طالبت أحزاب سياسية بارزة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بمراجعة مسار تعديل الدستور وتشكيل لجنة توافقية تتولى صياغة الدستور، أو إرجائه إلى حين توفر الظروف السياسية المناسبة، محذرة من عودة التوترات الاجتماعية وتفاقمها بسبب تدابير جبائية وزيادات في الأسعار تضمنها قانون الموازنة التكميلي. وطالب حزب "جبهة العدالة والتنمية"، الذي يقوده عبد الله جاب الله السلطة القائمة "باستبعاد العودة للجنة التي أعدت المسودة والمكلفة سابقا من جهة والسير نحو التوافق على مسار آخر بتعيين لجنة أخرى أكثر توافقية وتمثيلية من جهة أخرى".
ودعا إلى "إعادة النظر في هذا المسار، خاصة ما تعلق بمنهجية إعداد المشروع التمهيدي لتعديل الدستور الذي ينبغي أن يكون محل حوار ومناقشة بعيدا عن سياسة فرض الأمر الواقع والتقاليد البالية"، إضافة إلى "توفير جو حر يسمح للجميع بالولوج إلى جميع وسائل الإعلام دون إقصاء وتمييز وكذا الكف عن اعتقال النشطاء وإطلاق سراح الموقوفين".
وحذرت "الجبهة" من أن الطريقة التي تتبعها السلطة في تمرير التعديل الدستوري لا توفر مناخا لنقاش سياسي حقيقي، خاصة وأنه يتزامن مع عودة الحكومة إلى "سياسة اللجوء المتكرر لجيوب المواطنين في كل قوانين المالية دون التفكير الجاد في الخروج من الاعتماد على حلول البيروقراطيين ومنطق الاقتصاد الريعي"، وهو ما "ينذر بتوسع دائرة الفقر بين المواطنين"، وفق المصدر ذاته.
واستحضرت "جبهة العدالة والتنمية" أن "المسار المتبع من قبل السلطة القائمة لمواجهة الوضع الذي فرضه الحراك الشعبي السلمي ابتداء من الرئاسيات، وصولا لتعديل الدستور، مرورا بالبدء في رسكلة الأحزاب التي مثلت دعامات حكم بوتفليقة وأجهزة إنتاج الفساد، لم يستطع بناء جدار الثقة المفقود بينه وبين الشعب، ولم يسمح بإيجاد جو مساعد لمشاركة أغلبية الجزائريين في مسعى وطني حقيقي يستجيب لمطالب الشعب المعلنة في أغلب شعاراته ومطالبه"، معتبرة أنه يبدو "بالعكس ذلك يصار إلى فرض أجندة أحادية الاختيار والتوجه، تضع خيارات الشعب ومطالبه على الهامش".
من جهته طالب حزب "طلائع الحريات"، الذي أسسه رئيس الحكومة والمرشح الرئاسي السابق علي بن فليس، بإرجاء تعديل الدستور "لكون التوقيت غير ملائم، لأنه جاء في سياق أزمة صحية وطنية وكونية خطيرة ناجمة عن انتشار كوفيد 19، وكان من المفروض إرجاء أي مشروع، مهما كانت أهميته إلى مرحلة لاحقة".
وأشار الحزب إلى أن "مسودة الدستور قزمت تطلعات الحراك الشعبي واختزلته في مطالب اجتماعية، للتغطية على مطالب التغيير الجذري للنظام السياسي، والقيام بإصلاحات هيكلية من أجل بروز اقتصاد منشئ للثروة ولمناصب الشغل وإعادة توزيع منتوج الثروة الوطنية بأكثر عدالة".
كما لفت إلى تضخم صلاحيات الرئيس من بوابة "الوجود المبالغ فيه للمؤسسة الرئاسية في البناء المؤسساتي، يؤكده المقترح المتعلق بتعيين نائب رئيس بصلاحيات ذات طابع استخلافي خارج الاقتراع العام، وتؤكده إمكانية تعيين رئيس حكومة من خارج الأغلبية البرلمانية، وسلطة تعيين تغطي كل مجالات الدولة، وكذا بإمكانية التشريع بأوامر في حالة الاستعجال خلال الدورة البرلمانية".
