إنّ المغرب و,اسبانيا بحكم موقعهما الجغرافي وتاريخهما المشترك،إنطلاقا من"ماض" تقاسماه ، و"ثقافة" نسجا خيوطها سويّا، و"حضارة" متألقة إنصهرا فى بوتقتها، وبحكم " الحاضر" الذي يعيشانه ، و"المستقبل الذي يتطلّعان إليه ، ومصالحهما المشتركة الملحّة التي لا مندوحة لكلا البلدين عنها، كل ألئك يجعل منهما بلدين مدعوّين لمزيد من التقارب والتداني، والتعاون والتفاهم، ونسج عرى صداقة أوثق،و ترسيخ أواصر مودّة أعمق ، ، ينبغي لهما طيّ صفحة المواجهات، ونبذ العقد والمنابذات،وإقصاء الضغائن والأحقاد والمشاحنات، ومحو الرواسب السلبية التي ما زالت عالقة على جدران ذاكرتهما المشتركة البعيدة منها والقريبة ، واستخراج العناصر الصالحة لمورثاتهما وقيمهما الحضارية، و التاريخية، والثقافية والعلمية واللغوية، ووضع قاطرة التعاون بينهماعلى السكّة الصحيحة التي لا إعوجاج لها ولا إلتواء فيها ، لتقريب المسافات بينهما، في عصرأصبحت فيه التكتّلات الإقتصادية، والجيوسياسية، والثقافية، والإنسانية بين الدّول والشعوب ، تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك بهدف خلق أرضية صلبة لعلاقاتهما الثنائية فى مختلف مرافق الحياة المعاصرة ، هذه البداهة لا تغيب عن المحللين،والمتتبّعين لمسار العلاقات بين البلدين وتطوّرها،وتقويتها. وحريّ بنا والحالة هذه أن نضع نصب أعيننا بعض التساؤلات والتصوّرات عن مدى إنسجام ووئام العلاقات بين البلدين الجارين ماضيا وحاضرا، ومدى قوّتها، ومتانتها،وزخمها، وعمقها، وجودتها،وجدّيتها، أو توافقهاأو تطابقها، أو تواترها أو توتّرها، أو إستقرارها، أوتذبذبها، أو تأرجحها بين أخذ وردّ ،وطبخ ونفخ، ورتق وفتق، ومدّ وجزر. عبر من التاريخ إنّ وضع التجافي والتباعد والتنابذ الذي عرفته العلاقات المغربية الأسبانية منذ أعقاد خلت ،يرجع في الأساس الي عوامل عدم الثقة المعشعشة فى رؤوس كل منهما ،فضلا عن المواجهات والمشاكسات والحروب الضروس التي نشبت بينهما على إمتداد التاريخ منذ أن وطئت سنابك خيوال طارق بن زيّاد أرض هذه الجزيرة المحروسة مرورا بمعركة" الزلاّقة"، ومعركة " الأرك" ووصولا إلى معركة " أنوال" الماجدة، والحرب الأهلية الإسبانية التي سيق إليها المغاربة قسرا وقهرا، وزجّ بهم فى أتونها الملتهب، وأوارها المستعر ،لقد آن لجيراننا أن يستقوا العبر من التاريخ،و أن يعرفوا ويتيقنوا أنّ عقدة وزمن ( لا مغاربة فى الساحل) كناية على مثل دارج ما إنفكّت تلوكه ألسنة الإسبان إلى اليوم يفيد بعدم وجود الخطر على سواحلهم، قد ولّى وإنقضى بدون رجعة ، فالاجيال الحاضرة قد ارتقت سلاليم الوعي والإنفتاح، وترسّخت لديها مبادئ التسامح والتآخي والتعايش، وأصبح التنوّع الثقافي ، والتعدّد العرقي، وقبول الآخر ديدن الجميع ، و أمرا واقعا لا مندوحة عنه للنّاس أجمعين في مختلف الاصقاع والبقاع. ان إلقاء نظرة على مدى تعقيد العلاقات بين البلدين يجعلنا نرجع الي مقال للكاتب الإسباني والرّوائي المعروف "خوان غويتيسولو " ( أنظر مقالي فى " القدس العربي"الصادرة فى لندن حول هذا الكاتب بمناسبة حصوله على جائزة أدبية كبرى مؤخرا العدد 7236بتاريخ 20 سبتمبر(أيلول) 2012).