علي مسعاد في خطبته الأخيرة، ليومه الجمعة الماضية، تحدث الخطيب بإسهاب عن دور صلة الرحم و ضرورة الحفاظ عليها بين الأهل و أفراد العائلة و الجيران و عدم قطع أواصر اللقاء و التواصل، مستشهدا في ذلك بالآيات والأحاديث النبوية، التي تحث الفرد منا على عدم التفكير في الانعزال و الوحدة ، لسبب من الأسباب ذاتية كانت أم موضوعية. لكن ما أثارني، في خطبته، هي قصة ذلك الشاب المعاق الذي طرد أمه شر طردة من المنزل ، بدعوى أنها، كثيرة الملاحظات والأسئلة و القيل والقال، ما جلب عليه غضب زوجته، التي دفعت به، إلى طرد الأم، بعيدا عن العائلة، لحظتها، أجهش الخطيب في البكاء ومعه كل المصلين، بسبب " القطيعة " التي أصبح يعيشها جيل اليوم، الذي بالرغم من كل أشكال التواصل الحديثة، التي اخترعت من أجله و من أجل تحقيق رفاهيته، من " هاتف نقال " و " إيميسين " و " فايس بوك "، بقدر ما ساهمت في عزلته و تقوقعه على ذاته ، بعيدا عن الآخرين ، كأنهم هم " الجحيم " على حد قول الفيلسوف الفرنسي سارتر. ف" القطيعة " التي تميز جيل اليوم، في عصر قيل عنه وبشأنه، أنه عصر التواصل وبامتياز، لشيء يدعو إلى طرح العديد من علامات الاستفهام؟ا هل حقا الآخرون هم الجحيم؟ا ولماذا نعيش في عزلة ذاتية و يوجد لدينا كل أشكال التواصل المعاصرة؟ا وهل الهاتف النقال و الإيميسين وكل أشكال التواصل عن بعيد، قد تكون بديلا حقيقيا عن صلة الرحم بشكل حميمي مباشر؟ا وهل الكآبة و القلق و الحزن الداخلي وكل الأمراض النفسية المنتشرة بين جيل اليوم، سببها الهرولة خلف آخر الصيحات التكنولوجية أم العزلة التي نعيشها بعيدا عن دفء العائلة والعلاقات الإنسانية؟ا أم هما معا؟ا خطيب الجمعة عن أجهش بالبكاء و أفرد خطبته عن دور صلة الرحم في جلب الزرق ، الهم الذي يؤرق جيل " الفايس بوك "، ما كان له ليفعل، لولا جسامة الموضوع و أهميته في تحقيق إنسانية الإنسان التي ذابت بين تلافيف المظاهر الكاذبة و حياة البذخ المصطنعة. لأن جولة قصيرة، في شوارع و أحياء كازابلانكا الراقية منها والفقيرة، تكفي لتقف عند حقيقة اللا تواصل التي يعيشها الفرد منا، في القرن 21. في الحافلة، في الحدائق العمومية، في الإقامة السكنية نفسها، في كل المجالات والفضاءات المفتوحة منها والمغلقة، ستجد أننا أصبحنا نعيش زمن القطيعة وبامتياز و أننا أصبحنا نسخة رديئة من المجتمعات الغربية، التي لا تعرف للروح الإسلامية طريقا، حيث يدعو القرآن الكريم و الأحاديث القدسية، الواحد منا على عدم الوحدة والعزلة و الإنفراد بعيدا عن الجماعة ، حتى في ركن من أهم أركان الدين الإسلامي: الصلاة ، فما بالك بالحياة اليومية و العملية و الأسرية. فهل ستجد دعوة الخطيب، طريقها إلى الممارسة اليومية التلقائية، أم أنها ستعرف المصير عينه، للعديد من القضايا التي تحدث عنها بإسهاب، لكنها لم تزدد إلا استفحالا كالرشوة، الغش في الميزان، الفساد الأخلاقي، هدر المال العام، انتشار المخدرات، عقوق الوالدين، تربية الأبناء، الصلاة خلال شهر رمضان و الانقطاع عنها في بقية الشهور، وغيرها من المواضيع الأكثر ارتباطا بالمجتمع المغربي، التي بقدر ما تكررت بحجم ما تجذرت، بين صفوف جيل اليوم والأمس.