وطالب "طلائع الحريات" بإرجاء تعديل الدستور وإعطاء الأولوية في الوقت الحالي لوضع خطة جماعية لإنقاذ الاقتصاد ومنع حدوث توترات اجتماعية في البلاد، داعياً إلى "تنظيم في أقرب الآجال ندوة وطنية تجمع القوى السياسية والاجتماعية وكذا كل الكفاءات الاقتصادية للبلد والتي تكون مهمتها اقتراح مخطط استعجالي للخروج من الأزمة الاقتصادية" لاستباق تفجر أوضاع اجتماعية بسبب "الإصرار على نمط الحوكمة القائم، والتي تنبئ بتفاقم التوترات الاجتماعية على المدى القريب".
وخلال الأيام الأخيرة أطلقت الرئاسة الجزائرية حملة إعلامية لشرح مسودة التعديلات الدستورية التي طرحها الرئيس عبد المجيد تبون للنقاش، وأمس كشف المكلف بمهمة لدى رئاسة الجمهورية محمد لعقاب في تصريحات صحافية أن الرئيس الجزائري يعتزم الطلب من البرلمان إرجاء عطلته المقررة، في الثاني يوليو المقبل، بقليل، للسماح له بطرح مسودة التعديلات الدستورية في صيغتها النهائية على البرلمان للمصادقة عليها قبل طرحها لاستفتاء شعبي، ينظم على أساس هذه الأجندة الزمنية نهاية شهر يوليو، أو بداية غشت المقبل، يليه انتخابات نيابية ومحلية قبل نهاية السنة.
وأعلنت حركة "مجتمع السلم" عن جملة من الاعتراضات الجديدة بعد تصريحات لعقاب، التي قال فيها إن اللجنة الدستورية لن تنظر في أية اقتراحات تخص طبيعة النظام السياسي القائم.
وكتب القيادي في الحركة ناصر حمدادوش على حسابه بموقع "فيسبوك" أن "هناك تناقضا صارخا بين رغبة الرّئيس في إحداث تغييرٍ حقيقي وشامل، بتحقيق طموحات الشعب الجزائري المعبّر عنها في الحَراك المبارك بأن يكون التعديل الدستوري حجر الزّاوية لجمهورية وجزائر جديدة، وتحصين البلاد من الحكم الفردي، وبين التمسك بالنظام السياسي الحالي الذي أثبت فشله وثار الشّعب الجزائري ضدّه، وهو الأقرب إلى الديكتاتورية والحكم الفردي، بحيث يتمتّع الرئيس بصلاحياتٍ إمبراطورية، وفي نفس الوقت لا يتحمّل أيّ مسؤولية سياسية أو جزائية أو قضائية".
وإضافة الى هذه الأحزاب كانت قوى "البديل الديمقراطي" و"جيل جديد"، و"جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"حزب العمال" قد أبدت تحفظات بالغة من طريقة تعديل الدستور والبنود المتضمنة فيه. كما أعلنت حركات فتية انبثقت من الحراك الشعبي ك "حركة عزم" و"السيادة الشعبية" و"التيار الأصيل" و"بداية" رفضها لمسودة التعديلات الدستورية، في مقابل إعلان "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" دعمها للتعديلات المطروحة، إضافة إلى الجيش الذي زكى أول أمس المسودة.
وكانت رئاسة الجمهورية قد طرحت بداية شهر مايو الماضي مسودة التعديلات الدستورية، بعد إرجاء ذلك منذ شهر مارس الماضي بسبب الأزمة الوبائية وانتشار كورونا. ووجهت الرئاسة نسخا منها إلى كل القوى السياسية والمدنية والنقابات والشخصيات الوطنية، وتضمنت المسودة إصلاحات سياسية أبرزها تعيين نائب لرئيس الجمهورية، ودسترة الحراك الشعبي، والسماح لقوات الجيش بالقتال في الخارج بعد موافقة البرلمان.