يجري الاعداد لإنتاج فيلم سينمائي ضخم عن المقاومة الجزائرية "لالة فاظمة نسومر" ابرز وجوه المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر، وذلك بمناسبة مرور 150 سنة عن رحيلها، وكانت فارقت الحياة عن سن 33 سنة، بعد أن اصيبت بشلل جراء فصول التعذيب التي تعرضت له اثناء سنوات اعتقالها من طرف المستعمر الفرنسي.
الفيلم من إنتاج شركة "الدوحة للأفلام" وإخراج المخرج الجزائري المقيم بروما، رشيد بن حاج، وبأمر من الشيخة موزة بنت ناصر المسند، أميرة قطر. وأفادت بعض المصادر لجريدة الشروق الجزائرية ان الفيلم من المفترض أن يكون جاهزا للعرض الجماهيري مع نهاية عام 2013، أي تزامنا مع مرور 150 سنة عن وفاة المقاومة، "لالا فاظمة نسومر".
وكشفت ذات المصادر، أن سيدة قطر الأولى، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، اختارت تحديدا المخرج الجزائري، رشيد بن حاج، ليتولى إخراج الفيلم بعد ما استضافته سنة 2005 في أحد قصورها بالدوحة لتتناقش معه حول شؤون الثقافة وكيفية المساهمة في تطويرها وترجمتها.
ووفق جريدة "الشروق" فإن المخرج، رشيد بن حاج، اختار الممثلة العالمية سلمى حايك لأسباب تسويقية لتتقمص دور "فاطمة نسومر"، على أن يكون إلى جانبها الممثل العالمي عمر الشريف والإيطالي ألسيو بوني ونخبة من الممثلين العالميين.
ورغم أن سلمى حايك تعد أول ممثلة مكسيكية - لبنانية الأصل- تصبح نجمة في هوليوود وتفوز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة لعام 2003، إلا أن كل هذا قد لا يشفع لها لتجسيد "فاظمة نسومر" بسبب الأدوار المثيرة والجريئة التي تقدمها حايك في السينما، خصوصا وأن الفيلم بصدد توثيق حياة مقاومة جزائرية معروفة، ما يعني أن هذا الترشيح سيقابله رفض من جانب المهتمين بشؤون السينما والتاريخ وحتى الجمهور.
للإشارة فإن ميزانية فيلم "لالا فاطمة نسومر" ستقارب سقف ال40 مليون دولار، بينما التصوير سيكون بين الجزائر وقطر وفرنسا تحت إدارة فريق تقني من إيطاليا وأمريكا، وستكون المفاجأة هي المشاركة الرمزية لإحدى حفيدات البطلة "لالة فاظمة نسومر" في إحدى لقطات الفيلم.
للتذكير فإن المقاومة فاظمة نسومر ولدت في يوليوز 1830، ببلدة ورجة في أعالي عين الحمام بالقبايل، وهي السنة التي دخل فيها الفرنسيون إلى الجزائر. إلا ان لقائها مع الشريف بوبغلة( محمد بن عبد الله) سنة 1849، هو الذي غير مسار حياتها، وكان بوبغلة حينها يخوض حربا شرسة ضد المستعمر الفرنسي بجبال دجرجرة ويرفض الاستسلام. فشاركا معا في معارك عديدة، وجرح بوبغلة في إحدى المعارك فأنقذت فاطمة حياته وقد طلبها للزواج، فلم تستطع لتعليق زوجها الأول عصمتها. شاركت فاظمة في معركة 18 يوليو 1854 التي هزم فيها الفرنسيون وانسحبوا مخلفين أكثر من 800 قتيل منهم 25 ضابطا و371 جريحا. شاركت فاطمة نسومر بجانب الشريف بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجمات الفرنسيين على أربعاء ناث ايراثن فقطعت عليه طريق المواصلات ولهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ القرى فراحت تناوش جيوش الاحتلال وتهاجمها. وأظهرت في إحدى المعارك شجاعة قوية، لإنقاذ الشريف بوبغلة المتواجد في قرية سومر إثر المواجهة الأولى التي وقعت في قرية "تزروتس" بين قوات الجنرال "ميسات" Maissiat والسكان، إلا أن هؤلاء تراجعوا بعد مقاومة عنيفة، لغياب تكافؤ القوى، عدة وعددا وكان على الجنرال أن يجتاز نقطتين صعبتين، هما : ثشكيرت وثيري بويران، وفي هذا المكان كانت لالة فاطمة نسومر تقود مجموعة من النساء واقفات على قمة قريبة من مكان المعركة وهن يحمسن الرجال بالزغاريد والنداءات المختلفة، مما جعل الثوار يستميتون في القتال. شارك الشريف بوبغلة في هذه المعركة وجرح فوجد الرعاية لدى لالة فاطمة نسومر.
