محمد بنصغير ( أبو علي ) - ناشط حقوقي في متابعة للملف الأوكراني، وبالخصوص من زاوية الاقتصاد وبلغة الأرقام، تداولت مجموعة من وسائل الإعلام مساعدات غربية لأوكرانيا تصل إلى 27 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، وفي نفس الوقت حُكي عن عقوبات اقتصادية على روسيا سوف تحاصرها وتعزلها دوليا. قبل سرد مجموعة من المعطيات و المعلومات من مصادرها ، لنتوقف سريعا على وقائع و حقائق في أكرانيا و روسيا منذ بداية العام 2014 وبالأخص على ثلاث مراحل زمنية : 1- مرحلة من بداية العام إلى عزل الرئيس " يانكوفيتش " : في هذه المرحلة الزمنية سٌجل انخفاض سعر " الكرافينا " العملة الأوكرانية ونمو معدل التضخم وارتفاع في أسعار المواد الأساسية، بينما لم يلاحظ على العملة والسوق الروسيين أي تغيير. 2- مرحلة ما بعد عزل " يانكوفيتش " وإلى استقلال القرم : في ضرف أسبوع تراجعت قيمة " الروبل " الروسي بنسة 12% ما دفع عددا من المستثمرين الغربيين لبيع أسهمهم خصوصا أن حديث الإعلام عن صدام عسكري بعد تحذير أوباما و تصعيد صقور الكونغرس الأمريكي ضد "الكريملن". في نفس الوقت استمر تصاعد خسارات الاقتصاد الأوكراني بكل المؤشرات. 3- مرحلة بعد استفتاء القرم وإلى اليوم : بعد الاستفتاء استعاد الروبل عافيته مع استراجع الحكومة الروسية أسهم شركات غازها ونفطها من الأجانب . وفي المقابل على ضفة كييف، خسارة ل27 ألف كيلومتر مربع على البحر الأسود وما يعنيه هذا الأمر في السياحة دون الحديث عن الثروة البحرية والصناعة الغذائية و الكيميائية وصناعة الوقود و كذلك فقدان قرابة مليوني نسمة من السكان. الحصيلة بالأرقام منذ بداية يناير هذا العام، تلخص بالنسبة لأوكرانيا خسارة على الأقل 30% من قيمة الكريفنا، (انظر البيان 1) مع ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 50% نتيجة سحب المساعدات الروسية من جهة وشروط البنك الدولي بتخفيض نفقات الدولة، وبتجميد المعاشات وأجور الموظفين مقابل ما سمي مساعدات المؤسسة الدولية البنكية، و التي هي في الحقيقة ديون بحجم 14 إلى 16 مليار دولار على دفعتين خلال السنتين المقبلتين، أولهما في شهر أبريل كما قال " نيكولاي كيوركييف " رئيس لجنة البنك الدولي في الموضوع الأوكراني من دون أن يحدد لا قيمة الدفعة و لا قيمة فائدة الدين، متوقفا عند صيغة Stand by لبرنامج القرض في إعلان للصحافة يوم 27 مارس بكييڤ. و هنا لابد من التوقف و التسطير على شرط البنك الدولي في تجميد المعاشات وأجور الموظفين مقابل الدين المسمى مساعدة بعبارة أخرى، وعلى سبيل المثال، أن نتصور رجل أمن مُجمّٓد أجره وملزم بأداء فاتورة الغاز المرتفعة بنسبة 80% مقارنة بشهر مارس لكي تستلم كييڤ الديون من البنك الدولي ، و علينا أن نتصور كيف هذا الرجل سيحقق ما هو مفروض عليه من تحقيق الأمن وضمان الأمان. وفي إشارة سريعة عن الأمن والأمان، بعدما اغتيل " ساشا بيلي " أحد قادة " برافي سيكتور " القطاع الأيمن المحسوب على الثوار بعد محاولة اعتقاله من طرف السلطة الجديدة، كما أعلنت الداخلية الجديدة في كييڤ، هاجم مناصرو القطاع الايمن، يعني "ثوار الميدان " مقر برلمان " الرادا " وحاصروه وحاولوا اقتحامه مطالبين بمحاكمة وزير الداخلية المعين حديثا .... بخلاصة، المشهد إذن هو مهاجمة ثوار الميدان وليس الشعب ضحية الميدان لبرلمان " الرادا " البرلمان المفروض أن يصادق على قرارات البنك الدولي ويلزم الدولة بما ستعقده مع المؤسسة الدولية. عودة إلى الأرقام حسب رئيس الوزراء المعين من " الرادا " " أرسيني ياتسنيوك " فإن معدل التضخم لسنة 2014 قد يصل إلى 14% ومعدل الناتج الداخلي الإجمالي قد ينخفض ب10% حسب ما جاء في وكالة الأنباء الرسمية الاكرانية يوم 28 مارس . أما بالنسبة لروسيا فقد ربحت 20 مليار دولار صافية في عملية لم يسبق في تاريخ البورصة مثيل لها ، فبعد انخفاض قيمة الروبل ب12% وشائعات عن خلو الاحتياط من العملة الصعبة لدعم العملة الوطنية ، و مع تحذير پوتين لمن يريد التعدي على روس الأوكران، انكمشت بورصة موسكو وهرع المستثمرون الأجانب والعملاء الماليون ( بروكرز ) إلى بيع أسهمهم في شركات النفط والغاز مخافة مزيد من الخسارة . بعد ذلك وبقرار من الكرملن تم شراء كل الأسهم لتعود تحت جناح الدولة محققة بذلك أرباح تصل 30% من حصص شركات النفط والغاز في بورصة موسكو. مباشرة بعد ذلك بدأ الروبل في استعادة عافيته ليستقر في