المشهد الأول: كانت تشير بيديها مزهوة وتنثر وريقات الزهور من على متن الهودج المزركش المحمول على الأكتاف، إنها آخر ليلة بين أسرتها وذويها وآخر يوم من أيام عزوبيتها، فالليلة القادمة ستكون ليلة العمر بالنسبة لها وهي الأولى في كنف عريسها؛ كل الترتيبات أصبحت جاهزة بعد أن تلقًت التعليمات الأخيرة من طرف خالتها المحنكة وذا تجربة اْستوعبتها من ليلة مماثلة حينما زُفَت هي الأخرى لزوجها منذ سنين خلت، لم يكن أحد من ذويها وجيرانها يشك في عذريتها وعفتها وهم ينتظرون عودة مرافقيها كما جرت العادة حاملين نتيجة الاختبار في صباح اليوم الموالي وهي عبارة عن قطعة قماش أبيض ملون ببقع دم حمراء، لكن الوفد هذه المرة رجع مبكرا عن موعده ووجوه أعضاءه عابسة على غير العادة، وبسرعة البرق انتشر خبر عدم قدرة العروس على إثبات عذريتها بغياب نقاط دم كانت ستكون عبارة عن صك براءتها، شاع الخبر بين الألسن الغير الرحيمة بين مستغرب ومشكك ومتشف، وهذا عاديا في مثل هذه الوقائع؛ إلا أن الغير المتوقع هو الاختفاء المفاجئ للعروس والذي جعل الشك يقينا والاتهام إدانة، وهكذا انتهت الليلة الموعودة ومعها وئام أسرة بسبب عدم سيلان نقط حمراء تتحكم في مثل هذه الأمور، وانتهى الزواج بقرار من القاضي يقضي ببطلانه بعد إرجاع المهر للعريس الذي استغله في الزواج بأخرى بعد أيام فقط من الزواج الفاشل، وبدون سابق خبر أو إنذار ظهرت العروس فجأة كما اختفت تحمل معها صك براءتها المتمثل في إقرار طبي يثبت خروجها من رحم والدتها بدون غشاء بكارة، لقد عانت الكثير من هول الصدمة، ففرت هاربة من بطش أهلها مستجيرة بإحدى الجمعيات التي ساعدتها على إثبات براءتها بإحالتها على طبيب نفساني وآخر نسائي اكتشف عفتها وبراءتها من ما اتهمت به ظلما وعدوانا من طرف مجتمع متخلف عن الركب.
هذه الحادثة عاينتها بنفسي كناشطة اجتماعية، وقد لمست مدى حسرة ووخز الضمير لدى ذويها حينما أوضحت لهم خطأهم كمندوبة عن الجمعية رفقة ناشط حقوقي.
المشهد الثاني:
حينما قاضيت زوجي بطلب التطليق كما رويته في ذكرياتي ومخافة من بطشه وجبروته اْحتميت بعائلة من معارفي إلى حين النطق بالحكم النهائي، ومن بين أفرادها فتاة جامعية أقل ما يمكن القول عنها أنها مدللة إلى حد الإفراط، وقد روت لي تفاصيل مثيرة من مغامراتها العاطفية مع الشباب الذكور أذكر منها هذه النزوة الطائشة:
تعرفتْ على شاب خليجي يتابع دراسته الجامعية بالمغرب، وتوطدت العلاقة إلى حب متبادل حسب اعتقادها، وبفعل تحررها من مراقبة ذويها، فقد كانت تقضي معه جل أوقات فراغها في السهر والمجون، ورغم حبها الجنوني له فقد كانت تصده عن القيام بفض بكارتها رغم انسياقها معه في الممارسات الجنسية السطحية، وتحت إلحاحها في آخر السنة الجامعية، تقدم لوالدها طالبا يدها للزواج الذي قوبل بالرضا من طرفه خاضعا لرغبة ابنته المدللة، وفي تلك الليلة بالذات وقع المحظور وانطفأت شمعة عفافها بعد أن اعتقدت أنه أصبح بعلا حلالاً لها، لتستيقظ صباح ذات يوم لتكتشف غيابه عن موعد لقائهما اليومي، ولم تجد له أثرا تستدل به عن حيثيات تصرفه المفاجئ سوى تأكدها من عبوره الحدود قاصدا بلده بدون رجعة، انتظرت المسكينة كثيرا وسط تراكم أحزانها لتنغمس بعد ذلك في متاهات إدمان المخدرات الخفيفة منها والصلبة، ووسط هذه الأجواء حبكت بمساعدة صديقة سوء خطة محكمة للانتقام من الجنس الآخر، فزرعت بكارة اصطناعية ووضعت جسدها في المزاد السري لدى سماسرة المتاجرة باللحوم البيضاء وقد كررت العملية لثلاث مرات مقابل مبالغ مالية صرفتها على اقتناء المخدرات حسب اعترافها، "إنتهى كلامها".
