في أجواء تراثية وتاريخية تنهل من العادات والتقاليد التي التصقت بأذهان أجيال وكوّنت سِيراً منسابة في مقامات الرّوح، تعرف مدينة شفشاون كل سنة دخول قبيلة الأخماس إليها، مارة بمجموعة من المداشر؛ وذلك بعد زيارتها ضريح رمز جبالة وقطبها المولى عبد السلام بن مشيش. تقليد قديم يكون جزءاً من كيانها الاجتماعي، وتكون القبيلة عادة مصحوبة ب: “البْوارْدية” و”الغيّاطة”، فرقة موسيقية تقليدية، وفي عبورها ترفع أدعية وترانيم من أجل طلب الغيث. لقد علمتنا هذه العادة كيف نصغي إلى ذواتنا لنسمع صوت الحياة وصوت الكون وهبة السّماء. ويذكر من جالسناهم من الأجداد أن القبيلة المذكورة تدين منذ القدم بالولاء لقبيلة الشرف “بني عروس”، ويعود سبب ذلك إلى أن ابن مشيش وجّه ولده “علال” إلى الأخماس، فاستوطن “غاروزيم” (ضواحي شفشاون) حيث انتفعت ببركته وهو بها راقد. وعندما تزور قبيلة الأخماس هذا الولي سنوياً، فكأنما تؤدي دينا نحو ذلك المعلم الكبير؛ إذ تستغرق هذه الرحلة نصف شهر، يتم أثناءها ذكر الله وقراءة القرآن. وفي قمة جبل “العلم” تذبح ثيران تهدى إلى الأشراف، لتدخل القبيلة في الأخير مدينة شفشاون، في موكب حافل تحفه الأعلام وزغاريد النسوة وأفواج من التابعين والمُتابعين. ويكون أبناء المدينة على موعد مع هذا اللقاء السنوي بساحة “وطاء الحمام”، ومع لوحات استعراضية مُعبّرة وفق تسلسلات دائرية يقوم بها “البْواردية” لابسين جلاليبهم المزركشة، مطلقين أزناد بنادقهم في الهواء أو في اتجاه الأرض المختلطة بأصوات صيحاتهم. وترمز الأعلام إلى الجهاد الذي عرف به المجاهدون الأبطال من أبناء قبيلة الأخماس التي كانت عبر القرون تشارك في الخنادق والمواقع والغزوات الجهادية، من وادي المخازن وحصار سبتة، إلى معارك تطوان (سنة 1860)، ورباط بني قريش (سنة 1913). أما الضرب بالبارود، فهو أكثر وضوحاً؛ إذ يشير إلى الرّوح القتالية لأبناء الأخماس وإلى ما يطبعهم من شهامة وشدّة