فى الفاتح من يونيو (حزيران) الجاري حجبَ أو سحبَ البرلمان الإسباني الثقة عن رئيس الحكومة الإسبانية المحافظ “ماريانو راخوي” بعد إدانة حزبه بسلسلة من فضائح الفساد الإدارية المتوالية، وعمليات تبييض الأموال،وإختلاسها ، وتهريبها خارج اسبانيا، والحصول عليها بطرقٍ،ووسائل غير مشروعة، فضلاً عن التلاعب بصفقات مالية سرية كبرى غير واضحة المصدر داخل الحزب،وقد طفح الكيل بفضيحة الفساد الشهيرة التي أطلق عليها "غورتل" التي كانت القضية التي قصمت ظهر البعير حيث واجه حزب راخوي فضائح فساد لا حصر لها، أدين فيها على نطاق واسع العديد من الوزراء، وكبار المسؤولين الإسبان السابقين المنتمين للحزب الشعبي الحاكم حتى 31 مايو(أيار) 2018، ولقد تبنىّ البرلمان الإسباني ملتمس سحب الثقة عن ماريانو راخوي – الذي تولىّ منصبه كرئيس للحكومة الإسبانية منذ ما ينيف عن ستّ سنوات- بأغلبية 180 صوتاً من أصل 350 بعد أن أقنع الحزب الإشتراكي مجموعة من الأحزاب اليسارية الراديكالية فى طليعتها حزب ” “أونيدوس بوديموس” (متّحدون نستطيع)،والانفصاليين الجهويين فى كاتالونيا، وحزب الباسكيين القوميين،وحزب اليسار الموحّد ،وآخرين،وقد أصبح راخوي أول رئيس لحكومة يتمّ إسقاطه بملتمس حجب الثقة منذ عودة الديموقراطية إلى اسبانيا 1977. وكانت محكمة إسبانية قد قضت بالسجن على العديد من رجال أعمال ومسؤولين كبارإسبان بعد إدانتهم وتورّطهم فى جرائم فساد .وقد طويت بذلك صفحة من تاريخ اسبانيا بعد أن صمد راخوي أمام أزماتٍ، ورجّاتٍ متعددّة ممّا اضطرّه إلى فرض إجراءات تقشفية ، فضلاً عن الشّلل السياسي الذي شهدته البلاد خلال عام 2016 ، ومواجهته الصّارمة لمحاولات انفصال إقليمكاطالونيا ،كلّ ذلك أفضى إلى إسقاط الحكومة التي كان يرأسها حتى 31 مايو(أيار) الفارط ،وحلول رئيس حكومة جديد مُمثلّا فى الكاتب العالم “للحزب الشتراكي العمّالي الإسباني” بيدرو سانشيس . هذه المستجدّات التي تعرفها جارتنا الشمالية تدفعنا إلى معاودة إلقاء إطلالة على بعض المشاكل والقضايا التي لمّا تزلْ عالقة بين البلدين، فضلاً عن سبرالماضي المشترك للبلدين الجارين ،وموروثاتهما الثقافية، والحضارية، والتاريخية المتنوّعة التي تقاسمها شعباهما على جانبي الضفّتين الأوربية الجنوبية، والإفريقية الشمالية ، كنموذج متميّز للتعاون والتفاهم، والتقارب بين البلدين فى المنطقة للتعايش،واحترام الجوار،والإندماج، وإستئثار الحوار، بدل التناوش والتشاكس ، وإمتطاء حدبة التعنّت والتجنّي..! وتجدرالإشارة فى هذا الصدد أنّ إسبانيا والمغرب بحكم موقعهما المتميّز،كبلدين جاريْن ، يجمعهما”ماضٍ” حضاريّ تقاسماه ، و”ثقافةٍ” رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، و”إشعاعٍ” متألق إنصهرا فى بوتقته، وبحكم”الحاضر” الواعد الذي يعيشانه ، و”المستقبل” المشترك الذي يتطلّعان إليه ، كلّ ذلك يجعل منهما طرفيْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور الحيوي الهامّ المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتعاون، والتفاهم ، ونَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق بينهما. إنّ العناصرالصالحة المشتركة، والمكتسبات الهامّة لمورثاتهما الحضارية ، والتاريخية، والثقافية ، تحفزالبلدين فى كل مناسبة لوضع قاطرة التعاون الثنائي بينهما على السكّة الصّحيحة ، لتقريب المسافات، وإستغلال كلّ العناصرالإيجابية بينهما، في عصرٍأصبحت فيه التكتّلات الإقتصاديّة،والسياسيّة، والبشريّة، والإجتماعية، والسياحية، والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لزيادة تقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة فى مختلف مرافق الحياة ، وتعزيزأوجه التعاون بينهما فى مختلف المجالات. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب متنوّع ، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً،وتقارباً، ويشكّلّ الموروث التاريخي، والثقافي، والحضاري المشترك الزّاخر بين البلدين أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ،الشئ الذي أفضي إلى خلق نوع من الإستمرارية والتواصل الدائمين في علاقات البلدين منذ عدّة قرون ،إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما منذ القرن السّابع عشر حيث بدأ بشكلٍ إنفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق فى ذلك. أفكار جاهزة وأحكام مُسبّقة ما فتئ المثقفون الإسبان والمغاربة يؤكّدون على الدّور المحوري الذي تلعبه الثقافة على وجه الخصوص فى توثيق العلاقات بين البلدين، حيث اضطلع هؤلاء المثقفون بالفعل فى العقود الأخيرة بدور طلائعي فى تطوير، وتفعيل وتقوية العلاقات الثنائية بينهما منذ تأسيس “مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة” التي ضمّت صفوةً من الكتّاب، والأدباء، المغاربة والإسبان 40 مثقفاً من المغرب ( منهم كاتب هذه السّطور) و46 مثقفاً من إسبانيا الذين طالبوا بضرورة تحريك العلاقات الإسبانية المغربية،وإعطائها نفساً جديداً، وإذكاء روح التفاهم والحوار بينهما، وتصحيح الصورة النمطية الخاطئة لدى السّواد الأعظم من الإسبان حول المغرب والعالم العربي بشكل عام. لقد أصبح الإهتمام فى الضفتين بثقافة البلدين يتنامى اليوم بشكلٍ مُرضٍ بينهما، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور، إنّ الاقبال المتزايد للإسبان على زيارة المغرب وإقامة الكثير من المغاربة بإسبانيا من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر. وينبغي على الطرفيْن التصدّي للأفكار الجاهزة،والأحكام المسبّقة الخاطئة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية ، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة المحدودة ،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات هي العمل سوياً على واجهات التربية، والاعلام، والثقافة،والفنون. إنه مجال يتطلب، منّا بذل مَجهودٍ مُضنٍ من أجل تعبئة مختلف وسائل الاعلام قصد نشر الصّورة الحقيقية عن كلا البلدين، وتصقيلها،وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط . الحوار بين البلدين يعتبر المغرب أقرب بلد من إسبانيا جغرافياً، وتاريخياً، وتقافياً، وإجتماعياً، ولا شكّ أنّ التبادل الثقافي بين البلدين سيزداد زخماً ومتانة بين الأجيال الجديدة المقبلة في أفق بلورة فضاء مشترك يتقاسمه الشّعبان على مختلف الواجهات. ينبغي عليهما والحالة هذه، البحث عن الوسائل الناجعة، والآليات العاجلة لزيادة إثراء الحوار القائم بينهما لإقرارأرضية صلبة للتفاهم بينهما فى مختلف المجالات،السياسية، والإقتصادية، والتجارية،والثقافية، والعلمية تتماشى وتتناغم مع المعطيات