لم تحد المواقف المعبر عنها من قبل الإدارة الأمريكية خلال السنة التي تشارف على نهايتها، إزاء استراتيجية المغرب المتعددة الأبعاد لمحاربة الإرهاب، عن تلك التي دأبت مختلف دوائر القرار في واشنطن على تأكيدها خلال السنوات الماضية، وهي المواقف والتي تتوحد مضامينها في الإشادة بدور المغرب الريادي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في المعركة الكونية ضد آفة الإرهاب، وإبراز الإسهام القيم للمملكة كشريك موثوق به ولا محيد عنه بالنسبة للولايات المتحدة. وتعد هذه المواقف الثابتة للولايات المتحدة، والتي تأتي في سياق دولي موسوم بالاضطراب وتعاظم المخاطر والتهديدات، بمثابة اعتراف بالجهود التي يبذلها المغرب ليس فقط من أجل أمنه القومي، ولكن أيضا خدمة للسلم والاستقرار عبر العالم، فضلا عن كونها تأكيدا لنجاعة المقاربة الشمولية التي اعتمدتها المملكة في هذا المجال والتي لا تقتصر على تدابير اليقظة الأمنية فحسب، بل تدمج ضمن أولوياتها أهداف التنمية الاقتصادية والبشرية، وكذا التعاون الراسخ على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وجاء التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في شهر يوليوز الماضي، معبرا بجلاء عن تثمين الإدارة الأمريكية الحالية لجهود المغرب ودوره الفاعل في مكافحة الإرهاب، حيث أكد أن "المملكة شريك للولايات المتحدة، يتميز باستقراره في شمال إفريقيا، ويعمل على استفادة الدول الصديقة من خبرته وتجربته في المجال الأمني".
وأبرز التقرير أن المغرب وضع استراتيجية وطنية لتعزيز الالتزام بالمذهب المالكي الأشعري، مشيرا إلى أنه تم، في إطار هذه الاستراتيجية، تأهيل المساجد وتعزيز قيم التسامح والوسطية، وذلك، على الخصوص، من خلال تكوين نحو 50 ألف إمام.
وسجلت الخارجية الأمريكية، كذلك، أن المملكة التي جعلت مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتها، "أظهرت على أرض الواقع قدرتها على مواجهة التهديد الإرهابي، حيث نجحت في تفكيك العديد من المجموعات الإرهابية المرتبطة بالشبكات الدولية لتنظيم +داعش+، و+القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي+ و+جبهة النصرة+".
وشكل الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي انعقد على هامش أشغال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مناسبة لتأكيد التعاون الوطيد القائم بين واشنطن والرباط في مجال مكافحة الإرهاب، حيث صادق هذا الاجتماع على إطلاق مبادرة بشأن معاملة المتطرفين العنيفين المحليين بقيادة البلدين.
وتروم هذه المبادرة التصدي للتهديد المتزايد الذي يشكله المتطرفون المحليون الموالون لتنظيم "داعش" وكذا المرتبطون بالحركات الإرهابية، فضلا عن استكشاف سبل جديدة تمكن الأطراف المعنية من معالجة هذه القضية بطريقة منسقة.
وقد تميز هذا الاجتماع بإعادة انتخاب كل من المغرب وهولندا لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب برسم ولاية جديدة من سنتين وهو ما يمثل شهادة بليغة على الثقة التي يضعها المجتمع الدولي في المقاربة المغربية لمكافحة الإرهاب ومساهمته القيمة والحاسمة في هذا المجال.
وعلى خط مواز، تقاطعت تحليلات ومقالات العديد من مراكز التفكير وكبريات وسائل الإعلام بالولاياتالمتحدة، مع المواقف الرسمية المعبر عنها من قبل واشنطن، إذ أكدت أن المعالجة المغربية لظاهرة الإرهاب تقدم نفسها للعالم كنموذج رائد ومتفرد لدرء مخاطر آفة الإرهاب التي اتخذت أبعادا أكثر خطورة وتعقيدا.
