في ظل هذا الحراك الإجتماعي الذي تعرفه الجزائر، يواصل النظام التعامل مع الإحتجاجات الرافضة لترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، بكثير من "الحساسية" ويرى فيها محاولة لضرب استقرار البلاد، كما دأب على ذلك في استغلال فزاعة الأمن والاستقرار، فيما تعتقد المعارضة أن هذا التصور مبالغ فيه والرفض رد فعل طبيعي أملته الحالة الصحية لبوتفليقة، بالإضافة إلى شعور شريحة واسعة من الشباب باليأس من الوضع الراهن للبلاد . ومنذ إعلان عبد العزيز بوتفليقة يوم 10 فبراير الجاري، نيّته في الترشح للرئاسيات القادمة، عبر رسالة وجهها إلى الشعب، يعيش الشارع الجزائري على وقع احتجاجات، ودعوات للتظاهر ضد العهدة الخامسة، لم تقتصر على بعض ولايات الجزائر بعدما بلغ صداها إلى خارجه، لتشهد العاصمة الفرنسية باريس، الأحد الماضي تجمعًا لمئات الجزائريين تنديدًا بترشح الرئيس مرة أخرى.
تحذير وتهديد وأثارت الاحتجاجات الرافضة للعهدة خامسة، مخاوف السلطات الأمنية الجزائرية التي رفعت من درجة اليقظة والتأهب، وحتى المسؤولين السياسيين في أعلى هرم السلطة بدليل مسارعتهم إلى التهدئة تارة والتحذير مما أسموه ب”دعاة الفوضى” تارة أخرى.
ما يعكس هاته المخاوف، تحذيرات وزير الداخلية والجماعات المحلية، على هامش زيارته التفقدية إلى بلديات ودوائر ولاية الجلفة، من إفساد ما أسماه ب"العرس الانتخابي للجزائريين".
وصعد بدوي من لهجته وهو يتحدث عن دعوات التظاهر ضد العهدة الخامسة حيث قال: "إننا أقوى من كل هذه المحاولات التي نملك ما نتصدى به لها وإننا قادرون على حماية البلاد"، ليمر لمهاجمة من وصفهم بمثيري البلبلة والساعين "لزعزعة استقرار البلاد" قائلًا "نحن من نعرف الجزائر ونعرف واقعها، نحن من عشنا سنوات الدم والتخريب وعانينا لعشرية كاملة، واليوم نحن ننعم بالأمن وبالفرص الكثيرة التي ساعدتنا على الوقوف من جديد" حسب الوزير الجزائري.
الجيش يدخل على الخط وزارة الدفاع، هي الأخرى دعت على لسان اللواء، ماضي بوعلام، مدير الإعلام والتوجيه، الجزائريين إلى التحلي "أكثر من أي وقت مضى بمزيد من اليقظة والإدراك العميق لحجم التحديات الواجب رفعها خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها الوضع الجيو استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، وما يرافقه من محاولات ضرب استقرار وأمن الجزائر".
قبلها، هاجم الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش، من أسماهم ب"أعداء الجزائر في الداخل والخارج الذين يريدون أن يجعلوا الجزائر وشعبها رهينة لمصالحهم الشخصية الضيقة وطموحاتهم الزائفة".
ودافع قايد صالح عن الإنجازات والمكتسبات المحققة في السنوات الأخيرة، قائلًا "إنه لا يمكن لأحد أن ينكرها إلا جاحد من ذوي النوايا السيئة والخطابات الحاقدة، الذين لا يقيمون وزنا، لجزائر آمنة ومستقرة، ولا يقيمون وزنا أيضا لمصير الشعب الجزائري المجاهد، الذي استطاع أن يُفشل حيل ودسائس ومراوغات، بل وحقد بعض الأعداء في الداخل والخارج.." على حد قوله.
تصريح ناري، انتقدته الأمنية العامة لحزب العمال لويزة حنون، بشدة قائلة : "حتى رئيس الأركان، هو أيضًا دخل في الحملة السياسية من أجل عهدة جديدة لرئيس الجمهورية"، وتابعت متسائلة بنبرة علتها الدهشة : "أين هو حياد الجيش الوطني الشعبي".
بوتفليقة وفي رسالته التي وجهها إلى الشعب الجزائري بمناسبة يوم "الشهيد" 18 فبراير، دعا هو الآخر إلى "تغليب مصلحة الجزائر على تنوع الأفكار، كلما تعلق الأمر بالحفاظ على استقلالنا السياسي والاقتصادي و الأمني"، مضيفا أن "أمن الجزائر لا يتطلب القوة المسلحة فحسب، بل يتطلب كذلك الوعي، والوحدة، والعمل، والتوافق الوطني".
حملة إنتخابية مبكرة وفي خضم الحراك الذي يعيشه المجتمع الجزائري، دشن المعسكر الداعم لترشح بوتفليقة، حملة إنتخابية مسبقة ضمن مساعيه لإحكام قبضته على الساحة واستعراض عضلات أنصاره الذين هم في الغالب، تنظيمات جماهيرية وجمعيات من المجتمع المدني، مثل "الاتحاد العام للعمال الجزائريين" و"اتحاد النساء"، وغيرهم.
وعلى الرغم من عدم انطلاق المهلة القانونية للحملة الانتخابية التي عادةً ما تكون عقب إعلان المجلس الدستوري عن أسماء المرشحين الفعليين للرئاسة، إلا أن مدير حملة بوتفليقة، الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، بدأ بعقد لقاءات متتالية لحشد الجماهير.
كما دعا إلى "التعقل" وعدم اللجوء إلى الشارع للتعبير عن المواقف، بعدما قال سلال في وقت سابق إن "ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة يلقى ترحيباً وصدى واسعاً لدى الشعب الجزائري وعلى المستوى الدولي من دون تسجيل أي خوف أو تردد".
المعارضة تضغط في الجهة المقابلة، دعت حركة "مواطنة" إلى الإحتجاج يوم 24 فيفري القادم، تزامنا مع ذكرى تأميم المحروقات، وترى أن الجزائريين من حقهم التظاهر للتعبير عن رفضهم لمشروع العهدة الخامسة، لأن الشعب هو سيد في قراره.
بينما تواصل المعارضة مساعيها بهدف الاتفاق على تقديم مرشح واحد لمواجهة الرئيس المنتهية عهدته، عبد العزيز بوتفليقة، في الانتخابات المقررة في 18 أبريل.