شعب بريس- محمد بوداري أثار قرار الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية إرجاع حوالي 20 مليون درهم ( 2 مليار سنتيم) إلى خزينة الدولة، ردود فعل متباينة لدى الرأي العام الوطني والمهتمين بالشأن السياسي بالبلاد. ويرى البعض أن هذا القرار مجرد تلميع لصورة الحزب ومحاولة لإظهاره كتنظيم حريص على أموال الشعب، وذلك بالمزايدة على الاحزاب الاخرى إذ الهدف منها هو ضرب تلك الاحزاب وإظهارها كتنظيمات همّها الوحيد هو الاستفادة من إعانات الدولة وتبذير أموال دافعي الضرائب، فيما يرى البعض الآخر أن هذا السلوك يحسب للحزب وهو بذلك يعبر عن ثقافة جديدة في الساحة السياسية المغربية التي تحتاج إلى نفحات من الشفافية تبدأ بالتدبير العقلاني و"المواطن" لميزانيات الاحزاب التي يشكل دعم الدولة أهم مواردها. وبغض النظر عن ما يمكن ان يقال في هذا المجال وبعيدا عن كل محاكمة للنوايا، فإن قرارا كهذا يطرح مجموعة من التساؤلات التي تهم طبقتنا السياسية وبالأخص الحزبية منها، إذ اننا لم نسمع من قبل بأن حزبا أو هيئة سياسية قامت بمبادرة مثل هذه، بل العكس هو ما يحصل إذ لا تتوانى بعض الهيئات في المطالبة بالزيادة من قيمة هذا الدعم. قرار العدالة والتنمية بررته الامانة العامة للحزب بكون هذا الاخير لم يصرف على المستوى المركزي وعلى صعيد الدوائر الانتخابية بمناسبة الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلا قرابة 34 مليون درهم من مجموع 54 مليون درهم التي استفاد منها، وبالتالي كان من الواجب إرجاع هذا الفائض إلى خزينة الدولة. وإذا علمنا أن حزب العدالة والتنمية قد غطى جميع الدوائر الانتخابية وقام بحملة انتخابية وظف فيها جميع الوسائط السمعية والبصرية والمكتوبة ورغم ذلك لم تصل نفقاته إلى حد استنفاذ مبلغ الدعم المقدم من طرف الدولة، فإن ذلك يطرح تساؤلات كبيرة حول كيفية تدبير وصرف هذا الدعم من طرف أحزابنا الوطنية التي لا تبقي منه ولو سنتيما واحدا. والسؤال المطروح هو أين يذهب هذا الدعم أو على الاقل فائض الدعم من الحملات الانتحابية؟ الجواب لدى المتمرسين في دروب مالية الأحزاب، إذ ان هذه الاحزاب السياسية تبادر إلى تحويل هذه المبالغ كاعتماد ضمن "نفقات التسيير" في حساباتها قبل أن تقدم للمجلس الاعلى للحسابات، وهو ما يعفيها من إرجاع الفائض. وإذا كان القانون الجديد المتعلق بالاحزاب، من خلال المادة 38، ينص على أن المجلس الأعلى للحسابات يقوم بمراقبة نفقات الأحزاب السياسية برسم الدعم السنوي لتغطية مصاريف تسييرها وكذا الحساب السنوي للأحزاب السياسية، فإن جل الاحزاب السياسية تقوم بالالتفاف على نصوص القانون وذلك للإفلات من المحاسبة من خلال تحويل اعتماد الدعم إلى نفقات التسيير.، بالرغم من أن كل استخدام كلي أو جزئي للدعم الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير تلك التي منحت من أجلها يعد اختلاسا لمال عام يعاقب عليه بهذه الصفة وفق القانون. فهل ستنيرنا الاحزاب السياسية حول طرق صرف هذا الدعم أم أنها ستخفي رأسها في الرمل كالنعامة عملا بالقول المأثور:" كم حاجة قضيناها بتركها"..