ومن النماذج التي تجدر الإشارة إليها، على سبيل المثال لا الحصر، ما كتبته المجلة الأمريكية المتخصصة في القضايا الجيو استراتيجية (ناشيونال إنتريست)، التي دعت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى وضع، بمعية البلدان العربية الحليفة، استراتيجية لمكافحة الإرهاب تأخذ كنموذج المقاربة التي انخرط فيها المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تتميز بطابعها الشامل القائم على الدعوة إلى إسلام معتدل والقضاء على أسباب الإرهاب العنيف.
وذكرت المجلة الأمريكية المؤثرة، في مقال تحليلي، أن "جلالة الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، يعتبر مؤتمنا على الشرعية الدينية لإلهام الزعماء الدينيين في العالم في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، من خلال تفكيك منهجي للخطاب التضليلي، والدعوة إلى القيم النبيلة للسلم والتسامح".
وسجلت (ناشيونال إنتريست) أنه في إطار هذه الرؤية الملكية الشاملة، حرص جلالة الملك دوما على دعم الجهود المشتركة، الرامية إلى محاربة الإرهاب والتطرف، مع البلدان الصديقة بالمنطقة العربية وبإفريقيا، خاصة من خلال تكوين الأئمة، باعتبار ذلك أحد المحاور الأساسية لقطع الطريق على التطرف العنيف.
وبدورها، دعت الصحيفة الأمريكية الواسعة الانتشار "هافينغتون بوست"، إثر الهجوم الإرهابي الذي كانت نيويورك مسرحا له شهر شتنبر الماضي، إلى الاستفادة من استراتيجية المغرب المتعددة الأبعاد في مجال مكافحة الارهاب والتطرف الديني، مقترحة إنشاء هيئة جديدة في الولاياتالمتحدة بقيادة مسؤول كبير في البيت الأبيض، تتمثل مهمتها في العمل مع الدول الحليفة لواشنطن من أجل حماية الأجيال الصاعدة من هذه الآفة.
وأكدت الصحيفة في مقال تحليلي حمل توقيع أحمد الشرعي، الناشر وعضو مجلس إدارة العديد من مراكز التفكير الأمريكية، أن "المغرب يملك الوسائل اللازمة للمساهمة بفعالية في هذه الجهود بفضل، على الخصوص، مقاربته المتعدد الأبعاد المرتكزة على الهوية المتعددة: العربية الإسلامية والعبرية والإفريقية والأندلسية والمتوسطية".
وذكرت في هذا السياق، بأن الدستور الذي صادق عليه الشعب المغربي سنة 2011، يعزز التزام المغرب بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار بين مختلف الثقافات والديانات والحضارات في العالم.
كما أبرزت صحيفة (ذ هيل) التي يصدرها الكونغرس الأمريكي، النموذج المغربي في مجال إصلاح الحقل الديني، وتكوين الأئمة والمرشدات على تعاليم الدين الإسلامي السمحة القائمة على الاعتدال والوسطية، مذكرة بأن هذه البرامج تستفيد منها اليوم العديد من البلدان الإفريقية والعربية.
ومن جانبه، أكد رئيس "أميريكن ديفانس انترناشيونال" ومؤلف كتاب "الإرهاب الجديد، كيف تقاتله وتهزمه"، فان هيب، أن المغرب، الذي يعد أقدم حليف للولايات المتحدةالأمريكية، مؤهل أكثر من غيره ليشكل صلة وصل نحو القارة الإفريقية والشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وأوضح فان هيب، في مقال تحليلي نشر على موقع "نيوزماكس.كوم" ان "الولاياتالمتحدة تواجه اليوم ظرفية دولية، هي الأكثر تعقيدا في تاريخنا. والمغرب، أقدم حليف للولايات المتحدة، في موقع جيد ليكون صلة وصل نحو إفريقيا، حيث يتنامى تهديد الإسلام المتطرف، وكذا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموما (...)، من هنا تبرز ضرورة أن تعمل واشنطن على تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع المملكة".
