الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد جائحة كوفيد-19.. حرب باردة في الأفق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
نشر في شعب بريس يوم 20 - 05 - 2020

في سنة 1974 الزعيم " ديان زبينغ" آنذاك نائب رئيس الحكومة الصينية، أعلن ومن منصة الأمم المتحدة بنيويورك، أن "الصين ليست بقوة عظمى وأنها لا تطمح لذلك"، الصراع الأمريكي الصيني ليس وليد الرئاسة الحالية، له جذور تاريخية لفهمها وإستيعابها ضروري الرجوع لمرحلة الأربعينات من القرن الماضي، من خلال التوقف عند وثائق لجنة "ديكسي" الأمريكية وقراءتها بشكل جيد، هذه اللجنة التي كان يترأسها سنة 1944 الكولونيل "دافيد برايت"، لاحظت عند زيارتها للصين أن القوة المدعمة آنذاك "لماو سيتونغ" كانت تتمتع بسلوك أخلاقي وبإنضباط محكم بالمقارنة مع المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات الوطنية، وبالتالي من الضروري حسب خلاصة هذه اللجنة أن تقترب الولايات المتحدة الأمريكية من شرائح هذه القوات وقادتها. خمس سنوات بعد هذا التقرير وصل "ماو سيتونغ" إلى الحكم، إختارت بكين معسكر الشرق بقيادة الإتحاد السوفياتي.
في سنة 1953 كل أعضاء لجنة "ديكسي" تعرضوا للمضايقات وألصقت بهم تهم تبني الفكر الشيوعي من طرف لجنة أخرى ترأسها آنذاك السيناتور "ماكارتي". خلافات ستطفو على السطح بين القيادة الصينية وموسكو، هذه الأخيرة شرعت في تنفيذ مناورات عسكرية على الحدود بين البلدين وبالضبط بواد "أوسري"، مما دفع "ماو سيتونغ" إلى الشك في نوايا الإتحاد السوفياتي من إحتمال تفكيرها في هجوم عسكري على الصين، هذا التخوف دفع القيادة في بكين إلى الدخول في إتصالات سرية مع واشنطن مهدت لزيارتين قام بهما "هنري كسنجر" لبكين فاتحا المجال لزيارة الرئيس "نيكسون" للصين في يناير 1972. العلاقات تطورت بعد وصول "كارتر" للحكم ثم وفاة القائد الصيني "ماو سيتونغ" وبروز "ديان زيبينغ" كقائد جديد على الساحة الصينية، هذا الأخير أحدث تحولا جدريا في المقاربة السياسية للحزب الشيوعي الصيني جاعلا من التطور الإقتصادي للبلاد إحدى أهم أهدافه الكبرى، قام بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينات، حاول فهم النسيج الإقتصادي الأمريكي عن قرب، لم يقف عند هذا المجال بل تعداه إلى السماح للأطر العسكرية الصينية بولوج المدرسة العسكرية الأمريكية الشهيرة "ويست بونت"، كما أذن للطلبة الصينيين بالإلتحاق بالجامعات الأمريكية.
عندما إختار الزعيم الصيني "ديان زبينغ" ربط إقتصاد بلده بالإقتصاديات الغربية في بداية الثمانينات، لم تكن الصين حاضرة حتى ضمن 50 دولة مصدرة في العالم، بعد ثلاثين سنة أي في بداية سنة 2010 تحولت الصين إلى القوة الأولى متزعمة لائحة الدول الأكثر تصديرا للأسواق العالمية، من هنا يجب إستحضار تخوف مراكز القرار الأمريكية من المقاربة الجديدة التي وافقت عليها القيادة الصينية سنة 2015، والمعروفة ب " made in chaîna 2025 "، الهادفة إلى جعل الصين عن طريق شركاتها الكبرى عملاقا أساسيا ضمن كل القطاعات ذات القيمة المضافة تكنولوجيا، والإنتقال من صين كانت تعتبر من طرف الغرب " كورشة للعالم" إلى قوة إقتصادية حقيقية، لتأكيد هذا المنحى وبالأرقام، ففي سنة 1996 وضمن لائحة 500 شركة الأكثر تفوقا في العالم، لم يكن الحضور الصيني يتجاوز شركة واحدة، سنة 2017 إنتقل هذا العدد إلى 106 شركة في مقابل 132 شركة أمريكية، جزء كبير من هذه الشركات الصينية إختارت الإستثمار في مجالات صناعية وتكنولوجية حساسة، مما أحدث خوفا في أوساط صناع القرارات الكبرى في دول متقدمة عديدة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، من هنا يجب حسب المتتبعين والمختصين قراءة مبادرات ترامب اتجاه الصين التي ليست وليدة اليوم، هدف هذه المبادرات هو الإستمرار في معركة الحفاظ على التفوق الأمريكي وإن كان ذلك على حساب إستقرار العالم تجاريا بخلق ظروف قد تكون لها إنعكاسات سلبية وقد تعمقها أزمة كرونا الحالية.