التاريخية،والموروثات الثقافية المشتركة بينهما، وإقتناعهما بالتأثير الإيجابي المتبادل بين البلدين على إمتداد القرون، ممّا جعل من منطقة حوض المتوسّط عبر التاريخ فضاءً ثقافياً خصباً، كان له تأثير بليغ على أوربّا، وشمال إفرقيا، كما جعلت “الأندلس” فى عزّ أوجها منهما بلدين متلاحمين، ومتقاربين فى العديد من المظاهر الحضارية، والثقافية، واللغوية، والأدبية، والإبداعية، وفى مختلف الأشكال الفنيّة، والتصاميم المعمارية ، والهندسية ،ومرافق الحياة الأخرى حيث أصبح المغرب ينفرد بعلائق تاريخية فريدة، وخصوصيّات ثقافية مميّزة مع جارته فى الشمال. العلاقات الثنائية بين البلدين مع عودة “الحزب الإشتراكي العمالي الإسباني” للحكم فى اسبانيا الذي تربط المغرب علاقات وطيدة مع العديد من زعمائه السّابقين الذين تعاقبوا على رئاسة حكومات إشتركية أمثال غونساليس، وساباطيرو، وروبالكابا، وسواهم ممّا يدعونا إلى ضرورة تحسين، وتطوير،وتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين، فالظرفية الحالية التي يجتازها البلدان فى مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والإقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، والاتّجار في المخدرات، ومُعضلة الضغط المتزايد للهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصّحراء ومكافحتها،والقضاء على آفة البطالة،والتقريب بين الفوارق الإجتماعية، وضمان الحريّات العامّة، والضرورة المُلحّة لصَوْن حقوق الإنسان بشكلٍ جدّي وشفّاف،والدفاع عن المصالح العليا للبلدين. وتجدر الإشارة أنّ العلاقات المغربية الإسبانية فى عهد الحزب الشعبي الإسباني كذلك شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة أملتها عليهما حاجة البلدين لرفع التحديّات نظراً للإضطرابات الخطيرة التي عرفتها بعض البلدان العربية المجاورة، والأزمة الاقتصادية، والعولمة. ولا يألو المغرب وُسْعاً لبذل جهوده الدؤوبة على هذه الجبهات ، كلّ ذلك وسواها من المعطيات التي تحتم على البلدين أن يعملا متلاحمين يداً فى يد من أجل التغلب على التحدّيات، وتجاوز الإكراهات التي تفرض نفسها عليهما على وجه الخصوص، وعلى المنطقة بشكل عام. وبغضّ النظر عن اللون السياسي السّائد فى إسبانيا، البلدان مطالبان للعمل سويّاً من أجل إستشراف آفاق المستقبل، أخذاً بعين الإعتبار الموقع الجيو- إستراتيجي الممتاز للمغرب كبوّابة لإفريقيا والعالم العربي ، وكذلك الموقع المتميّز لإسبانيا كبوّابة لأوربا، والعمل من أجل إعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بينهما في شتىّ المجالات، فالمكانة التي تحتلها إسبانيا لدى المغاربة كبلد تربطها بهم العديد من الأواصر التاريخية الوثقى، والثقافية، والإنسانية، والاقتصادية، والخصائص المشتركة بينهما تقدّم الدليل على أنّ عوائق المدّ والجزر،والأخذ والردّ، والفتق والرّتق التي قد تعرفهما العلاقات الثنائية في بعض الأحيان لا يمكن أن تؤثّر على الثوابت التي تقوم عليها روابط البلدين. ولا شكّ أنّ الرّغبة لدي الطرفين الإسباني والمغربي ملحّة وأكيدة لإضفاء دينامية جديدة على العلاقات الثنائية،وسبرآفاق التعاون ، وتوطيد دعائم شراكة إستراتيجية للمستقبل فى مختلف المجالات. ولذلك،فليس من باب الصّدفة أن يصبح المغرب شريكاً إقتصادياً إستراتيجياً