رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يريد حسن أوريد من اليسار؟ ملاحظات و استفسارات
نشر في شعب بريس يوم 08 - 06 - 2012


محمد بن امحمد العلوي
استهلال
لقد استهل الأستاذ حسن أوريد رؤيته لمستقبل اليسار ب "هل" باعتبارها حرف للاستفهام يعبر عن العلاقة بين جزأي السؤال، وبانطلاقنا متتبعين لهذا السؤال الذي بدأ به الكاتب مقاله كعنوان و القائل : هل هناك مستقبل لليسار؟ يكون الجواب في كلّ حال: نعم أو لا ومادام الأستاذ اوريد يستفهم عن العلاقة بين ركنين جدليين في السؤال متمثلين في عنصري المستقبل و اليسار، و يزيد اسم الإشارة هناك الذي هو اسم مبنيّ يدلّ على معيّن بالإشارة مختصّة بالمكان البعيد و دالةً عليه، نرى ربطه في الجزء الأول من السؤال المستقبل كظرف زماني لم يحدده و إنما قاله على الإطلاق مع إشارة مخصصة للمكان البعيد، باعتبار الذهاب إلى المستقبل و السفر إليه لابد من المرور بمحطات و مطبات و حقول ألغام. فهل هناك ضرورة ملحة لقراءة مستقبل اليسار في إطار تجربته و تاريخه ؟ ومدى بلورة أفق استعادة إشعاع اليسار الفكري والأيديولوجي ووزنه في المشهد السياسي و الثقافي ومشروعه المجتمعي وراهنيته التي تتمحور حول تحديد طابع وسمات العصر الذي نحن فيه اليوم. أيضا وسيطرة النظام الرأسمالي المعولم المهيمن، وطغيان العولمة كظاهرة تاريخية تعكس درجة عليا في تطوير التاريخ البشري والليبرالية الجديدة كأرقى ما أفرزته الرأسمالية بتهديداتها للكيانات الضعيفة وتعميقها للفوارق الاجتماعية. كل هذا يفرض بالضرورة البحث عما سيقدمه اليسار إلى كل الشعب بمختلف فئاته وطبقاته الوطنية، للدفاع عن العدالة الاجتماعية والمساواة وعن الوحدة الوطنية المتعددة المكونات والمنفتحة على المستقبل. و هذا ما سنحاول بحثه على ضوء الأفكار التي جاء بها السيد حسن أوريد في قراءته لمستقبل اليسار بصفة عامة و يسار المغرب بشكل خاص.

الدواعي و الاعتبارات

لتفكيك المحتوى الداخلي للموضوع لابد من المرور بالسؤال باعتباره المفتاح غير المجاني أو الاعتباطي الذي يؤثث للمنظومة التي يتحرك من خلالها الكاتب لتمرير وجهة نظره. ولن نجانب الصواب عندما نقول أن الداعي الموضوعي لاستجلاب اليسار بالخصوص على مائدة رأي الأستاذ اوريد،هو السؤال الذي طرحه القيمون على منتدى دافوس و القائل:هل هناك مستقبل للرأسمالية؟ كذلك الانتخابات الفرنسية و نجاح «فرانسوا أولاند» خليفة فرونسوا ميتيران بمقعد الرئاسة الفرنسية، وكذلك تحالف اليسار الراديكالى في الانتخابات اليونانية البرلمانية الأخيرة في الموقع الثاني و ما يمثله هذا من معارضة فكر وتطبيقات «الليبرالية الجديدة» " Néolibéralismes لنظام رأسمالي عالمي أثبت عجزه وفشله عبر الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وتداعياتها إلى حد الآن. و كذا ما حملته التطورات الجديدة على الساحة العربية من وصول التيار الإسلامي إلى خضم تدبير الشأن العام، و هنا لن نعلق آمال نهضة اليسار على انتكاسة اليمين ممثلا في الليبرالية الجديدة كما ذهب إلى ذلك الأستاذ اوريد . لأن اخطر ما يمكن أن يقع فيه اليسار الآن هو الاندفاع للتحالف على أسس ليبرالية مدنية وليس على أسس اقتصادية اجتماعية. فسؤال المستقبل واليسار في نظرنا لم يبدأ ألان بل مع نهاية الثمانينات بتصدي منظروه إلى طرح سؤال: إلى أين؟ باعتباره سؤالا مركزيا ووجوديا .
فمستقبل اليسار جزء لا يتجزأ من مقومات الحالة الإنسانية و الظروف الموضوعية المتحكمة في قدرته على التصرف في الحاضر على أساس الخبرة الماضية وذلك ضمن شروط النتائج المستقبلية. وعند افتراض مستقبل اليسار لابد من قراءته انطلاقا من تعايشه مع حاضره وتداخله مع الماضي من اجل توقع المكان الذي سيصل إليه والتنبؤ بمنجزاته. فانطلاقا مع توني بلير إلى ليونيل جوسبان وتبنيهم الواقعية، وبعد ترقية السيّد باسكال لامي، عضو الحزب الاشتراكي إلى منصب مسؤول منظمة التجارة العالمية، بقيت حقيقة الواقع ماثلة وعصيّة على مستوى المظالم والروقات. و لماذا انسحب الاشتراكيين الاقحاح كما وصفهم الدكتور حسن اوريد من المشهد السياسي و الإعلامي؟ هل إيذانا بفشل المشروع اليساري آم هذا عصر من ينتهزون الفرص؟. فالتحدي الأقوى هنا هو إعادة تعريف اليسار لذاته ولدوره ولمهامه ولأهدافه والتزامه بإيضاح المسافة الفاصلة بينه و بين اليمين بفصائله المختلفة من جهة، والنظر في سبل إعادة اللحمة لصفوفه بعيدا عن الصيغ الطوباوية. و يمكننا الاتفاق مع الكاتب في أن هناك يساريون ينفذون سياسة اليمين ويقدمون أنفسهم كحراس لهيكل التقاليد كما أوضح، لكن و بنفس الحجة يسوق لنا التاريخ الحديث أمثلة لأنظمة يمينية قامت بتنازلات تحت وطأة النضالات اليسارية، وكانت نتيجتها تطويع الخطاب والسلوك اليمينيين. فيمكن رسم صورة تعاون كأساس موضوعي لتقاطع ما في المصالح بين اليسار و اليمين في العمل لتحقيق مهمات معينة تتحقق في القوى السياسية والاجتماعية ذات الاتجاهات الليبرالية المختلفة، المستنيرة منها على وجه الخصوص.

