في رد قوي على الشيخ السلفي، حسن الكتاني، الذي عبر عن استيائه من إدراج حروف تيفيناغ الأمازيغية في الأوراق النقدية المغربية، قال عبد الوهاب رفيقي، الملقب ب"أبي حفص"، في تدوينة له إن فكرة تفضيل العرب، أو العربية على سائر الأجناس واللغات "فكرة بليدة"، فضلا عن أنها "فكرة عنصرية قائمة على قومية وعصبية مقيتة..". وكان حسن الكتاني، قد اعتبر في تدوينته على الفيس بوك، أن طبع حروف "تيفيناغ" على النقود المغربية "سيهمش اللغة العربية ويضيق على لغة الإسلام والمسلمين"!
كلام الكتاني، يعيدنا إلى نقاشات عقيمة ومتجاوزة حول اللغة العربية "كلغة للقرآن" و"لغة أهل الجنة" وهل العربية هي "اللغة التي نزل بها القرآن"، أم "اللغة التي نزل فيها القرآن"، وهي مسائل حسم فيها العلماء والفقهاء المتنورون، فيما لايزال بعض العنصريين يجترون أفكارا أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد تصلح للعصر بعد أن قطع الفكر الإنساني أشواطا طويلة ضد سلوكيات العبودية والعنصرية وكره الآخر..
كلام الشيخ الكتاني، الذي عودنا على خطابات الكراهية والحقد الدفين، أغضب العديد من النشطاء الذين عبروا عن استنكارهم لما جاء في تدوينة الكتاني، معتبرين أنها تسيء "للغة الأمازيغية"، فضلا عن أنها تنم عن عنصرية مقيتة..
وبالنظر إلى ما جاء في تدوينة عبد الوهاب رفيقي من مضامين متفتحة وموضوعية بهذا الشأن، فإننا ارتأينا أن ننشرها كاملة، خاصة أنها صدرت عن شخص شارك الكتاني نفس الأفكار في وقت مضى، كما أنهما اعتقلا على خلفية أفكارهما المتشددة، إلا أن الفرق بينهما هو أن رفيقي أحدث قطيعة ابستمولوجية مع أفكاره المتطرفة، فيما الكتاني لا يزال يجتر نفس الأفكار ولا يريد أن يحيد عنها رغم خطئها وفشل المشروع الذي تدعو إليه..
إليكم تدوينة عبد الوهاب رفيقي: أولا: فكرة تفضيل العرب أو العربية على سائر الأجناس واللغات برأيي فكرة بليدة، فضلا على أنها فكرة عنصرية قائمة على قومية وعصبية مقيتة..
هي سخيفة لأنها قائمة على أنها لغة القرآن، مع أن القرآن لو نزل على الصينيين لكان بلغة أهل الصين، فهل ستكون الصينية حينئذ هي لغة أهل الجنة وفضلها الله على سائر اللغات ووووو....
القرآن كان عربيا لأنه نزل في بيئة عربية، كما كانت الكتب الأخرى بألسن قومها، "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه"، فلا فضل لأي لغة على أخرى..
ثانيا: الربط بين دين ما ولغة ما، يصح عند الأديان العرقية والقومية، التي لا تقبل بينها من ليس من عرقها، أما وأنت ترى أن الإسلام دين للعالمين، وأنه للعرب والعجم، وأنه لا فرق بين الأجناس والأعراق، ثم تدعي أن العربية لغة الإسلام والمسلمين، وأنها لغة الجنة، و... فذلك تناقض ما بعده تناقض..
ثالثا: هذه الفكرة طبعا ليست جديدة، بل هي مبثوثة في عدد من كتب التراث، نجد مثلا ابن تيمية في كتابه المشهور " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" يتحدث عن كون العربية شعار الإسلام والمسلمين، وعن كراهية الرطانة، وهي خلط العربية بغيرها، بل اعتبر ذلك من النفاق، كما ألف عدد من الفقهاء كتبا في فضل العرب،" محجة القرب إلى محبة العرب"، لعبدالرحيم بن الحسين العراقي، وكتاب مسبوك الذهب في فضل العرب؛ لمرعي بن يوسف الكرمي، وكتاب مبلغ الأرب في فخر العرب لأبي العباس الهيثمي، وكل هذه الكتب مشحونة بالعنصرية المغلفة بالدين..
رابعا: ما جاء في الكتب السابقة الذكر، كان دفاعا عن العرب بعد اختلاطهم بباقي الأجناس، بل وتفوق الأجناس الأخرى على العرب حتى في الفقه والحديث والعلوم الدينية، بل حتى في لغة العرب نفسها، فكانت ردة الفعل هذه نابعة من خوف على العرق العربي واللسان العربي من الانحسار، ما أنتج هذا الفقه العنصري، والواقع أن متبني هذا الفكر اليوم يصدرون مثل هذا الخطاب لنفس الأسباب، بل الأمر اصبح أكثر سوءا مع حالة التخلف، ومع تأثيرات العولمة، إلا أن الفارق بيننا اليوم وبين ما سبق، أن منظومة القيم قد تطورت بما لا يسمح بتاتا بأي خطاب عنصري متعصب، ولا بد من الوعي بأننا نعيش بدولة حديثة تقتضي أفكارا حديثة، وليس أفكارا عنصرية أكل عليها الدهر وشرب..
خامسا: هذا فيما يتعلق باللغات والأعراق جميعا، فكيف والمعني بهذا الخطاب لغة رسمية تضمنها دستور الدولة، وسبقت العربية للوجود بهذه المنطقة، وهي جزء لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا وثقافتنا..
سادسا: ليس من العيب أن يعتز الإنسان بلغته عربية كانت أو امازيغية أو أي لغة أخرى، ولكن الخطير هو أدلجة اللغة، واحتقار لغات الآخرين كيفما كانت هذه اللغة، فكيف وهي جزء واسع جدا من هويتنا المشتركة؟