إ نّ مقاله الشجاع المشحون بنقد ذاتي صريح كان قد نشره غويتيسولو في إحدى الصحف المدريدية الكبرى منذ بضع سنوات إلاّ أنّه مقال صالح للقراءة والتأمّل وإعمال النّظر فيه في وقتنا الحاضر كذلك نظرا لما يميّزه ويتّسم به من جرأة نادرة، ويحتويه من قضايا حيوية قيّمة ، وحقائق مثيرة، ما فتئت تشغل بال الرّأي العام الإسباني والمغربي على حدّ سواء إلى اليوم . انّ وضع العلاقات المغربية الاسبانية فى الوقت الرّاهن يدعونا الى معاودة إلقاء نظرة تأملية متأنّية،على بعض القضايا الهامّة التي يتطرّق إليها الكاتب في مرحلة انتقالية حسّاسة من تاريخ هذه العلاقات، وما واكبها من أحداث وطنية ودولية وجهوية هامّة كان لها ولا شكّ تأثيرحاسم على رسم مسارها، وتحديد معالمها حتى وصلت الى ما هي عليه الآن. التفاهم المحتوم (**) يقول غويتيسولو : "إنّ تاريخ العلاقات الاسبانية المغربية ، كان حتى الآن وسيظلّ في المستقبل-اذا لم نجد الحل الأنجع له- موسوما بنوع من التباعد الذي يشكّل وصمة عار في جبيننا،تطبعه كذلك قائمة طويلة من المحاولات ذات النيّة الحسنة من الجانبين، ولكنّها جاءت متأخّرة،وتميّزه كذلك فرص ومحاولات محمودة للتفاهم والتداني ولكنها غالبا ما تقبر في مهدها،إنّها جملة جهود إلاّ أنها غير ذات جدوى لأّنّها تسير ضد التيار، تيار الزمن الذي لا يقاوم. إنّ الموقف الاسباني المأثور، أو بتعبير أدقّ إنّ بعد اسبانيا عن المراكز المحرّكة للإمبريالية الأروبية كان في إمكانه أن يجنّبنا إرتكاب التعسّف التاريخي للدّول العظمى عندما قرّرت بجرّة قلم توزيع القارّة الإفريقية فيما بينها كما لو كانت توزّع قطعة حلوى، إنّ المنطق السليم كان معدوما بالنسبة لإسبانيا في ذلك الوقت أزاء هذا الأمر بتورّطها فيه مع شديد الأسف. بل إنه على الرغم من الفتات الذي كان نصيبها في هذا الحفل الاستعماري لجدير بنا أن نتساءل:كيف يعقل أن يكون في مقدورنا إحتلال جبال الريف..؟ إذا لم يكن في إستطاعتنا تفجير وإستغلال وتسكين المساحات الشّاسعة لمناطق" أراغون" و"إستريمادورا" ، أو منطقة" سييرّا مورينا"..؟ لقد كان لابدّ لنا أن نتحمّل آثار مرحلتين مخزيتين لحرب لا فائدة فيها: إندحارنا في معركة أنوال ، وفضيحة خروجنا مستغاثين من هذه الحرب بفضل التدخّل العسكري الفرنسي. انّ قيام الجمهورية الثانية كان في إمكانها إستغلال فرصة محو أخطائنا الماضية لعدم ميلنا للتحاور مع ممثلي الحركات الوطنية المغربية،انّ شيئا من هذا لم يحدث، وبدلا منه فإنّ الحكومات سواء كانت من اليمين أو من اليسار قد اكتفت بمضاعفة تقوية ما كان قد بدأه الجنرال "بريمو دي ريفيرا"وكان ذلك موقفا مخجلا، ترك آثارا وخيمة بالنسبة لقضية الديموقراطية في إسبانيا، ممّا سنح للجنيرالات المتمرّدين سنة 1936إستغلال النصب الإفريقي لفرض أربعين عاما من الحكم الفرنكاوي في إسبانيا. إنّ مسألة نفي محمد الخامس من طرف