قراءة في سمات العصر الحديث

إن تحرير القطاعان العام والخاص مرهون بتداول السلطة ومجيء حكوماتٍ مختلفة تعبرُ عن فئات وطبقات البناء الاجتماعي ورأسمالية الدولة الشمولية أفسدتْ القطاعين معا. وعندما نخصص نرى أن القطاع الخاص في المغرب كان مفتوحا على جميع الفاعلين الاقتصاديين بغض النظر عن الجنسية، وبالنسبة للقطاع العام فلم يكن نتيجة تأميمات تماشيا مع النهج الاقتصادي المتبع و هذا ما جعل الاعتماد المتبادل بين القطاع الخاص و القطاع العام مرهون بظروف الدولة داخليا و اكراهات الخارج كسياسة التقويم الهيكلي في الثمانينات مثلا. و بناء عليه لابد من تحديد طابع وسمات العصر الذي نحن فيه اليوم، وتحديد طبيعة النظام الرأسمالي المعولم المهيمن بمكوناته المختلفة على العالم والمتحكم بمصائر البشرية. هذا الرأسمال المعولم الذي يحمّل نتائج أزماته المتواصلة المتكررة للأكثرية الساحقة من الناس في جميع البلدان، الغنية منها والفقيرة على وجه الخصوص. دون الزعم استئصال كل الفوارق لا الطبيعية ولا حتّى الاجتماعية؛ و ذلك بالاعتراف بالطابع الحتميّ والمفيد لاقتصاد السوق بعد ضبطه وتنظيمه. و البحث عن إقامة المساواة بقدر ما في إطار الفاعليّة الاقتصادية يترجم قبل كلّ شيء بضرورة "التضامن". و ليس كما دعا إليه الأستاذ اوريد باعتبار أن التضامن يجب أن يحل محل الفعالية فلكل الأفراد الحقّ في عدالةٍ اجتماعية بحدّها الأدنى، وهو الشرط لحرّية سياسية فعليّة في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع أكبر نسبة من الثروات لسد الفجوة بين الطبقات. وذلك من خلال زيادة الأجور وتعميم وتطوير الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والعطل والترفيه والعناية بالبيئة .فنحن نرى مشكل اليسار هو في عدم قدرته على التعلّم من الدروس البليغة التي تحملها التجارب المتنوعة ومحاولة بلورة مشروع وتدبّر كيفية الرد على تحدياتها. فلعل في ذلك ما يجب أن يدفع اليسار إلى مغادرة مندبة النقد الذاتي، والاستعاضة عنها بمراجعة للماضي تسهم في فهم أفضل للموقع والدور في الحاضر وتساعد في صياغة إطلالة جديدة على المستقبل. فعندما نقول أن الفشل هو فشل المرجعية الإيديولوجية فهذا كلام عام وهذا الحكم لا ينسحب على التجارب الأخرى التي سلكت منهجا آخر في تطبيق النظرية الاشتراكية كالدول الإسكندنافية، كما لا ينطبق أيضا على إنجازات الأحزاب الاشتراكية في البلدان الأوروبية الأخرى، على مستوى الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتعويضات البطالة وغير ذلك مما يندرج في أهداف الاشتراكية. و عندما يؤكد الأستاذ حسن اوريد على أن اليسار كان عليه أن يكون مبادرا أكثر من أن يندفع مع عملية ردود الفعل، فهذا في اعتقادي كان من الممكن أن نسوقه كإدانة لو أن اليسار هنا كان مالكا لزمام أمره في إنتاج خطاب متجدد بعيدا عن الاكراهات بكل تمفصلاتها، و أيضا على مستوى رؤيته بذاته للمستقبل و تحديد هويته وحول المهمات الراهنة المطروحة أمامه وحول قاعدته الاجتماعية الجديدة. و نتساءل مماحكة لماذا لم يصوت في الانتخابات الأخيرة تلك الفئات التي كانت تصوت لليسار سواء الذي عارض اختيارات الدولة في مفهوم الانتقال الديمقراطي آو الذي دخل مربع التجربة منذ بداياتها الأولي. ونتساءل أيضا كيف فهم اوريد نقاشا تقييميا بعد سقوط جدار برلين وارتداداته حول إيديولوجية أصبحت تحت أضواء أزمة قيم و أزمة مستقبل؟ و نعرف أن هدف أي حزب يتبني فكرا ويدافع عن إيديولوجية و مشروع هو الوصول إلى السلطة من أجل تمرير و تطبيق ما آمن به في إطار الممكن طبعا. أما نجاح هذه النظرية أو تلك فيتوقف أكثر على قدرتها على ملائمة أدواتها المنهجية ورؤاها الاستشرافية مع تطور الواقع وتغير مجرى التاريخ. و في الإطار نفسه فتعبير الانهيار الأخلاقي لجزء هام من النخب السياسية أمام إغراءات المناصب لا يمكن تعميمه ووصفه بالخبث السياسي على الإطلاق، و إنما مرده إلى التعاطي الساذج مع متطلبات المرحلة و عدم وضوح في الرؤية الشاملة ببرنامج واقعي سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا تعصم من العمى السياسي و التناسي بأن الحكم الرشيد ينبغي أن يرتكز على مبادئ وليس كيانات .
أما ما يتعلق بالخوصصة و الانفتاح فهما من ابرز مظاهر الليبرالية الجديدة التي تطبق بتوصية من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . فالليبراليون الجدد قد دفعوا دولهم ومن ثم دول العالم بشدة نحو تطبيق ما أسموه خطط إصلاحية تتكون من برامج واسعة تستهدف:

1 - خصخصة وحدات القطاع العام
2 - إ زالة القيود الحكومية
3 - الفتح الكامل لأسواق السلع ورأس المال
4 - إتباع سياسات اقتصادية كلية متشددة.

وفي نظرنا يكون الرد الطبيعي على التدخلات الخارجية من طرف لليبرالية الجديدة يكون من خلال تحصين المجتمع بالديمقراطية والحرية وإعادة روح المواطنة والمسؤولية ،ليشارك الجميع في بناء جديد للمصالح يخلق ديناميكية جديدة للتطور والتقدم، وحجز موقع مناسب في العمليات الاندماجية الجارية عالميا من منطلق المصالح الوطنية والقومية. فهل يا ترى اليسار له هذه الرؤية المتفوقة على الإيديولوجية و التموقع على حساب المبادئ ؟

نظرة في المآلات والبدائل

إن ردود الفعل التي نشاهدها في كل مناسبة ضد العولمة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وفي أقطار أخرى متقدمة مصنعة، دليل على أن الليبرالية الجديدة والعولمة معا قد بدأتا تنتجان نقيضيهما في ميدانهما . فعندما نسمع إلى جون غريفيثس جونز، رئيس مجلس إدارة عمليات عملاق المحاسبة KPMG في بريطانيا اوروب يقول: "هل ما زالت الرأسمالية تعمل؟ هل سنشهد نموا في المستقبل؟ هل النموذج الغربي ما زال نموذجا يحتذى؟ أنا جد مهتم لسماع الناس يطرحون مثل هذه المواضيع". فهذا يعني انه لازال الاقتصاد العالمي يعاني من الأزمة الاقتصادية و التي تراوح مكانها منذ أربع سنوات، ويعكف الكثيرون على دراسة أبعاد هذه الأزمة على مستقبل الرأسمالية التي سوف تلبس لباسا آخر لم يعرف شكله ولم تتحدد ملامحه بعد. و من هنا لابد لليسار من إنتاج مشروع اجتماعي و اقتصادي و سياسي بديل يقوم على مصالح الغالبية ويستند للاستنتاجات الخطيرة لتطور الرأسمالية العالمية في السنوات القليلة الماضية، والقراءة في مستقبل المنظومة الفكرية اليسارية. ففي هذا الظرف الاستثنائي لابد من مزاولة التفكير مع التطبيق خصوصا في بلادنا و البلدان العربية نشاهد بصورة خاصة أن الدين قد صار ملاذا وشعارا للقوى التي تصنف موضوعيا ضمن اليسار تحت لواء الأحزاب التي توصف بالإسلامية. و عندما نحاول ضبط تفكير اليسار في الاتجاه نحو التضحية بإطار مرجعي ووعي عقيم باللحظة التاريخية دون بكاء وتذمر، فهنا اختلف مع الأستاذ اوريد بتأكيده على اليسار بضرورة الحفاظ على ما اسماه بالفكر و الوعي المميزين لهذا اليسار دون الرضوخ لعملية الاندماج مع اللحظة و تطور المرحلة. فالتركيز على قدرة اليسار على التعلّم من الدروس البليغة التي تحملها المراحل التاريخية وبلورة مشروعه ودوره فيها وتدبّر كيفية الرد على تحدياتها، فلعل في ذلك ما يدفع اليسار إلى مراجعة للماضي تسهم في فهم أفضل للموقع والدور في الحاضر وتساعد في صياغة إطلالة جديدة على المستقبل. لعلي هنا استحضر ما ركز عليه الأستاذ حسن أوريد في رؤية