ملاحظة = قبل أيام وصلني خبر عنها يفيد تعرضها لتشويه وجهها بمادة حارقة انتقاما من طرف شاب اكتشف خدعتها، ولست أدري رقمه التسلسلي بين المخدوعين مثله.
نستشف من هاذين المشهدين ومثلهما ألوفا مؤلفة، أن سلاح المجتمع ذو حدين متجانسين يجمعهما الإفراط في تطبيق المعتقدات المحافظة منها والمحسوبة على الحداثة والعصرنة، فتصرف الفتاة في الحالة الأولى كان تصرفا سليما ما دامت على علم مسبق لما ينتظرها ممن أخطئوا في حقها وجعلوا منها مذنبة وهي بريئة عفيفة، كان على ولي أمرها عرضها على طبيب مختص للتأكد من وجود الغشاء المقدس قبل موافقته على تزويجها ما دامت نقاط دم تساوي حياة أو موت بالنسبة له وللمجتمع المتخلف ككل، أما بالنسبة للحالة الثانية، فقد كان سببها الرئيسي هو إفراط ذوي الفتاة في إعطاء الحرية المفرطة لتصرف قاصر في ريعان شبابها، فهذه الحرية المفرطة يجب أن تكون مقرونة على الأقل بتوجيهاتهم ونصائحهم لها إن لم أقل مراقبتهم اللصيقة في بعض المراحل من سن مراهقتها، وحتى إن أخطأت فقد وجب على المجتمع الأخذ بعين الاعتبار كون الخطأ ملازم للبشر منذ وجوده على هذه البسيطة، هذا المجتمع الذي يساهم بنسبة كبيرة في تنامي أساطيل العاهرات أللائي اكتسحن شوارع ومراحيض مدننا، مما جعل الصينيين ينتبهون لحالتنا المزرية وهوسنا بالعذرية ليبادروا إلى صناعة الأغشية المطاطية وتصديرها إلينا كمختبر لتجربة إبداعاتهم قبل أن يتأكدوا من خلوها من آثارها الجانبية المحتملة في مثل هذه المنتجات الحديثة العهد باكتشافها أو إبداعها، الخطير في الأمر أن هذا المنتوج تسلل إلينا بعد مكوثه في البلد المنتج فترة تصنيعه فقط، ثم دخل أسواقنا وبطرق غير شرعية مثلما يفعلون مع المواد الاستهلاكية المغشوشة، لقد درسوا وضعيتنا وعاداتنا وتأكدوا أن الإقبال على منتوجهم مضمون وربحهم من العملية وفير، لقد رأى الصينيون أننا نهتم بالقشور والسطحيات أكثر من الجوهر، فأرادوا المساواة بين الفتاة المظلومة الطاهرة المغتصبة، وفتيات الليل والمخطئات بكامل إرادتهن، ففي النهاية ستكون جميعهنّ شريفات عفيفات ليلة الدخلة بأرخص الأسعار، والدليل الأوحد هو قطرات الدم التي وضعوا لها بديلا بسائل أحمر لا يمكن اكتشافه إلا من طرف العريس الحاذق، والخطير المفزع أن خطأ هذا الغشاء لا يعتمد عليه طبياً، فهو لم يخضع للتجارب المتعارف عليها دوليا وقانونيا قبل طرحه في الأسواق، ولا أحد يعرف نوعية السائل الأحمر الذي يطلق مع ممارسة العملية الجنسية، ولم يتأكد عدم إمكانية إصابة المرأة بحساسية أو التهابات على مستوى المهبل.
خلاصة القول، علينا إعادة النظر في كون بقعة دم هي مقياس حقيقي لشرف الفتاة، وليس من المعقول ربطه بأخلاق وعفاف كائن معرض للخطأ كما هو معرض لأحداث غير مقصودة مثل الحالات الولادة بدون أغشية وحالات الاغتصاب الخفية والمستورة في معظمها، علينا تغيير أفكارنا القديمة وتعويضها بأخرى تناسب العصر دون الانجرار وراء الحداثة الغربية الإباحية، ودون انتظار الغير لدراسة نفسيتنا وتشبثنا بأفكار أكل عليها الزمن وشرب، وابتداع الحلول الترقيعية لمعتقداتنا الخاطئة.