- للأزمة الصينية الأمريكية جذور تاريخية قبل كوفيد 19
الإجراءات الحمائية الأمريكية اتجاه المنتوجات الصينية بدأت تتضاعف بشكل ملحوظ منذ الثمانينات، لاسيما تفعيل البنود المتضمنة في القوانين الأمريكية لسنة 1974، مع العلم أن هذه الصرامة الحمائية كانت تشمل كذلك الصادرات اليابانية والأوربية والكندية، ففي سنة 1987 مثلا الرئيس "ريغان" فرض رسوما جمركية على الواردات الإلكترونية اليابانية وصلت إلى 100% ، في نفس المنهج قرر الرئيس "بوش" في مارس 2002 فرض رسوم جمركية وصلت إلى 30% على واردات الصلب، والتي تم التراجع عنها بعد تدخل منظمة التجارة الدولية.
خلال الحملة الإنتخابية الرئاسية "لترامب" وأثناء تقديم برنامجه الإقتصادي، أكد أنه في حالة فوزه سيتصدى للإكتساح التجاري الصيني، بمجرد وصوله إلى الحكم، بدأ في تنزيل قناعاته على أرض الواقع، ففي 22 يناير 2018 قرر "ترامب" فرض ولمدة 4 سنوات رسوما جمركية على مجموعة من المنتجات الصينية، لم يقف ساكن البيت الأبيض عند هذا الحد ذلك أنه في خطاب رئاسي مؤرخ ب 22 مارس 2018، أعلن عن إرتفاع الرسوم الجمركية ب 60 مليار دولار عن طريق وضع لائحة تضم 1300 منتوج أجنبي، ومعلوم أن حرب "ترامب" التجارية على الصين جعلت هذه الأخيرة تفقد مكانتها كأول شريك تجاري لصالح المكسيك وكندا، فحسب إحصائيات أواخر دجنبر 2019 إنخفضت صادرات بكين نحو الأسواق الأمريكية ب 35 مليار دولار، القيادة الصينية على وعي بأهمية الأسواق الأمريكية، تجنبت السقوط في ردود فعل غير ذكية، فضلت المقاربة المبنية على تنازلات يحكمها منطق الرؤيا البعيدة المدى، من هذا المنطلق وقعت مع الولايات المتحدة الأمريكية على مشروع إتفاق تجاري في يناير 2020، تعهدت بموجبه بشراء 200 مليار من المنتوجات الأمريكية خلال مرحلة تمتد على سنتين، مع للإلتزام بوقف عمليات القرصنة، هذا الإتفاق جاء متزامنا مع تصريح "ترامب" وتأكيده على إستعداد البيت الأبيض لفرض رسوم جمركية على كل الواردات الصينية والتي تتعدى 636 مليار دولار سنويا، في حين أنها لا تستورد إلا 178 مليار دولار من المنتوجات الأمريكية، معناه أن العجز التجاري بين الدولتين يتجاوز 400 مليار دولار.
مواقف الخبراء الأمريكيين ومستشارو الرئيس هو أن المعركة داخل أروقة منظمة التجارة الدولية لم تعد كافية لوقف المد التجاري الصيني بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت أكثر من 34 شكاية لدى هذه المنظمة بجنيف، في حين أن الإتحاد الأوربي لم يتعدى ثماني شكايات. ومعلوم أن دراسات متعددة في هذا المجال من بينها تلك المنجزة من طرف جامعة كاليفورينا، إعتبرت أن الحرب التجارية مع الصين تؤدي بالإضافة إلى عجز الميزان التجاري إلى خسارة سنوية تصل إلى 69 مليار دولار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، أي بمعدل 213 دولار للفرد، بالإضافة إلى تهديد مباشر للمقاولات الصغرى التي تستعمل المواد الأولية الصينية ذات التكلفة المنخفضة، إذن نحن أمام بوادر حرب باردة جديدة بعمق إقتصادي بين قوتين أساسيتين للتوازن التجاري العالمي.
ولفهم أكثر لعمق التخوف الأمريكي ضروري إستقراء الأرقام وإستيعاب دلالاتها المؤرقة للبيت الأبيض، فالشريك الأول للولايات الأمريكية هو الصين بمبادلات تصل كما ذكرنا سالفا إلى 636 مليار دولار سنويا، متبوعة بكندا ب 580 مليار دولار ثم المكسيك 575 مليار دولار، وبالرغم من أن الواردات الصينية من المنتوجات الأمريكية لا تصل إلى المستوى المنتظر من المسؤولين الأمريكيين، إلا أنها تمس قطاعات حيوية وذات حساسية سياسية، مدام أنها تعني شرائح مؤثرة في التوازنات الإنتخابية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ذلك أن 61% من إنتاج الصوجا الأمريكية يتجه نحو الأسواق الصينية بمبلغ 14 مليار دولار سنويا، نفس المبلغ تقريبا هي واردات بكين من قطاع الطيران الأمريكي، بالإضافة إلى صناعة السيارات الأمريكية التي تصدر 7.6 مليار دولار سنويا نحو الأسواق الصينية.