المستعمرين الفرنسيين، كانت فرصة مواتية لنا لنؤيّد في العمق حركة التحرير التي كانت قد إنطلقت في المغرب. لقد لعب "الجنرال فرانكو "خلال وقت معيّن ورقة مناوئة لفرنسا، ولكنّه واجه بضراوة عودة الملك المظفّر والاستقلال المحتوم، ولم يعرف فرانكو استغلال مقدار المودّة التي كانت تشعر بها الجماهير المغربية نحو إسبانيا ،وبعد ان اضطرّ الى ترك منطقة الحماية في الشمال انتقل الى اعادة الروح للمستعمرات الباقية المسلّمة لإسبانيا بعد مختلف الاتفاقيات الاسبانية الفرنسية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.ثمّ بدء مهزلة حرب إيفني عام 1957 وعدم القدرة على السّيطرة على السّاقية الحمراء ووادي الذهب، وتشجيعه الشخصي لخلق حركة انقسامية أو إنفصالية بين الصحراويين التي أفضت الى نتائج خطيرة شبيهة بتلك التى سبّبتها إنجلترا في فلسطين (كذا) ، ممّا أدّى من جهة أخرى الى خلق مواجهة بين دول المنطقة والوقوف حجر عثرة أمام الجهود المبذولة من أجل بناء المغرب الكبير، انّ أعمال الفئة السياسية في إسبانيا في العقود الأخيرة نتيجة عدم وضوح رؤيتها، وعدم اطّلاعها على مشاكل شمال افرقيا تبيّن لنا بالضبط وبشكل يدعو للأسف فقدان إستراتيجية وطنية واضحة على المدى الطويل ولا لبس فيها للحفاظ على المصالح المشتركة التى تسمو فوق النزاعات الحزبية. إستعمار الأخذ والردّ إنّ هذا العرض التاريخي المختصر، يكشف بكل وضوح بأنه لم تكن لإسبانيا قطّ فيما مضى سياسة واضحة إزاء المغرب،أو تجاه شمال إفرقيا على العموم ،كانت تتوفر فقط منذ نصف قرن على جيش من الشمال الإفريقي يزيد في تأريق ظهرها ،مضافا الى ما كانت تعانيه من مشاكل داخلية ، حين كانت فرنسا منشغلة بخلق شبكة من المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكانت قد بدأت تعدّ العدّة لترك أثرها وبصماتها في المناطق التي كانت متواجدة بها حتى بعد إنحسارها المحتوم عنها. إنّ إنسحابنا من مناطق شمال إفرقيا كان يعني بوضوح المحو التام – أو يكاد يكون تامّا- للحضور الاسباني في تلك المناطق، إنّه هجران ميئوس منه ،أو بمثابة إستعمار ما يمكن أن يوسم بالأخذ والردّ ، الذي لم يقم أيّ وزن لمناطقنا "المحروسة" في كل من الرّيف، وجبالة، وطرفاية وإيفني ، لقد حمل الاسبان معهم ما أمكنهم حمله ممّا كان في ثكناتهم ومراكزهم الرسمية حتى الرصاص والميازيب، بالإضافة الى محو جهود وتطلعات مجموعة من الأساتذة ووأعمال بعض الدبلوماسيين ، انّ مشروع إحلال اللغة والثقافة الفرنسيين بدل الإسبانية في منطقة الشمال ما زال مستمرّا بشكل يصعب تداركه،انّ شباب الناظور، والحسيمة، والشاون، وتطوان، وطنجة يتحدّثون الآن الفرنسية حتى وإن كانوا في العمق يوثرون اللغة الإسبانية،انّ عدد المغاربة الذين يجيدون الاسبانية في تضاؤل سنة بعد أخرى وهم يتلاشون كما يتلاشى جلد مطرقة". (***) أمّا فيما يتعلق بسيدي إيفني فإنّ الوضع كان أكثر إثارة للشّفقة والحزن ، فعندما إنسحبت إسبانيا من هذه المنطقة فإنّها جلت عنها بصفة نهائية،وقد