عبد اللطيف قسطاني قبل أيام حلت ذكرى معركة أمگلاگال، التي لم يكن أغلب أبناء المنطقة يعرفون عنها شيئا، وأسباب ذلك أكثر من أن تحتويها صفحاتنا هاته، معركة دُحِرَ فيها المستعمر على أعتاب منطقة غريس لِيُمْنَى بهزيمة تعتبر الوحيدة التي مُنِيَ بها فعلا على مر كل سنوات النضال التي ضحى فيها أجدادنا بالغالي والنفيس دفاعا عن حوزة الوطن.
الذكرى هذه السنة لم تمر كسابقاتها دون إحياء، ليعرف يوم 30 غشت 2011 أول إحياء لهذه الذكرى البطولية التي استأسد فيها الغريسيون على الفرنسيين، ليلقنوهم درسا لا ينسى، وشاءت الأقدار أن يحضر كاتب هذه الكلمات مراسيم إحياء هذه الذكرى، ويوثقها بمقال عرف طريقه إلى النشر على صفحات مجموعة من المواقع الإلكترونية المغربية.. وكان طبيعيا أن يعقب المقال نقاش وأخذ ورد، لطبيعة الذكرى أولا ثم لطبيعة منطقة غريس التي لا تخفى على أحد، ولسنا بصدد مناقشتها الآن.
والشهادة لله ثم للتاريخ أننا بكتابة المقال لم نكن نقصد الرفع من قدر أحد ولا الحط من قدر أحد، بل الحقيقة أنَّ دافعنا لكتابة المقال كان بالأساس مهنيا حاولنا من خلاله نقل وقائع الحفل الذي نظم لإحياء الذكرى، ولم تكن تهمنا تفاصيل المعركة بقدر ما كان يهمنا التعريف بأمجاد منطقة غريس التي لم ينصفها التاريخ ولا الجغرافيا، فصار انتصار 30 غشت 1929 بالنسبة لنا انتصارا لكل المنطقة، وصارت بالنسبة لنا، تفاصيل المعركة، ومجاهدوها والمتخلفون عنها من التاريخ المنسي الذي لا يهمنا بقدر ما يهمنا النصر في حد ذاته.
لكن النقاش في الحقيقة شدنا إليه، لانقسام الغريسيين إلى فريقين يحاول كل منهما نسب النصر إلى أجداده، مرفقا ذلك بكيل الاتهامات للفريق الآخر بالعمالة للفرنسيين وبخيانة الوطن، وبقدر ما تأثرنا بالشرخ الكبير الذي يمزق لحمة أبناء منطقة غريس، بقدر ما تألمنا لتاريخ المنطقة المسلوب الضائع بين نزاعات أبنائها، وبين تنكر التاريخ الرسمي لها.
لا أحد ينكر أن المنطقة كانت مصنفة، حتى قبل عهد الاستعمار، ضمن مناطق السيبة، ولا أحد ينسى أنها أيضا كانت في غالب الأوقات خارجة عن سلطة الحكم المركزي، والحقيقة أنني لست مؤرخا ولا محللا ولا أملك من العلم والمعرفة ما يؤهلني لإعطاء تفاصيل أكثر للموضوع، لكن الدافع إلى كتابة هاته الكلمات هي الحسرة على حاضر المنطقة المتضرر من تاريخها الذي لا يد لأبناء الحاضر فيه.
فهل من العدل أن يتحمل الأبناء وزر الأجداد؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل من العدل أن يحرموا من حسنات وأفضال أجدادهم؟
هذا هو واقع الحال الآن بمنطقة غريس التي تعاني التهميش والإهمال منذ عقود، والتاريخ الرسمي لا يذكر لها أي فضل ولا حتى ذكرى، وإن حدث وذُكِرَ لها شيء تجده مليئا بالمغالطات بعيدا عن الحقيقة والواقع.
لابد أن التطلع إلى المستقبل لن يكون بعيدا عن استشراف حقيقي ونزيه للتاريخ، فهل يحق للغريسيين التطلع إلى مستقبلهم دون تصحيح تاريخهم الذي تشوبه الشوائب؟ أم أن المستقبل يحمل في طياته مبشرات بتصحيح أخطاء الماضي للمضي قدما نحو الأمام؟ ثم هل إذا تحقق هذا ستلتئم لحمة الغريسيين ليضعوا أيديهم في أيدي بعض؟ أم أن تشتتهم ممتد للمستقبل ليترك أبواب الخلاف مشرعة فاتحة المجال أمام غيرنا للمضي إلى الأمام بعد أن كان لا يرى إلا ظهورنا؟؟؟