مرموقاً لإسبانيا على المستوى الإفريقي ، كما أنه ليس إعتباطاً من جهةٍ أخرى، أن تصبح إسبانيا الشريك الأوّل للمغرب على المستوى الخارجي وواحدة من المستثمرين الرئيسييّن فيه،متقدمةً حتى على فرنسا فى هذا القبيل التي كانت حتى الأمس القريب “الوِجهة المشهورة ،والواجهة المأثورة” التي لا محيد للمغرب عنها بشكل مبالغ فيه ، ولقد حققت إسبانيا هذه الغاية بفضل الفرص الهائلة التي يوفّرها المغرب، البلد المنفتح على العالم لفائدة المقاولين، والصنّاع، والمستثمرين الإسبان وغير الإسبان. هذا الزّخم في العلاقات القائمة فى الوقت الراهن بين البلدين يعكسه كذلك تطوّر ملموس، وهائل في تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات ،وهما في إطار العولمة، يستشرفان آفاقاً جديدة للتعاون لرفع التحدّيات العديدة للقرن الذي يعيشان فى كنفه. وقد وقّع كلٌّ من المغرب وإسبانيا مؤخراً على عددٍ من إتفاقيات التعاون الثنائي في مجال التنمية، والتعاون الثقافي، والتعليمي، والرياضي ، وأخرى في المجالات الدبلوماسية، والسياحية،والطاقة،والكهرباء،والنقل، والإدارة الإلكترونية، وسواها من الميادين الحيوية الأخرى،وذلك نظراً لتقاسم البلدين لرؤىً سياسية متناغمة بشأن مختلف القضايا الإقليمية، والدولية،ومراعاة منهما لمصالحما المشتركة. قضايا شائكة وأمورٌ عالقة وحتى لا ننأى عن الواقع فى هذا الطّرح، تجدرالإشارة إلى أنّه على الرّغم من هذا الزّخم الهائل الذي يطبع العلاقات الثنائية بين البلدين، والبريق اللمّاع الذي يضيئها،ويوحي للعيان أنّها على خير ما يُرام فى مختلف المرافق، والقطاعات، والقضايا، والتي رصدنا بعضاً من جوانبها آنفاً ،فإنه ينبغي لنا ألاّ نغفل، أو ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة عالقة وشائكة،وإكراهات مُؤرقة ما زالت تثقل كواهلنا ، وهي تواجهنا بإلحاح ، ولا ينبغي لنا أن نتّبع حيالها سياسةَ النّعامة فى إخفاء رؤوسنا فى الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، ونلمسه،ويتجسّد نصب أعيننا بوضوح، من هذه القضايا : الصّحراء المغربية تحتل قضيّة الصّحراء المغربية – كما هو معروف- عن جدارة مكان الصّدارة فى السياسة المغربية على الصعيديْن الداخلي والخارجي ،ومع وصول الحزب الاشتراكي العمّالي الإسباني إلى الحكم لابدّ أن يأخذ المغرب زمام المبادرة فى البحث عن الوسائل الناجعة، والآليات الضرورية للحفاظ على المكتسبات الهامة التي حققها على الصّعيد الدولي ،وعلى مستوى العلاقات الثنائية الممتازة التي تربطه مع جارته الشمالية اسبانيا حول مختلف القضايا الحيويّة ذات الإهتمام المشترك،وبشكل خاص حول موضوع قضيّة مطالب المغرب العادلة والمشروعة فى صحرائه،خاصّة وأنّ الحكومة الإسبانية الجديدة المُقبلة قد تكون فسيفسائية الطابع، فالحزب الإشتراكي العمّالي الإسباني الذي أتخذ زمام المبادة للإطاحة بحكومة الحزب الشعبي لا يتوفر سوى على 84 مقعداً فى البرلمان الإسباني فى الوقت الراهن ، و الحالة هذه قد يجد رئيس الحكومة الجديد الإشتراكي (بيدرو سانشيس) نفسه مضطرّاً للتحالف للتوصّل إلى تحقيق التوافق مع سائر الأحزاب اليسارية، والقومية، والانفصالية التي ساعدته ، وساندته في الوصول للحكم من أجل تنفيذ برنامجه الحكومي، وفى طليعة هذه التجمّعات الحزبية الإسبانية التي دعمته بقوّة حزب ” بوديموس” (نستطيع) ذي الميول اليسارية الذي يرأسه الراديكالي بابلو إغليسياس، والذي لم يتسنّ له ولا لحزبه بعد – على ما يبدو- استيعاب بعمق وبشكلٍ عقلاني سليم مطالب المغرب العادلة، وتفهّم حقوقه التاريخية المشروعة فى إستكمال وحدته الترابية فى صحرائه . سبتة ومليلية عندما يثار الحديث عن سبتة ومليلية يقفز إلى الذهن على الفور البيت الذي جاء فى كتاب ” أزهار الريّاض فى أخبار القاضي عياض” والذي يقول الشاعر فيه عند تحيته لمدينته سبتة : (سلامٌ على سبتة المَغربِ / أخيّة مكّةَ ويثربِ). المدينتان المغربيتان السليبتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية ، وصخرة النكور،والجزرالصغيرة المحاذية لرمال شاطئ “الصّفيحة” بأجدير (قرب الحسيمة) وجزيرة بادس، وجزيرة ليلى تورة كلها ما زالت تذكّرنا عند إنبلاج كل صباح بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة عالقة ، ومواضيع ثنائية هامّة بين البلدين تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم . مداخل ومخارج المدينتين خيرُ مثال على الوجه الآخر لهذه العلاقات ،والشّعور بالحَسْرة الذي يتغلغل فى نفس كلِّ مواطنٍ عندما يَعْبُرُ هاذين المَعبرين ذهاباً أو إيّاباً،اللذين يفصلان بقعةً جغرافيةً واحدةً متماسكة، ويشطرانها شطرين تنشطر معهما أهواءُ السكّان الآمنين، وتتضاعف معاناتُهم، ومشاعرُهم، وتطلعاتُهم لعناق إخوانهم فى الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، أوالأسوار العالية، التي تفصل بينهما،فى زمنٍ تهاوت فيه كلّ الجُدران مهما كان عُلوّها، وعُتوّها، وارتفاعها . الغازات السامّة فى الرّيف لقد أصبح موقف إسبانيا من إستعمالها للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياية المحظورة فى حرب الرّيف يُثار بإلحاح فى المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجة ،بل إنّه أمسى يُثار حتى فى إسبانيا نفسها، وقد تعرّض لهذا الموضوع وزير الخارجية الإسباني السابق ( فى حكومة راخوي) مؤخراً، فهل فى مقدورجارتنا الأوربيّة اليوم – على عهد الحزب الإشتراكي المستلم لسدّة الحكم- الإقدام على إتّخاذ خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضيها المعتم ،بتقديمها إعتذارٍ شجاع للشّعب المغربي،بشكلٍ عام،ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، أيّ للمتضرّرين الفعلييّن، من السكّان الآمنين،وتعويضهم إنسانيًّا،وحضاريّاً – حسب ما تمليه القوانين اللدّولية فى هذا القبيل- عن هذه الجريمة النكراء ،وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي يستأثر بحدّة بإهتمام الرّأي العام المغربي والمتعلق بالتظّلم المُجحف،والأضرار الجسيمة التي حاقت بالعديد من الأسر التي ما زالت تُعاني فى مختلف مناطق الرّيف من الآثار الوخيمة ل(أوبئة السرطان اللعين) التي خلفتها جريمة إستعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المنكرة التي تكبّدتها فى حرب الرّيف التحرّرية الماجدة ؟. الجالية المغربية فى إسبانيا تُعاني الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا التي أصبحت تقارب المليون نسمة من ضائقة خانقة فى خضمّ الأزمة العويصة التي تعيشها إسبانيا اليوم ،والتي تنعكس سلباً على الجاليات المغربية والعربية المقيمة فى هذه الديار والتي أصبحت عرضة للتسريح المجحف. وحسب الخبراء فإنّ الحلول لا تبدو فى الأفق القريب، نظراً لإنعدام تواصل هذه الجالية مع النّخبة السياسية الإسبانية،وعدم توفّر وسائل الدفاع عنها وعن حقوقها،وقد دفعت هذه الأزمة الحكومة الإسبانة السابقة إلى المصادقة على قانون جديد للهجرة غيرِ منصفٍ بالنسبة للمغاربة، مقابل السياسة التفضيلية التي يحظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية فى هذا القبيل.