وعند مقتل بوبغلة سنة 1854 أضحت المقاومة بدون زعيم حتى سنة 1855 عندما تقرر اسناد هذه المهمة لفاظمة نسومر لما عرف عنها من شجاعة وقوة الشخصية.
وحققت فاظمة نسومرانتصارات أخرى ضد العدو بنواحي (إيللتي وتحليجت ناث وبورجة وتوريتت موسى، تيزي بوايبر)، مما أدى بالسلطات الفرنسية إلى تجنيد جيش قوامه 45 ألف رجل بقيادة الماريشال راندون وبمؤازرة الماريشال ماك ماهون الذي أتاه بالعتاد من قسنطينة واتجه صوب قرية آيت تسورغ حيث تتمركز قوات فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7 آلاف رجل وعدد من النساء. وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين اتبع الفرنسيون أسلوب الإبادة بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولا شفقة.
وتحت ضغط وتفوق الفرنسيين نظرا للقوة العددية لجيوشهم، اضطر المقاومون للاختفاء والتواري عن الانظار بما في ذلك فاظمة نسومر التي كانت آخر من استسلم، وقد قيل الكثير عن كيفية القبض عليها واعتقالها من طرف الفرنسيين. إلا ان المؤكد هو ان إلقاء القبض عليها تم بعد العثور عليها في 11 يوليو 1857 وأسرت مع عدد من النساء، وبعد ذلك اقتيدت كسجينة من طرف الفرنسيين.
وثم اقتيادها إلى جبال العيساوية، شمال شرق المدية، حيث ظلت سجينة بالزاوية العيساوية لمدة 6 سنوات قبل ان تفارق الحياة في شهر شتنبر 1863 عن سن يناهز 33 عاما.
وفي سنة 1995 تم نقل رفاتها وأعيد دفنها بمربع الشهداء، بمقبرة العاليةبالجزائر العاصمة، وهو أهم بقعة في المقبرة حيث يضم جثامين شخصيات تاريخية تركت بصماتها في تاريخ الجزائر ومن بين هؤلاء الامير عبد القادر ومحمد بوضياف وبن بلة..
أطلق عليها المؤرخ الفرنسي لوي ماسينيون لقب "جان دارك جرجرة" تشبيها لها بالبطلة القومية الفرنسية "جان دارك"، وتقديرا لدور فاطمة نسومر التاريخي أطلق اسمها على جمعيات نسوية، كما ألفت حولها أعمال أدبية وفنية، وأطلقت الجزائر اسم "فاطمة نسومر" على إحدى بواخرها العملاقة المُعدة في اليابان لنقل الغاز تخليدا لذكراها.
وقد استمرت قصة هذه البطلة القبائلية تلهم الكثير من الشعراء والكتاب والأدباء كما ان الكثير من المسرحيات نهلت من حياتها ويعتبر هذا الفيلم ثاني فيلم بعد أن قررت وزيرة الثقافة خليدة تومي في سنة 2010 انتاج فيلم عن حياة لالة فاظمة نسومر من إخراج رشيد بوشارب، اسند دور البطولة فيه للممثلة الفرنسية ذات الاصول القبائلية إيزابيل ياسمين أدجاني.