بات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه الرئاسي في عزلة سياسية، بعد بروز بوادر تمرد وتخلي أكبر حزبين رئيسيين عنه، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، إضافة إلى ابتعاد كبار الشخصيات ورجال الأعمال المرتبطين بالرئاسة عنه وإعلان دعمهم للحراك الشعبي ومطالبه المركزية. وتتسابق أحزاب السلطة والمنظّمات المرتبطة بالرئيس الجزائري للالتحاق بالحراك الشعبي ودعم مطالبه، والكشف عن تفاصيل مثيرة عن طريقة إدارة الحكم في البلاد والظروف والملابسات المتصلة باتخاذ قرار ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.
وبرز إعلان المنسق العام ل"جبهة التحرير الوطني"، رئيس البرلمان معاذ بوشارب، دعم مطالب الحراك الشعبي، والدعوة إلى خارطة طريق واضحة المعالم لحل الأزمة وانتقال السلطة، وهو ما فُهم منه انشقاق سياسي عن بوتفليقة ورفض مبدئي لخطته التي أعلنها.
وقال بوشارب خلال لقاء مع قيادات الحزب، إن "كوادر ومناضلي جبهة التحرير مع الحراك، ومن أجل وضع خارطة طريق واضحة المعالم لحل الأزمة الحالية". وحمّل بوشارب رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى مسؤولية الأزمة وما آلت إليه الأوضاع في البلاد، وقال "بعض الأشخاص يريدون إلصاق التهم بجبهة التحرير، لا يمكن تحميلنا ما حصل لأننا كنا مجرد حزب عضو في الحكومة، وحزبنا لم يكن على رأس الجهاز التنفيذي خلال السنوات الماضية".
وهذه أول مرة يعلن فيها المنسق العام للحزب الحاكم، الذي يعد بوتفليقة رئيساً له، دعمه لمطالب الحراك الشعبي.
وفي سياق عزل بوتفليقة، يدخل أيضاً رفض رئيس الحكومة المقال أو المستقيل أحمد أويحيى، أن يكون وحده كبش فداء لمجموعات السلطة إزاء الحراك الشعبي، بعد عشرة أيام من إقالته من منصبه، إذ طالب السلطة، ويقصد بها الرئاسة، بالاستجابة لمطالب الشعب بتغيير النظام ورحيل كل رموز السلطة. وزاد على ذلك إقرار الرجل الثاني في حزبه، المتحدث باسم "التجمع الوطني الديمقراطي"، صديق شهاب، بالخطأ في حق الشعب. وفجّرت تصريحات صديق قنبلة سياسية، عندما قال إن ترشيح بوتفليقة لم يكن قناعة سياسية، لكنه كان مغامرة وفقدان بصيرة. لكن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" عاد لاحقاً للتبرؤ من تصريحات شهاب.
ويبدو "التجمع الوطني الديمقراطي" في طريقه للتشظي، إذ أن أكثر من 650 قيادياً في الحزب يحضرون لانقلاب على الأمين العام أحمد أويحيى وطرده من الحزب. ويجرى توقيع وثيقة من قبل قيادات الحزب بهدف عقد مؤتمر استثنائي عاجل في الفترة بين 4 و15 إبريل المقبل، "يخلص إلى تشكيل قيادة جديدة للحزب وتطهير صفوفه من رجال المال والانتهازيين الذين يسيطرون على مقاليد الحزب".
كما برز تحوّل موقف قيادة الجيش الجزائري لصالح الحراك الشعبي، وإعلانها تفهّم مطالب الحراك والتحام الجيش مع الشعب، خصوصاً في الخطاب الأخير الذي ألقاه قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، خلال لقائه يوم الثلاثاء كبار قادة الجيش في منطقة تندوف جنوب غربي الجزائر، فلم يذكر ضمن 450 كلمة تضمّنها الخطاب، بوتفليقة، لا بصفته رئيساً للجمهورية ولا كوزير للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وفُهم من ذلك إعلان قطيعة بين الرئيس والجيش.
هذه المواقف السياسية زادت من إثارة المشهد الجزائري، لكن اللافت أن أغلب رجالات السلطة وأحزابها والمجموعات السياسية والمالية المرتبطة بها، التي تتجه إلى التخلي عن بوتفليقة، تُسارع في الوقت نفسه إلى الحصول على "بطولة ثورية" والقفز إلى موقع متقدّم في مرحلة ما بعد بوتفليقة، والبحث عن منافذ للتسلل إلى مقدمة الانقلابيين على بوتفليقة وتقديم خدمات سياسية لصالح الحراك الشعبي.
وكشفت مصادر متطابقة، ةحسب ما أورده "العربي الجديد"، أن السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، الذي كان يُعرف بنفوذه السياسي، اشتكى لمقربيه من رفض شخصيات سياسية ومالية كانت مقربة من السلطة الردّ على اتصالاته أو مساعدته في المرحلة الحالية. وأكدت بعض المصادر، يضيف ذات الموقع، أن عدداً من المسؤولين في الرئاسة المكلفين بإجراء الاتصالات مع الأحزاب والشخصيات السياسية والمدنية للتنسيق حول تشكيل الحكومة أو إقناعها بالخطة التي يطرحها بوتفليقة لنقل السلطة، يجدون صعوبة كبيرة في قبول الشخصيات المختلفة لقائهم في الرئاسة، وهو ما يفسر أيضاً عجز رئيس الحكومة نور الدين بدوي عن تشكيل الحكومة بفعل اعتراض النقابات والأحزاب والشخصيات عن مقابلته.
العزلة السياسية الداخلية التي يعيشها بوتفليقة دافعته للبحث عن توافقات مع الشركاء الدوليين للجزائر، بشأن تنفيذ خطته لنقل السلطة، عبر إيفاد نائب رئيس الحكومة، ووزير الخارجية، رمطان لعمامرة، إلى كبرى العواصم الغربية لشرح تطورات الوضع. وفي هذا السياق، برزت زيارة لعمامرة إلى برلين أمس، حيث جدد التأكيد على مواقف النظام بأن بوتفليقة سيسلم السلطة إلى رئيس منتخب ديمقراطياً بعد إقرار دستور جديد وعقد مؤتمر وطني.
وفي مؤتمر صحافي في العاصمة الألمانية، لفت لعمامرة إلى أن الخطة الرامية للخروج من هذا الموقف والتي طرحها بوتفليقة في 11 مارس الحالي، تقضي بعدم ترشح الرئيس في أي انتخابات جديدة وأن الندوة الوطنية الجامعة هي التي ستحدّد موعد هذه الانتخابات. وأضاف أنه فور انعقاد هذه الندوة ووضع دستور جديد ستجرى انتخابات رئاسية وبعدها تنتهي ولاية بوتفليقة ويتم تسليم الرئاسة لمن انتخبه الشعب.