لم تجد حكومة بنكيران ما تزجي به الوقت المتبقي من ولايتها سوى اللجوء إلى اختلاق معارك وهمية هامشية لإلهاء المواطنين وإبعادهم عن محاسبتها بخصوص حصيلة السنوات التي أمضاها وزراؤها فوق كراسي السلطة الوثيرة.. ومن بين الخدع التي اهتدى إليها وزراء بنكيران في عزّ حملتهم الانتخابية السابقة لاوانها، مهاجمة الصحافيين ووصفهم بنعوت يندى لها الجبين، كما فعل ويفعل رئيس جهة درعة تافيلالت، بطل مسلسل "الكوبل الحكومي" وفيلم "سيارات الدفع الرباعي" و وصاحب "المشروع التنموي المندمج في ال200 هكتار السلالية"، وها هي بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، تسير على هديه من خلال رفع دعوى قضائية ضد مدير نشر جريدة الاحداث المغربية على خلفية كشف اليومية لنتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة.
الغريب في أمر هذه "التهمة"، التي تفتقت عنها عبقرية "رابعة العدوية"، هو ان وزارة الأسرة والتضامن سكتت عن القضية رغم ان الدعوى رُفعت منذ ابريل المنصرم، وانتظرت إلى ان انكشف الامر بعد توصل الزميل المختار لغزيوي باستدعاء للمثول أمام الشرطة القضائية بولاية الأمن بالدار البيضاء، لتقوم مصلحة التواصل بوزارة "رابعة العدوية" باصدار بلاغ غريب وعجيب يمكن ان تسري عليه مقولة "العذر اقبح من الزلة"..
البلاغ يقول، في تناقض صارخ، بان القصد من الدعوى ليس "محاسبة صحافي قام بواجبه تجاه الرأي العام" وهو يعترف بان ماقام به الزملاء في الاحداث المغربية واجب يدخل في إطار "مهنة الصحافي في إطلاع الرأي العام على الأخبار والمعطيات التي تصله، وفي نفس الوقت يدعي أصحاب البلاغ "أن طلبنا فتح تحقيق هو بقصد محاسبة من قام بتسريب معطيات رسمية عبر قنواته الخاصة، ومن تم أخلّ بواجبه المهني تجاه مؤسسات يشتغل معها" كذا !
والملاحظ في بلاغ مصالح "رابعة العدوية"، هو التذبذب ما بين الحق في الوصول إلى المعلومة، كمبدأ من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي نص عليها دستور المملكة في فصله 27، والرغبة في كبح هذا الحق ومصادرته بطريقة مكشوفة ولو ان اصحاب البلاغ حاولوا الالتفاف عليه من خلال الادعاء ان غرضهم هو الموظف الذي سرب المعلومة وكأني بهم يريدون من الزملاء في جريدة الاحداث المغربية الكشف عن هويته (التبركيك)، وهو ما يدل عن جهل فاضح بمهنة الصحافة وبأحدى المبادئ المؤطرة لها والمتمثلة في "حماية سرية المصادر" كضمانة لا يمكن ان تتحقق حرية الصحافة بدونها..
الحقاوي فاتها ان ما نشره الزملاء في الاحداث المغربية، وبالنظر إلى مضامينه، لا يدخل في إطار المعلومة التي قد تمس ب"أمن الدولة الداخلي والخارجي، أو الحياة الخاصة للأفراد"، وليس بها مس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في دستور المملكة المغربية، وليست بالتالي ضمن المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة والتي تستوجب الحماية..
وهنا يمكن الرجوع إلى الفصل 27 من الدستور المغربي، الذي ينص على أن للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. كما أضاف أنه، لا يمكن تقييد الحق في المعلومات إلا بمقتضى القانون بهدف حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، الحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.
كما يمكن الإستئناس حاليا بمشروع القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، والاستثناءات المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي التي جاءت فيه، وقد أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في رأيه الاخير، بإعادة صياغة الاستثناءات المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي، مع العودة إلى الفصلين 192 و193 من القانون الجنائي قصد ملاءمتهما مع المعلومات التي يعتبر الكشف عنها فعلا جرما جنائيا، ومع التقييدات المرتبطة بها.
يشار إلى ان الوزيرة الحقاوي تتهم الاحداث المغربية ، ب"تسريب نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة"، وهي التهمة التي سخر منها الزميل الغزيوي ووصفها ب"الغريبة"، حيث قال في تصريح صحفي إن "هذه الحكومة التي وصلت نهاية ولايتها الحكومية تجد نفسها اليوم أمام مأزق الحصيلة التي يجب زن تقدمها للمغاربة، وهي حصيلة الكل متفق على أنها متواضعة للغاية لئلا نستعمل كلمة متسائمة أخرى و لذلك لابد من شغل الرأي العام بقضايا جانبية وإن بافتعالها، ولا بد من تحويل الأنظار وطبعا ليس هناك حائط أقصر من الصحافة في هذا البلد من أجل القفز عليه ومن أجل الهش به على الغنم الانتخابي، ومن أجل المآرب الأخرى."