إن المواقف المعبر عنها في الولاياتالمتحدة سواء على المستوى الرسمي أو من قبل مراكز التفكير المتعددة، تضع الأصبع على مكمن القوة في المقاربة المغربية المتكاملة الأركان لمكافحة الإرهاب والتطرف، ألا وهي المقومات الحضارية والثقافية المتفردة التي جعلت المملكة على مر التاريخ نموذجا للتعايش بين الأديان ومنارة للإسلام الوسطي الذي ينبذ التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله، وينشر المحبة والسلام بين الشعوب. وهو نموذج ما أحوج العالم اليه اليوم.
وعرفانا بالجهود التي ما فتئ المغرب يبذلها من أجل صون وتحصين هذا النموذج، منح "التحالف العالمي من أجل الأمل" في شهر شتنبر الماضي بنيويورك، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، جائزة الاعتراف الخاص للريادة في النهوض بقيم التسامح والتقارب بين الثقافات، وذلك "للقيادة السديدة لجلالته في تعزيز الانسجام بين مختلف الثقافات سواء في المغرب أو على الساحة الدولية".
وقد تسلم صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد هذه الجائزة المرموقة باسم جلالة الملك، خلال حفل كبير أقيم في فضاء المكتبة العمومية المرموقة في نيويورك، برعاية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وبحضور عدد من رؤساء الدول، وممثلي السلك الدبلوماسي لدى الأممالمتحدةوواشنطن، فضلا عن شخصيات من عالم السياسة والفنون والثقافة.
وحملت شهادات الشخصيات المرموقة التي تم تقديمها خلال حفل تسليم الجائزة، كل معاني الاعتراف بفرادة النموذج المغربي الذي يعد مرجعا لمجموعة من الدول والمناطق في العالم.
وفي هذا السياق، قالت المديرة العامة السابقة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ايرينا بوكوفا، إنه "لشرف خاص بالنسبة لي أن أقدم لجلالة الملك محمد السادس جائزة الاعتراف الخاص للريادة في مجال النهوض بقيم التسامح والتقارب بين الثقافات".
وأعربت السيدة بوكوفا عن "إعجابها برسالة السلام العظيمة التي يحملها جلالة الملك، التي تنطوي على احترام عميق للكرامة الإنسانية والتسامح، والموجهة أيضا إلى الشباب".
وبدوره، أكد جويل رويت، رئيس مركز التفكير الدولي "دو بريدج"، أن منح جلالة الملك محمد السادس، هذه الجائزة، تأكيد على "تماسك ورسوخ" قيادة ورؤية جلالته، مضيفا أن هذه الجائزة "تشكل شهادة واعترافا كاملا بانسجام السياسة التي يقودها جلالة الملك منذ اعتلائه العرش".
وسجل رويت أن "هذا الصنف من الجوائز نادر، ويتم منحه لشخصيات استثنائية تفعل سياسات لا تقل استثنائية"، مشيرا إلى أن هذا التتويج يؤكد "رسوخ السياسة المغربية ليس فقط من حيث الانفتاح، ولكن أيضا من حيث اندماج المغرب داخل القارة الإفريقية".
كما عبر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، من جهته، عن سعادته "الغامرة" بمنح هذه الجائزة لجلالة الملك "الذي يستحقها بجدارة".
والأكيد أن علاقات الصداقة العريقة والممتازة القائمة بين المغرب والولاياتالمتحدة اللذين يجمعهما تحالف تاريخي راسخ، يعود إلى 20 دجنبر 1777، حينما أصبح المغرب أول أمة تعترف رسميا باستقلال وسيادة 13 ولاية أمريكية، تشكل قاعدة لشراكة قوية تخدم رؤية مشتركة لمختلف التحديات على المستويين الإقليمي والدولي.