محمد حمزة الهيلالي* بعد الاستفتاء الدستوري الذي عرفه المغرب و الذي حضي بنجاح كبير حسب الأرقام و النسب، حظي موضوع الانتخابات هذه الأيام برقعة هامة في النقشات الفايسبوكية باعتباره اختبارا لمضامين الدستور الجديد، حيت ارتأت مجموعات كثيرة طرح هذا السؤال، الذي قد يلقى إجابة مسبقة لدى أي شاب، مفادها "لا يمكنني المشاركة في الانتخابات"، ومع الحملة الإعلامية التي تصب كلها في محاولة إقناع الشاب بضرورة مشاركته في الشأن السياسي والإدلاء بصوته كأي مواطن أخر، فإنه وبنسبة كبيرة لم يلق هذا النداء أي أذان صاغية بل استقبل بالتجاهل والسخرية، ومع هذا الفتور الحاصل بين الشباب والعمل السياسي أصبحت تطرح عدة أسئلة قد نجد لها أجوبة لكن بعد فوات الأوان. يجمع معظم الشباب ومن خلال المجموعات الفايسبوكية وكذا عدة منتديات أن الشاب المغربي أصبح لا يثق بنسبة كبيرة في اللعبة السياسية، والتي لا تخلوا من تجاوزات وخروقات وفساد، حتى أصبح دور الشباب منحصرا في المراقبة دون أن يشارك بطريقة فعلية ومباشرة في العمل السياسي، اللهم إن لم نستثن بعض الاسترزاقين الذين يتخذون من الحملات الانتخابية مهنة موسمية من أجل مراكمة أجور مهمة تكفيهم لسد حاجياتهم لفترة معينة. ويأتي عزوف الشباب عن الانتخابات، نظرا لهيمنة النخب المسنة على مجريات العمل السياسي، حيث نجد نسبة الشباب المرشحين في الانتخابات الجماعية جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة، وهذا راجع بالأساس إلى هيمنة نخب "مسنّة" على قيادات معظم الأحزاب، وعدم إقبال عدد من هذه الأحزاب على ترشيح الشباب ذوي الكفاءات والخبرات في الانتخابات المحلية واكتفائها بفئة المسنين خصوصا ذوي الجاه والنفوذ، والذين يقتسمون الأمية كقاسم مشترك، فالسواد الأعظم من مرشحي بعض الأحزاب أمي ولا يعرف حتى كتابة اسمه، فماذا يمكن انتظاره من رجل مسن بهذه المقومات، والطامة الكبرى أنه لا يعرف حتى نطق اسم الحزب الذي ترشح باسمه فما بالك بالمبادئ التي تأسس عليها الحزب. أمام هذه المعطيات والتي تتكرر موسميا، اقتنع الشاب المغربي بعدم الثقة في أي مكون سياسي كيفما كان توجهه أو مبادئه لا سيما بعد الإخفاقات المتراكمة للبرامج السياسية والتي لم تغير أي شيء ملموس بالمملكة أو الحاضرة المسؤولة عنها بل زادت من تأزمها. وقد عرفت هذه الفئة الاجتماعية انتكاسات كبيرة راجعة إلى اختلاط الأوراق أمامها، وانتشار البطالة في صفوف المتعلمة منها، مما دفع بالعديد من الشباب إلى البحث عن ملاذ لم يكن سوى العزوف عن كل شيء، عن التعلم عن الرياضة وعن السياسية وهذا تعبير صريح من هذه الفئة عن موقفها وليس إهمال كما يشاء البعض تسميته. إن من بين الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى العزوف عن الانتخابات أن الأحزاب السياسية لا تؤدي الوظيفة المنوطة بها من طرف الدستور والقانون المنظم للأحزاب، في تأطير الفئات الشابة وتربيتهم على الثقافة السياسية وقيم المواطنة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الأحزاب لا تسجل تواجدها من خلال برامجها التي تعبر عن مخططاتها المستقبلية من اجل التنمية و إنما تسجل تواجدها من خلال منتخبيها باعتبارهم جوكر الحزب، وبالتالي يولد فقدان الثقة فيها، من هنا يرى العديد من الشباب أنه لا جدوى للانخراط في الأحزاب و اقتحام أدغال السياسة وأهوالها، بالإضافة إلى أن ذلك راجع إلى تراكمات كثيرة، على جميع المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والثقافية تتحمل فيها الأحزاب النصيب الأكبر بعد تدخلها في عملية تسييس الانتخابات، إضافة أيضا إلى مسؤولية الهيئات السياسية والتي أصبحت عاجزة عن صياغة برامج أكثر عمقا لتحسيس الشباب بأهمية العمل السياسي. وأما هذا النفور والفتور العميق بين الشباب والسياسة أصبح العمل الجمعوي كمتنفس لهؤلاء باعتبار أن هذه الأخير يقترب من قضاياهم و مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية بصورة ملموسة، مما يساعدهم على التأثير في واقعهم، بل وتخصص حيزا لفئة الشباب لتكوين قيادات تشاركية دون إقصاء، وفضلا عن هذا فإنها ملمة بمجموعة من القضايا التي تشغل بال الشاب في هذا العصر كالتشغيل والبطالة والتعليم والصحة، بل هي أكثر فهما لخصوصية الشباب ومتطلباته، انخراط هذه الفئة في الجمعيات و العمل داخل هيئات المجتمع المدني يعطي لها حق المشاركة في تدبير الشأن العام وإن بشكل غير مباشر، من خلال المساهمة في تطوير المجتمع، ودعم التنمية، والمساهمة في محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية، في ظل المسافة المارطونية التي تفصل الشاب عن البرامج السياسية، في انتظار معالجة الفعل السياسي والديمقراطي وإعطاء الأولوية للشباب كفاعلين رئيسين في اللعبة السياسية وكقوة سياسية متغيرة ستقول كلمتها في المستقبل. إن معالجة الرهانات والتحديات المطروحة على المغرب لن تأتي إلا بفعل سياسي قوي وديمقراطي يكون الشباب من خلاله فاعلا رئيسيا، حقيقيا ومباشرا مما يحتم على كل الفاعلين رسم سياسات وخطط متوسطة وطويلة الأجل تكون محصلتها وضع الشباب في سياقهم المجتمعي الصحيح كقوة متغيرة رئيسية ومبادرة. *طالب وباحت جامعي بمدينة مكناس