في سنة 2001 عندما إلتحقت الصين بمنظمة التجارة الدولية، الرئيس "بيل كلينتون" صرح آنذاك متفائلا بهذا الحدث الإستثنائي والمفيد للولايات المتحدة الأمريكية قائلا: "بفتح حدودها، الصين تعطي فرصا عديدة للفلاحين والمأجورين والمقاولات الأمريكية، يستطيعون الآن الدخول بنجاح للأسواق الصينية للمساهمة في تطور الصين إقتصاديا". لم يكن يتوقع "كلينتون" أن الصعود السريع لإقتصاديات الصين سيشكل تنافسا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية، فنسبة النمو وصلت سنة 2005 إلى 12% ، مما دفع الرئيس "بوش" إلى إعتبار العلاقة مع بكين غير واضحة، مطالبا إياها بمزيد من الإنفتاح والديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان منطلقا من مقولته الشهيرة التي تؤكد أن التطور في مجال حقوق الإنسان هو لصيق بالتطور الإقتصادي، "أوباما" هو الأخر توجس من الصعود الإقتصادي للصين، حاول خلق نوع من التوازن بالإنفتاح على عدو الأمس أي الفيتنام، لكن لا "بوش" ولا "أوباما" إستطاعا زعزعة النجاحات الإقتصادية والتجارية للصين، التطور الصيني تقوى أكثر بطارئ إستراتيجي جديد مهم حصل في السنوات الأخيرة، والمتمثل في قرار تخصيص جزء من مداخيل التبادل التجاري لشراء الديون المتراكمة على الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث وصل المبلغ الإجمالي في أواخر 2019 إلى 1200 مليار دولار في شكل سندات يتحكم فيها البنك المركزي الصيني.
الرئيس "ترامب" لم يهتم بهذا التحول المالي في العلاقة مع الصين، أصدر مجموعة من المراسيم هدفها التضييق على المبادلات التجارية، لعل أهمها هو المرسوم المتعلق بمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع عملاق الإتصالات الصيني "هواوي" المتهم بالتجسس التكنولوجي على الولايات المتحدة الأمريكية، بالمقابل ظلت القيادة الصينية متشبثة بنفس الخط الذي نهجته ولسنوات متعددة والمتمثل في عدم السقوط في ردود فعل متسرعة مع التشبث بهدف إستدراك التأخر الحاصل على مستوى التطور الصناعي والتكنولوجي، هذه الرغبة الصينية تخيف "ترامب" الذي ينطلق من تقارير المؤسسات الأمريكية المكلفة بتتبع التنافس بين القوتين، مواقف "ترامب" تجاه الصين لم تتوقف حتى في عز أزمة كرونا، قاد حملة قوية معتبرا الصين مسؤولة عن تفشي الوباء عالميا.
- الحرب التجارية على الصين إختيار إستراتيجي
نهج سياسة الحرب التجارية إستراتيجية ليست وليدة اليوم، غالبا ما يتم التفكير في صياغة آلياتها التنفيذية ضمن مقاربة شمولية، هي إستراتيجية قادرة على تعويض المواجهات العسكرية، يرى البعض أنها تحولت مع إدارة "ترامب" إلى عقيدة تنطلق من مرجعية إيدولوجية مفكر فيها مسبقا، يتم تصريف جزء من مخططاتها من طرف خبراء مقربين من "ترامب" أمثال "بيتر نفارو" صاحب كتاب «Death by china» ، المتخصص في شرح السياسة النقدية التي تنهجها الصين قصد التفوق على أمريكا، "نفارو" يشتغل حاليا مستشارا مساعدا "لترامب" في القضايا التجارية، يعي جيدا أن قوة بكين في إحتياطها من العملة الصعبة الذي يصل 3000 مليار دولار بالإضافة إلى 1200 دولار من سندات الخزينة الأمريكية، كما يستوعب بشكل كبير أن بعض الأزمات العالمية كانت مالية أو صحية هي بمثابة فرصة للبعض لكنها قد تكون نقطة ضعف بالنسبة للبعض الآنخر، فمن بين نقط القوة عند الصين هي قدرتها إبان هذه الأزمة الصحية على تزويد العالم بأكثر من 28 مليار كمامة، لكن ضعفها يكمن في الضربات التي تلقتها من الغرب حول مسؤوليتها في إنتشار الوباء، ففي تقرير صادر عن المركز الصيني المتخصص في البحث في القضايا الأمنية، يرى أن نسبة العداء اتجاه ما هو صيني، إرتفعت بشكل كبير لم يعرف لها مثيلا منذ أحداث ساحة تيان آن من" سنة 1989، هذا التقرير المرفوع إلى القيادة الصينية لا يستثني فرضية الوصول إلى مواجهة عسكرية بين القوتين.
