تابعت هذه الأيام والعالم يتأهب لتوديع سنة 2017 واستقبال سنة 2018 استطلاعات عن الوجوه التي ميزت السنة المنصرمة وطبعتها، وتباينت الاختيارات بين وجوه من عالم السياسة ومن الفن وأخرى من الأدب والعلوم والفاعلين من المجتمع المدني، وغالبا ما تتم الاختيارات بناء على حضور هذه الشخصيات المختارة في واجهة الاعلام. لا أنكر أن لبعضها حجما تستحق به اختيارها كشخصيات السنة وأخرى قد لاترقى لذلك. في هذا الخضم حضرتني صورة خاي احمد الخمسي، شخصية لا تنطبق عليها مواصفات الاختيار المتبعة، لا هي سياسية محضة بالمعنى التقليدي للسياسة، ولا هي جمعوية محضة بالمعنى التقليدي للعمل الجمعوي، ولا هي نقابية محضة بالمعنى التقليدي للعمل النقابي. خاي احمد الانسان قبل كل هذه الصفات، مناضل قل نظيره في عالمنا هذا، رجل سياسة بامتياز يمارسها بعفوية الانسان الصادق وبحنكة المحترف، لايفصل بين الفعل السياسي والفعل الانساني بقدرما لا يخلط بينهما من حيث المسؤولية والتدبير. أعرف خاي احمد منذ تسعينيات القرن الماضي وأنا في المنفى الاضطراري في مدريد، عرفته انسانا لطيفا يحمل حسا رفيعا يدافع عن آراءه بهدوء وتروٍّ وقدرة هائلة على الاستماع ولايزال، كما عرفته شرسا لا يعرف المهادنة في الدفاع عن مبادئه ومواقفه وأصدقاءه وعن الانسان. نمودج خاي احمد يصعب على التصنيف، يساري صلب يدافع بقوة وشراسة عن الانفتاح والتجدد والحداثة ويعلن جهرا مقاومته لكل الأصوليات بما فيها الأصولية اليسارية، خاي احمد خبِر السجون وأدى ضريبة النضال غالية لكنه وعلى عكس أغلبية رفاقه ناذرا ما يتوقف عند هذه التجربة، تراه دائما زاهدا في الحديث عنها، همه الحديث عن المستقبل، عن الشباب، عن التحولات الاجتماعية عن الديموقراطية عن سؤال الانتقال باليسار إلى قوة قادرة على الفعل والتغيير.. من صفات خاي احمد أنه الدينامو الذي لا يهدأ و لايتوقف عن العطاء، تجربته الصحافية بصمت الاعلام الجهوي في الشمال حين أسس إلى جانب ثلة من رفاقه جريدة الأنوار، ولم يتردد في تحويلها إلى وطنية بعد أن منع البائد ادريس البصري جريدة المنظمة، حمل خاي احمد حينها وبشجاعة مشعل الاعلام التقدمي متحديا قرار المخزن. الرجل لم يجعل من هذه التضحية وغيرها سُلّما للوصول إلى مسؤوليات عُرضت عليه، بل واصل طريقه وأسلوبه في بناء أحلام يشتركها بصدق مع الآخرين ، واصل يعمل في مشروع تجميع اليسار بمسؤولية وحماس وفي علاقة دائمة مع الشباب والأجيال الصاعدة. خاي احمد الذي عُرف عنه انضباطه التنطيمي منذ التحاقه بمنظمة 23 مارس مرورا بمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي وحاليا في الحزب الاشتراكي الموحد لم يتخلى عن فوضوية خاصة به ينضبط لها كل أصدقائه ومحبيه والمختلفين معه، خاي احمد عاشق محب ومقبل على الحياة وكأنه ابن العشرين، وحكيم متفطن كأنه يختزل تجربة مئات السنين. الرجل لا يكِل ويزداد حماسا وقوة مع الزمن، ينبعث كل مرة أكثر توهجا وعطاء، يشتغل في صمت وبعيدا عن الأضواء، بل غالبا ما يكون هو وقلمه إشعاعا يضيئ على الآخرين، على المستضعفين وعلى مكامن الخلل في مجتمع عليل. لن تكفي الكلمات والمساحات المتاحة للنشر للتعريف بهذا الرجل الاستثنائي الذي نناديه جميعا بخاي احمد، وأعرف أنه يستحب دعوته بذلك، وقليل هو التكريم في حق مناضل أفنى حياته من أجل الآخرين لكنه عاشها عاشقا سعيدا مرحا وأحيانا حزينا ككل الآخرين. قد يتهمني البعض بالمبالغة وأولهم خاي احمد، وقد تبدو كلماتي نابعة من حب الصديق لصديقه ، لكن الحقيقة التي لا ينكرها كل من يعرف خاي احمد الخمسي أنه فوق كل التسميات وخارج كل ترتيب، وبدوري ارتأيت أن أخرج عن كل السيناريوهات لأهنئ المناضل خاي احمد بسنة ماضية وسنة قادمة مليئة بالمزيد من الحب والعطاء. ليس هذا تكريما ولا احتفالا بالرجل بل هو اعترافا بخاي احمد الانسان، وهو قليل.