مستواه الطبيعي. ما يعني إذن إضافة إلى ربح آني في أسبوع وفرت موسكو على المستوى البعيد أرباح الثروات المحلية وضمنت الحفاظ عليها بداخل وبيد الحكومة دون أن تذهب إلى ملاكها سابقا. موسكو وجدت في عقوبات واشنطن فرصة لتعزيز البريكس سياسيا واقتصاديا، وهذا ما يفسر اجتماع وزراء خارجية البريكس على هامش القمة النووية في "لاهاي" يومي 24 25 مارس، اجتماع وفق المراقبين أكبر عمليا من مجرد البيان الصادر عنه بإدانة المواقف الغربية من الأزمة الأوكرانية. وفي كل الأحوال رسخ الاجتماع وحدة صف البريكس للتصدي الاقتصادي والسياسي للخارطة الأمريكية. أما عن قرار الجمعية الأممية الرافض لاستفتاء القرم و اعتباره غير شرعي ، فهو قرار غير ملزم ، يعني موقف من دون أي قيمة عملية، هذا القرار جاء إثر تصويت غالبية عددية من الدول عليه . و لكن ما إذا توقفنا وبلغة الأرقام عند حلف البريكس، يعني روسياوالصينوالبرازيلوالهند وجنوب إفريقيا ومعهم منظمة شنغهاي للتعاون وإيران ، و تقل اتحاد دول جنوب امريكا اللاتينية ، و هم من اصطفوا اقتصاديا وسياسيا في التصدي للسياسة الامريكية ، و هؤلاء من تموقعوا في الجمعية العامة خارج كثلة أمريكا و حلفائها و أتباعها في إدانة قرار ضم القرم لروسيا، بالأرقام وإن كان عدد هذا التكتل يمثل أقلية كرقم من بين العدد الإجمالي لدول العالم، إلا ان هذا التكتل يقارب ثلاثة ارباع سكان العالم وأكثر من 60% من يابسة الأرض . وحدها البريكس تملك 40% من احتياطي العملة الأجنبية وهو ما يكفي لشراء البورصات العالمية، كما أن مركز تقل اقتصاد العالم اتجه شرقا منذ فترة حيث مصادر الطاقة العالمية للقرن الواحد والعشرين، و من حيث تنطلق ممرات الطاقة و الأنابيب. فهل من المعقول احتساب صوت دويلة قطر كصوت الصين في الجمعية الأممية حيث يصنع القرار العالمي، وصوت البحرين كصوت البرازيل وصوت الكويت كصوت جنوب إفريقيا ؟؟؟
في عام 2013 ، حسب المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية والدراسات الاوربية، بلغ حجم المبادلات الروسية الامركية 27,5 مليار دولار، بينما المبادلات الروسية الأوروبية ما يقارب 420 مليار دولار، كما أن البنوك الأوروبية مدينة لقطاعات إنتاجية وخدماتية وتجارية بقيمة 184 مليار دولار قسمها الأكبر فرنسي، روسيا تؤمن 46% من الطاقة الأوروبية، كما ان الشركات الألمانية والبريطانية، والفرنسية والإيطالية يحدد مصيرها في موسكو، و هو ما جعلها تستبق حكوماتها وتضغط لعدم الانصياع لإملاءات واشنطن. في نهاية المطاف الارتباط الألماني الامريكي كما البريطاني الأمريكي يكسر تدريجيا... فالكلمة الاولى للمصالح الاقتصادية كما قال احدهم " إنه الاقتصاد أيها الأغبياء ". الهندوالصين أبديا رغبتهما في شراء الغاز الروسي الموجه لأوروبا، كما أن القارة العجوز تدرك جيدا لا استغناء ممكن عن الطاقة الروسية ولا بديل لها قبل 2020 في حال استثمرت في الغاز الصخري أو غاز " الشيست " ما هو مرفوض بشكل قطعي أوروبيا بسبب تبعاته على البيئة... في موضوع آخر لم تنتظر روسيا ساعات لتعلن بديلها union pay لنظام master card وvisa الأمريكيتين بعد خطيئة البيت الأبيض تجميد بعض تعاملات بنك " روسيا " وهو بنك خاص صغير يمتلكه " كينادي تيميشنكو " و " أركادي روطنبرغ " المقربان من بوتين كما قالت الإدارة الأمريكية، فبلغة الأرقام لم تخسر موسكو شيئا ولكن ربحت قراران استراتيجيين يشملان تطوير نظام محلي للتعاملات الدولية والتخلي التام عن الأنظمة الأمريكية. هذا الواقع لا يخفى على الغرب فقرار النمسا البارحة ضد ضم اوكرانيا للحلف الأطلسي تفاديا لاستفزاز روسيا كما قال " سبستيان كورز " وزير الخارجية النمساوي يوم 27 مارس يوضح المشهد لمن يريد القراءة الصحيحة عوض استنساخ ما تكتبه وكالة فرانس بريس. كمتابع غير متفرغ للصحافة والاقتصاد، أتمنى على من يبني ويوجه الرأي العام المحلي قراءة معاهدة 26 مارس في لندن بين البنك البريطاني والبنك الصيني حول إنشاء صندوق المعاملات ب" يووان " وكذلك اتفاقية " فرانكفورد نا ماين " يوم 27 مارس بين البنك الفيدرالي الألماني والبنك الوطني الصيني حول ما سمي ب Clearing Bank إضافة إلى اتفاقيةAG Deutsch Boerse و Bank of China حول تطوير البنى التحتية والخدامتية في بورصة " فرانكفورت ". و القصد بالقراءة ، قراءة مستقبلية بتشخيص استراتيجي لمعطيات الأقل ما يُستخلص منها أن العالم أصبح في مكان غير ما كان.