تركت مباني مخيفة لا نوافذ لها ولا أبواب،ولم يبق أيّ قاطن إسباني واحد في هذه المنطقة، ولم تكن بها أيّة مدرسة إسبانية يمكن أن يتعلّم فيها الأطفال اللغة التي يجيدها آباؤهم، ومن أجل إقتلاع كل شئ والقضاء على أيّ اثر في هذه المنطقة فإنّ إسبانيا حملت معها حتى أمواتها في توابيتهم ! . انّ هذه اللّامبالاة تجاه بلد كلفنا إحتلاله العسكري كثيرا من المبالغ الباهظة والدم بدون جدوى كانت لها أكبر الأثر ليس بالضبط كما قرأت مؤخرا:"انه في عام1956 عمل المغرب على أن تكون علاقاته مع فرنسا أكثر امتيازا على الرّغم من أنها عدوّة له"بل الحقيقة انّ اسبانيا لم يكن في مقدورها ان تنافس فرنسا في ميدان المساعدة التقنية والبرامج التربوية،وفي مجال التعاون الاقتصادي ، كان من الممكن القيام ببعض الأعمال في مجالات مختلفة لو انّ السياسة الفرنكاوية تجاه المغرب لم تكن منقادة بشكل شبيه بالعمى، حينئذ لما كنا قد انتهينا الى هذه النتائج المخزية التي نأسف لها وعليها الآن". ارادة ورؤية المستقبل ذلك هو تماما محور التنسيق للتقارب والتداني الضروري بين البلدين ليس فقط في المجال الثقافي بل في الميدان الفكري والعلمي والعقلي لشعبينا. انّ المغرب واسبانيا في كلا جانبي المضيق لا يلبثان من تكرار التعبير المأثور وهو انّهما بلدان محكوم عليهما بالتفاهم، وعلي الرّغم من انّ هذه الصيغة مضبوطة وصادقة الّا انها مع ذلك لا ينبغي ان تشطّ بنا بعيدا،انّ الصداقة بين البلدين لا يمكنها ان تترعرع في ظلّ أو شكل حكم مفروض بواسطة قدرية جغرافية، بل لابدّ لنا ان نخطو خطوة أخرى الى الأمام،انّ كلا من القطاعات الاقتصادية، والسياحية، ومخططات التعاون، والمشاريع الصناعية المشتركة إلخ لابد أن يواكبها تبادل ثقافي خصب ومكثف يزيد بلداننا تعارفا وتقاربا أكثرمن ذي قبل ،لابدّ من إقامة مزيد من المودّة بيننا، ومن توفير الاحترام المتبادل بين البلدين. انّ المهمّة الملقاة على عاتقنا لهي مهمة واسعة ومتشعّبة،إذ ينبغي على اسبانيا ان تعمل على نشر لغتها وثقافتها في مجموع منطقة شمال افرقيا ،ففي الوقت الذي تفتح فيه للثقافة واللغة الفرنسية في البوتقة المغربية مجالات واسعة، فانه ينبغي على اسبانيا ان تسير في نفس التيار، وتعمل على نشر كتبها هناك، وإيفاد الأساتذة والمحاضرين، وإقامة جولات مسرحية ، وتنظيم عروض سينمائية، وعلى المغرب من جانب آخر أن يقوّي حضوره الثقافي باسبانيا، وتبيان الصورةالحقيقية للثقافة المغربية الغنيّة للرأي العام الاسباني بنشر أعمال كتّابها وفنّانيها وفولكلورها الثري،ّكما انّه على الأوساط الثقافية الاسبانية ان تجري حوارا مستمرا ودائما مع النخبة المثقفة المغربية ودعم كفاحها من أجل مغرب قويّ وعادل وديموقراطي". الصّراع ضدّ الجهل العاهل الاسباني خوان كارلوس الاوّل الذي يعتبر- صديقا لبلادنا- كان قد قال بالحرف الواحد خلال إحدى زياراته السابقة للمغرب :" انّه من الضروري أن نتعارف أكثر فيما بيننا،فما أفدح الجهل المتفشّي فينا، ينبغي أن نمحي من رؤانا