اليوم الثلاثاء 11 اكتوبر يوم حاسم في تاريخ إسبانيا وعلاقتها بكاطالونيا، اليوم يجتمع البرلمان الكطلاني بطلب من رئيس الحكومة الجهوية لإلقاء عرض عن الحالة السياسية في كاطالونيا، لكن الجميع يعرف أنه الموعد الذي حددته الحكومة الجهوية للإعلان من طرف واحد عن استقلال كطالونيا وقيام الجمهورية الكطلانية تماشيا مع نتائج استفتاء يوم 1 أكتوبر الفارط الذي ألغته المحكمة الدستورية الإسبانية وصاحبته مواجهات عنيفة وغير مسبوقة لبعض المواطنين مع قوات الأمن الإسبانية والحرس المدني. الأيادي على القلوب في إسبانيا، الأغلبية الصامتة في كاطالونيا خرجت البارحة يوم 10 أكتوبر ولأول مرة إلى شوارع برشلونة تطالب بالحوار وبعدم الإعلان عن الانفصال وبالبحث عن حلول سياسية لهذا النزاع. يبدو مشهدا من أفلام الكوبوي الأمريكية حيث يقف أبطال النزاع الواحد في مواجهة الآخر كلاهما ينتظر الحركة الأخيرة لإشهار السلاح وادإطلاق النار وكلاهما يعرف أن الحسم يتعلق بثانية من الزمن تفصل بينهما. الحكومة الجهوية تتهيأ للإعلان عن الإنفصال وقيام الجمهورية الكطلانية والحكومة الإسبانية تستعد لتفعيل الفصل 155 بإقالة الحكومة الجهوية وحل البرلمان الكطلاني. تصريحات الحكومة الوطنية تبدو صارمة، ولا مجال للشك في استعداداتها لإطلاق رصاصة الرحمة على حكومة الإنفصال، وتحظى في ذلك بدعم دول الوحدة الأوروبية والدول الصديقة، ووطنيا بدعم الحزب الإشتراكي الإسباني الذي عبر أمينه العام عن أمله في حل الأزمة سياسيا، وطالب الحكومة الجهوية بالتراجع عن ما سماه بالإعلان المشؤوم عن الاستقلال، وبغير ذلك سيدعم قرارات الحكومة بشكل لا مشروط لحماية الدستور والشرعية القائمة ووحدة إسبانيا. حلفاء حزب بوديموس في كاطالونيا طالبوا هذا المساء على لسان عمدة برشلونة السيدة ” أدا كولاو ” الطرفين بتجميد القرارت التي تهدد بالاصطدام وانفجار الوضع، طالبت عمدة برشلونة الحكومة الجهوية التحلي بالشجاعة والتراجع عن الإعلان الأحادي للإستقلال حماية للمؤسسات الكطلانية، كما طالبت حكومة مدريد بعدم تفعيل الفصل 155 وحل البرلمان وإقالة الحكومة، كما طالبت الحزب الاشتراكي بعدم الإكتفاء بالتصريحات والقيام بمبادرات على الأرض لتلافي الإصطدام الذي يبدو حسب تعبيرها وشيكا. بوديموس وحلفائها في كطالونيا لا يطالبون بالانفصال لكنهم دافعوا دائما عن الحق في الاختيار وعن وحدة إسبانيا عبر الاستفتاء الذي ترفضه الحكومة الوطنية، وهذا الموقف أعطى لهذه الحركة السياسية الفتية قوة ومصدر ثقة من الطرفين وبالخصوص من طرف الانفصاليين قادرة على لعب دور الوساطة في هذا النزاع. الحكومة الجهوية تعيش من جهتها لحظات عصيبة وضغوط قوية من داخل وخارج إسبانيا ومن الحكومات الجهوية الصديقة كحكومة الباسك، وباستثناء حزب مرشحي الوحدة الشعبية (حزب يساري متطرف يقوم بدور مفتاح الأغلبية في تحالف الانفصال ب10 مقاعد فقط في البرلمان الكطلاني) يعيش تحالف الانفصال مع اقتراب ساعة الصفر بوادر انقسامات حول قرار الإعلان الأحادي عن الاستقلال والمخاطرة بمصير المؤسسات الكطلانية أو التأني وتأجيل القرار في انتظار التوصل لتوافقات ترضي كل الأطراف، وبدأت بعض القيادات من الحزب الديموقراطي الكطلاني الذي يقود تحالف الانفصال تعبر عن تحفظها العلني من خطوة الإعلان الأحادي عن الانفصال، ووصفها أحد البرلمانيين عن الحزب الديموقراطي الكطلاني في البرلمان الأوروبي بالخطوة الانتحارية. اليوم 11 أكتوبر يوم حاسم بالنسبة للجميع ، كل الأطراف تغامر بجزء من رصيدها والمخاطر تهدد الجميع، كيف لرئيس الحكومة الإسبانية أن يحضر يوم غد 12 أكتوبر الاستعراض العسكري الذي يخلد العيد الوطني لإسبانيا، وكاطالونيا قد أعلنت عن استقلالها ؟ وكيف لرئيس الحكومة الجهوية أن يشرح لما يزيد عن مليوني كطلاني وعدهم بأجمل جمهورية مستقلة في أوروبا تراجعه عن قرار إعلان الاستقلال الذي ينص عليه قانون كاطالونيا الانتقالي الذي صادق عليه البرلمان الجهوي قبل الاستفتاء وألغته المحكمة الدستورية ؟ تعقيدات المشهد لا تدع مجالا للتفاؤل، وتقديراتي أن التاريخ سيعيد نفسه، وأن الانفصاليين سيرفعون التحدي بالإعلان عن الانفصال كما حدث سنة 1934 أثناء الجمهورية الثانية والأحداث المأساوية التي رافقته. من جانب الحكومة الإسبانية الرد سيكون باستعمال منطوق الدستور سواء بالاعتماد على الفصل 155 أو الفصل116 من دستور 1978 وإقالة الحكومة وحل البرلمان، ولن ينتهى هنا هذا السيناريو، ومن المنتظر أن يعتصم نواب البرلمان الكطلاني بمقر البرلمان، ونزول المؤيدين للإنفصال للتظاهر أمام البرلمان وبناء حاجز بشري يمنع دخول قوات الأمن لتفعيل قرار الحكومة الوطنية، وربما اندلاع مواجهات عنيفة يصعب احتمال تطورها. أتمنى أن أكون مخطئا في تقديراتي، لكن الأكيد أن الانفصال الفعلي لن يتم سواء بتراجع الحكومة الجهوية عن خطوة الإعلان الأحادي عن الانفصال أو عن طريق قوة الردع والتدخل التي تمتلكها الدولة، لكن الأكيد كذلك أن إسبانيا بعد ذلك لن تستمر كما كانت وربما نحن أمام نهاية نظام 78 ودخول إسبانيا في مرحلة من اللااستقرار لن تنتهي إلا بالتوافق على انتقال ديموقراطي جديد أساسه النظام الفدرالي. يتبع