربية وفي مقدمتها الصحراء المغربية. الخلاصة أننا أمام مشهد سياسي جديد يتشكل في اسبانيا، وبروز حزب فوكس اليميني المتطرف في جنوباسبانيا على الحدود مع المغرب ينذر بمتغيرات عميقة في المشهد السياسي الاسباني وبالضرورة في العلاقات المغربية الاسبانية، متغيرات تتطلب المزيد من المتابعة والتحليل والقراءة.