المشتركة جميع الصّورالمشوّهة، والأفكار المسبّقة الخاطئة، كما ينبغي أن نقصي عنّا جميع الرّواسب، وأن نقضي على بعض التأويلات التي تحول دون تعرفنا ونطردها من أذهاننا،أظن أنّ اسبانيا والمغرب ليسا ورثة القليل، ولقد طبعت فكرهما معرفة عامة كجارين عاشا على امتداد التاريخ واحدا بجانب الآخر،ولقد فّرّقهما الجهل أحيانا بشكل يجاوز كلّ حد ". إنه لمن الواضح انّ الإرث التاريخي والثقافي والحضاري المشترك لكل من المغرب وإسبانيا يعتبر أرضية صلبة وحقلا خصبا جعلا من هاذين البلدين ينفردان بخصوصيات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ، ممّا أفضي الى خلق نوع من الاستمرارية الدائمة والمتواصلة في علاقات البلدين منذ الوجود الاسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية ونزوح الموريسكيين عنها، ثم منذ القرن السابع عشر عندما بدأ التبادل الدبلوماسي الفعلي بين البلدين بشكل انفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق بالنسبة لباقي البلدان العربية والاسلامية الأخرى ، بل وبالنسبة حتى لكثير من بلدان العالم كذلك حيث كانت البعثات الدبلوماسية، والرّحلات المغربية هي البعثات الوحيدة التي زارت اسبانيا بدءا أو إنطلاقا من بعثة ابن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)ومرورا بالزيّاني(1758)وأحمد المهدي الغزال(1766)وابن عثمان المكناسي (1779) والكردودي(1885) الخ. هذه الاتّصالات المبكّرة والمتواصلة الحلقات بين المغرب واسبانيا خلقت نوعا من الاستمرارية زادها العنصر الجغرافي القائم متانة وقوّة وتواصلا وصلابة ،هذا فضلا عن العنصر الحضاري والثقافي الذي يعدّ عنصرا فريدا في بابه في تاريخ الأمم ،كلّ هذه العوامل والخصوصيّات ميّزت علاقات البلدين على إمتداد الحقب والعهود باعتبارهما جارين متقاربين. ولعمري انّ هذا التقارب ، والتواصل والتوادّ، والحوار الدائم القائم والذي لم ينقطع ولم يفتر قطّ عبر القرون لهو خير رصيد وضمان لبناء مستقبل واعد حافل بالآمال والتطلعات والعطاءات الكبيرة المثمرة . إنّ إسبانيا تمرّ اليوم بظروف صعبة ومعقّدة وبقدر ما يكون المغرب فى حاجة إليها، فهي محتاجة إليه كذلك أكثر من أيّ وقت مضى، إنّ الأزمات الخانقة المالية، والإقتصادية ،والإجتماعية ، والإنتكاسات الداخلية ، والحراك الجماهيري، والغضب الطلاّبي ،والخناق الشعبي على الحكومة الإسبانية بعد الإجراءات التقشفية المقتّرة والمبالغ فيها التي إتخذتها مؤخرا فى مختلف القطاعات الحيوية فى البلاد (تربية، تعليم، صحّة، ونظام المعاشات ..إلخ) والتي خلّفت إستياء واسعا وتذمّرا كبيرا لدى مختلف الشرائح الإجتماعية الإسبانية على إختلافها ، فضلا عن معضلة تفاقم البطالة وتفشّيها التي ضربت رقما قياسيّا( فاقت الستّة ملايين عاطل) خاصّة بين الشباب الإسباني الذي أصبح يقال في حقه مؤخّراعلى سبيل الدعابة والمزاح: أنّه لم يعد أمامه في اسبانيا – فى خضمّ البطالة التي أضحى يتخبّط فيها - سوى ثلاثة مخارج لا غير وهي : البحر، والبر،ّ والجوّ ( أيّ الهجرة بحثا عن الرّزق والقوت اليومي فى أرض الله الواسعة بحرا وبرّا وجوّا)،وإنعكاس كلّ ذلك سلبا على جاليتنا المغربية القيمة فى هذا البلد، فضلا عن حاجة إسبانيا إلى زيادة تقوية وتعزيز إستثماراتها خاصة بعد أن أصبحت تحتل اليوم المرتبة الثانية فى بلادنا بعد فرنسا في هذا المجال، والأولى فى المبادلات التجارية على صعيد الواردات والصادرات بين البلدين. . يضاف إلى ذلك المطالب الإنفصالية لجهة كاطالونيا ، ناهيك عن معضلة "بلد الباسك"، وتلويح مناطق إسبانية أخرى برغبتها وتطلعها للسّير فى لنفس الإتّجاه كذلك ،فضلا عن تضعضع شعبية العاهل الإسباني بشكل يبعث على الحيرة والقلق والإرتياب،ومطالبة بعض الفئات الإسبانية المتطرّفة له بالتنازل لنجله وليّ العهد الامير فيليبّي عن العرش، ووصولا إلى فضائح الفساد التي طالت الحزب اليميني الحاكم(الحزب الشعبي) والتي مسّت مباشرة جهازه المالي، وبعض أعضائه ، و زعيم الحزب رئيس الحكومة ماريانو راخوي نفسه. فضلاعن إتّهامات بفضائح مالية، وإنتهاكات إختلاسية خطيرة لحقت ببعض أفراد " التاج" البوربوني، سواء تلك التي لها صلة بصهرالعاهل الإسباني "إنياكي أوردانغارين" أوزوجة هذا الأخير الأميرة"كريستينا. كلّ ذلك وسواه يزيد من وجع دماغ ( إسبانيا والإسبان) الشئ الذي يجعل هذا البلد الجار فى موقف لا يحسد عليه وأخيرا وليس آخرا هل فى مقدور إسبانيا اليوم الإقدام على خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائية مع جارها فى الجنوب بتقديمها إعتذارين إثنين للشعب المغربي الأوّل عن طرد وإبعاد "الموريسكيين"الأندلسيّين الذين إستقرّ معظمهم فى المغرب، والثاني حول التظّلم المجحف الذي حاق ولحق بأهل الرّيف بسبب الأسلحة الكيمياوية السامّة والمحظورة التي إستعملت من طرف إسبانيا فى الحرب التحرّرية المجيدة التي دارت رحاها فى هذه المنطقة من الوطن الحبيب..؟ . المدينتان المغربيتان السليبتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية ، وصخرة النكور ،والجزر الصغيرة المحاذية لرمال شاطئ "الصّفيحة" بحاضرة أجدير (قرب مدينة الحسيمة) وجزيرة بادس،وجزيرة ليلى تورة كلها ما زالت ( نواقيس) رنّانة صادحة، نقيس بها مدى ضرب " النّوى" أو "التقارب" بين البلدين !، وهي ما فتئت تذكّرنا عند إنبلاج كل صباح بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة عالقة ، ومواضيع ثنائية هامّة تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم ، وهي قضايا ومواضيع ذات أبعاد عميقة، عويصة، ومستعصية ، فمهما كان وسع قطرالغربال فإنه ليس فى مقدوره أن يحجب عنّا شمس النهار.. ! __________ (*)كاتب من المغرب يعيش فى إسبانيا(غرناطة) . (**) مقال خوان غويتيسولو من ترجمة كاتب هذه السّطور . (***) الإهتمام باللغة الاسبانية وثقافتها في المغرب على العموم قد أصبح اليوم يأخذ مكانه الصحيح ،سواء بالنسبة للمؤسّسات التعليمية (المعاهد والجامعات إلخ)أو بالنسبة للبعثات الثقافية والتعليمية الاسبانية فيه .