والحالة هذه ينبغي للمغرب أن ينظر مع المسؤولين الإسبان الجدد بعين الإعتبار إلى وضعيتهم الصّعبة لمعالجة مثل هذه القضايا، وتحسين ظروفهم بالديار الإسبانية. الهجرة غير الشرعيّة على الرّغم من الجهود الحثيثة المبذولة فى هذا المجال لجعل حدّ للهجرة السريّة واللاّشرعية التي تفاقمت بشكل مهول فى المدّة الأخيرة، ما فتئت التساؤلات تترى وتطرح عن الإجراءات، والخطوات التي إتّخذها أو ينوي إتخاذها المغرب لإيجاد الحلول المناسبة العاجلة لمواجهة هذه المعضلة الإنسانية التي إتّخذت من المغرب جسراً وممرّاً،ومقرّاً، ومستقرّاً لها من مختلف الجهات،والوِجهات ،ماذا تمّ حتى الآن فى هذا القبيل لمواجهة هذا الزّحف نحو المغرب وإسبانيا الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها على المدى القريب فى مختلف الواجهات الأمنية ،والإرهابية،والإجتماعية، والإنسانية، والصحّية وسواها ..؟ خاصة بعد أن إتّضح :”أنّ المغرب يتجه إلى تغيير راديكالي في سياسة الهجرة واللجوء بعد المبادرة التاريخية التي أطلقها الملك محمد السادس لملاءمة القوانين والتشريعات الوطنية حتى يتسنّى للمهاجرين الذين اسقرّوا في المغرب الإستفادة من جميع الخدمات مثلهم مثل أيّ مواطن مغربي”. مسألة طرد الموريسكييّن إشكالية طرد “الموريسكيّين” الأندلسيّين المسلمين “المُهَجَّرين”و”المُبْعَدين ” قهراً وقسراً من مواطنهم بإسبانيا، والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس ،ما فتئت تثيرغير قليل من التساؤلات،(معروف أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً لليهود ( السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو، ولا خلفُه العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع المسلمين).ينبغي لإسبانيا أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية حيال هذ الحيف، والتظلّم الذين لحقا بهذا الموضوع الشائك ، ويعتبر المؤتمرالدولي (عقب الموريسكيّين والسيفاراديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي نظّم مؤخراً بالرباط من طرف “مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن” خطوة رائدة فى هذا القبيل، والذي كان لي شرف المشاركة فيه، قد أزاح غير قليل من مظاهر التظلم ،والإجحاف، الذي طال أجدادَنا فى الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد جماعي من اسبانيا ، وما انفكّ العديد من المثقفين الإسبان والمغاربة يثيرون هذا الموضوع بلا هوادة لعلّ إسبانيا تخطو هذه الخُطوة الشجاعة حياله !. الطريق إذن على ما يبدو بين البلدين، ليس طريقاً مفروشاً بالورود دائماً ،بل تعلوه كذلك مطبّات ، وفجوات ينبغي تذليلها، وتجاوزها، والتغلّب عليها بإرادة سياسية قويّة، وحكمةٍ ورزانةٍ وتبصّر بين الطرفين. *كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا – كولومبيا .