أخرى حول الحداثيين و ضرورة نزولهم من البرج العاجي كما اسماه كناية عن تعاليهم على متطلبات الشعب ،فهذه الرؤية بخصوص الحداثيين و إردافها برؤية أخرى حول اليسار و مستقبله لا بد في نظري تتأطران بمشروع اليسار المجتمعي الكامل لإنتاج الاستقلال الفكري سبيلاً للوصول إلى استقلال سياسي وتنظيمي وسلوكي. هذا إن أراد اليسار و النخبة البقاء على قيد الحياة والمنافسة في كسب الرأي العام والجماهير الشعبية بتمثيل مصالحها، وأيضا العمل على التخلّص من الأساطير و الرؤى الطوباوية و الخوف من المبادرة بمختلف تموقعاتها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و كذا نهج سبيل الحكامة في التدبير. ففي ظل اقتصاد السوق القائم على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وحرية النشاط الاقتصادي و هذه التربة الملائمة لتوليد الريوع باعتبارها تستحوذ على القسم كبير من الدخل القومي مما يؤدي إلى تثبيط دوافع العمل والاستثمار المنتج في الاقتصاد الوطني،لابد هنا من الحرص على توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية في اتجاه الحاجيات الوطنية والتحرر من التبعية باعتبار توازن مصالح العاملين والفنيين والفلاحين، ومصالح شركائهم في عملية الإنتاج من مدراء الشركات وأصحاب الأسهم وغيرهم. فالمسألة أصبحت اليوم أكثر إلحاحا أمام المفهوم الجديد للطبقة و الصراع ،ومن الضروري الالتفات إلى الصين كتجربة تطبق ما يُسمَّى برأسمالية الدولة التي يمكن أن تكون مرحلة من مراحل بناء المؤسسات الاقتصادية الكبرى، و ما يرافق هذا من ترك القطاع الخاص ليتولى إدارتها وتنميتها ضمن ضوابط تطبق على الجميع . فاليسار في بلدنا مطلوب منه البحث عن نهضة ومستقبل مريح في هذه الشروط التاريخية للعالم المعاصر بالتحديد، أي خارج تلك الأوهام القديمة و أحكام القيمة وخارج تلك الشعارات الشعبوية.

وأخيرا

إن للمستقبل وجه واحد لكن بأقنِعة متعدّدة و هو ناتج عن قرارات من صنع الماضي والحاضر فلازم على من أراد الارتقاء بعيدا عن التهييج المجاني و التجييش المتعمد ،من سلوك نهج استباق الأزمات ومنع حدوثها. حيث إن تمييز الأزمات المحتملة مستقبلاً ضرورة الفكر الخلاق حتى يمكن تفاديها ، وذلك باحترام الثقافات الخاصة و النظر إليها باعتبار أنها مميزة وفيها ثراء وجمالية ومعنى وضرورة وعدم تحويل الخصوصية الثقافية إلى فكرة عقائدية هوياتية تفضي للنظر إلى الآخر من خلال هويته الثقافية ليس بما يقدمه للحرية من مشروع. فامتحان اليسار اليوم أمام أدواته النظرية التي يستعملها لإنتاج معارفه المتجددة و القابلة للفهم و التفاهم و نفخ الروح المتجددة في المجتمع و الدولة، فهل هذا ممكن وواقعي ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.