في مقابل ذلك يرى البعض أن هناك سياق جيو سياسي قد يخدم مصالح الصين وعلى رأسها الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نونبر المقبل، فالوضعية التي توجد عليها الولايات المتحدة الأمريكية من جراء تفشي وباء كرونا والذي خلف إلى حدود اليوم أكثر من 80 ألف وفاة و1.3 مليون مصاب، هذا الوباء فاجأ الرئيس "ترامب" الذي لم يكن يتوقع أن هذه الأزمة الصحية ستأخذ أبعادا دراماتيكية خطيرة بدليل خطابه في 4 فبراير أمام الكونغريس والذي دافع فيه عن أطروحة نهاية التراجع الأمريكي، ما دام أن الإقتصاد حسب الرئيس الأمريكي عرف نموا مسترسلا لمدة 128 شهرا وبدون توقف، مع تراجع ملحوظ في نسب البطالة.
أزمة كوفيد-19 حطمت هذه الأطروحة تماما، عندما وجد أكثر من 30 مليون أمريكي أنفسهم بدون تغطية صحية، نصف سكان الولايات المتحدة الأمريكية لا يتوفرون على تأمينات صحية لتغطية كل مصاريف الإستشفاء، مع العلم أن تأمينات الصحة مرتبطة بالشغل معناه أن البطالة تؤدي إلى فقدان التغطية الصحية، زد على ذلك الإنقسامات العميقة في أوساط الرأي الأمريكي في التعاطي مع الأزمة الصحية من خلال بروز خلافات حول لمن الأسبقية هل للحياة أم للإقتصاد ؟
المنافس الآخر للصين ونقصد الإتحاد الأوربي الذي من المتوقع أن يعيش نقاشا داخليا صعبا بعد أزمة كورونا، إذ يتصور المتتبعون للشأن الأوربي أن تحصل تغييرات في رؤية الإتحاد المتعلقة بالعلاقة مع الصين والمنطلقة من مضمون الوثيقة المتفق عليها سنة 2019 من طرف بروكسيل، مع إستحضار صعوبات إيجاد توافقات بين دول الإتحاد الأوربي لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع القوى العظمى، في حين أن الهند كقوة صاعدة تخترقها صراعات إثنية تؤدي بها غالبا إلى الإنغلاق، أما روسيا فهي حسب المختصين لا تملك إمكانيات مسايرة طموحات "بوتين".
التطور الإقتصادي الصيني يدخل حسب خبراء الشأن الكوني في إطار النجاحات الكبرى للقرن 20 وبداية القرن 21، فهي اليوم تتوفر على إمكانيات هائلة للإستثمار، فبالإضافة إلى طموحها ترأس نادي الكبار بمميزات تكنولوجية عالية الجودة، فإنها بموازاة ذلك تغزو العالم بذكاء إنتقائي رزين بواسطة مشروع طريق الحرير، بالرغم من فشلها في خلق أجواء الثقة داخل محيطها الجهوي، فجزء من الدول المجاورة ترى في بكين تهديدا لإستقرارها، والجزء الآخر لم يستطع خلق جسور الثقة مع القيادة الصينية، البعض يفسر ذالك بالمنظور الجديد للرئيس " زي جان سيبينغ" المدافع عن فكرة الإستثناء الصيني، والتي تعني أن الصين حاملة لمشروع إقتصادي وسياسي مختلف عن ما هو موجود عالميا، مالكة لشرعية التفوق المستمر وبدون توقف طيلة ثلاثين سنة، بحيث إنتقلت بكين من فكرة الصين داخل المنظومة العالمية إلى تبني فكرة الصين المتزعمة لهذه المنظومة والآخرون إما تحت تأثيرها أو في الصف المنافس لها.
من هنا يمكن القول أن ما بعد جائحة كوفيد 19 سيعرف صراعا قويا وتنافسا حادا بين دوليتين لا ثالث معهما، الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الصين، حرب تجارية ستعود بالعالم إلى أجواء الحرب الباردة، هذه المرة بمرجعية إقتصادية محضة لا تحكمها التجاذبات الإديولوجية، بقدر ما تسيطر عليها المصالح التي خلقها إقتصاد معولم طيلة ثلاثين سنة الماضية.
*خبير في العلاقات الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.