بدأ البريطانيون التصويت، اليوم الخميس، على عضوية بلادهم في استفتاء يراقبه بتوتر السياسيون وأسواق المال في أنحاء العالم بعد حملة مريرة قسمت بريطانيا إلى معسكرين. وأظهرت استطلاعات رأي أجريت قبيل التصويت صعوبة التنبؤ بنتيجة الاستفتاء.
ودعا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الاستفتاء تحت ضغط من حزبه "المحافظين" الحاكم وحزب مناهض للاتحاد الأوروبي تتزايد قوته على أمل إنهاء عقود من النقاش بشان مكان بريطانيا في أوروبا وروابطها مع بروكسل.
وأظهرت معظم استطلاعات الرأي منافسة حامية بين معسكر "البقاء" في الاتحاد الأوروبي ومعسكر "الخروج" في نهاية حملة هيمنت عليها الهجرة والاقتصاد وهزتها جريمة قتل نائبة بمجلس العموم مؤيدة للاتحاد الأوروبي، رغم أن استطلاعين أشارا في وقت متأخر أمس الأربعاء إلى تقدم معسكر "البقاء".
ويقول معسكر "الخروج" إن اقتصاد بريطانيا سيستفيد من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ويقول كاميرون إنه سيحدث فوضى مالية.
ويعكس استعداد المتعاملين والمستثمرين والشركات لتقلبات في الأسواق المالية أيا كانت نتيجة الاستفتاء مزاجا يتجه نحو رفض المؤسسات لوحظ كذلك في الولاياتالمتحدة وفي أماكن أخرى من أوروبا.
وقال مسؤولون حكوميون مطلعون إنه من المقرر أن يصدر كبار المسؤولين الماليين في دول مجموعة السبع بيانا يؤكد استعدادهم لاتخاذ كل الخطوات اللازمة لتهدئة الأسواق إذا صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد.
وقال موريتز كرايمر مسؤول التصنيفات السيادية بمؤسسة ستاندرد اند بورز لصحيفة بيلد الألمانية إن المؤسسة قد تخفض سريعا التصنيف الائتماني الممتاز لبريطانيا إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي.
وسيتوقف الكثير على حجم الإقبال على التصويت، وبينما يبدو البريطانيون الأصغر سنا أكثر تأييدا للاتحاد الأوروبي من أولئك الأكبر سنا فمن المرجح أن يكونوا أقل إقبالا على التصويت.
وطالب كاميرون أنصار معسكر "البقاء" أمس الأربعاء "اخرجوا وادلوا بأصواتكم من أجل بريطانيا أكبر وأفضل داخل اتحاد أوروبي معدل."
وقال منافسه الرئيسي رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون الذي يقود معسكر "الخروج" للناخبين إن هذه هي "الفرصة الأخيرة لحسم الأمر."
وقفز الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى له هذا العام أمام الدولار الأمريكي في أواخر التعاملات أمس بعد أن أشار استطلاع للرأي إلى تقدم واضح لمعسكر "البقاء" ومع احتساب الأسواق فرصة نسبتها 80 في المائة لعدم خروج بريطانيا من الاتحاد.
وفتحت مراكز الاقتراع في 382 منطقة محلية أبوابها الساعة 0600 بتوقيت جرينتش وستغلق الساعة 2100 ومن المتوقع إعلان معظم النتائج بين الساعة 0100 والساعة 0300 من صباح يوم الجمعة.
وحاول أنصار المعسكرين أمس استمالة حوالي عشرة في المائة من الناخبين المسجلين البالغ عددهم 46.5 مليون تظهر استطلاعات الرأي أنهم لم يحسموا موقفهم.
ورسمت استطلاعات الرأي صورة لبلد منقسم بشكل حاد مع اختلافات كبيرة بين الناخبين الأكبر سنا والناخبين الشبان وبين لندن واسكتلندا المؤيدتين للاتحاد الأوروبي ووسط انجلترا الذي ينظر بشكوك إلى أوروبا.
وانعكس هذا الانقسام في عناوين الصفحات الأولى بالصحف البريطانية. وخرجت صحيفة صن أوسع الصحف البريطانية انتشارا بعنوان "يوم الاستقلال" في حين خرجت ميرور اليومية بعنوان تحذيري "لا تقفز إلى الظلام."
وحاز الاستفتاء اهتمام صحف خارج بريطانيا. ففي الصين حذرت مطبوعة جلوبال تايمز التي تنشرها صحيفة الشعب اليومية الرسمية من أن بريطانيا ستفقد نفوذها عالميا إذا صوت الناخبون لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وأيا كانت نتيجة الاستفتاء فإن التركيز على الهجرة إلى بريطانيا والتي زادت بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية ربما يفاقم الانقسامات في بلد تتسع فيه أيضا الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وإذا اختارت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن الزعيمة الاسكتلندية نيكولا ستورجين أشارت إلى أن اسكتلندا قد تدعو إلى استفتاء على الخروج من المملكة المتحدة.
وحتى إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح البقاء فإن كاميرون قد يجد صعوبة في رأب الخلافات داخل حزبه والبقاء في منصبه.
ودعا زعماء أجانب - من بينهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينغ - بريطانيا إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي وهي رسالة أيدتها منظمات مالية عالمية وكثيرون من رؤساء الشركات ومحافظو البنوك المركزية.
وحذرت بنوك دولية من أن قيمة الإسترليني قد تهبط بشكل حاد إذا صوتت بريطانيا لصالح الخروج فيما يتوقع متعاملون أن تشهد الأسواق أسوأ تقلبات منذ الأزمة المالية في 2008-2009 .
وقال معسكر "الخروج" إن هبوط الإسترليني سيعزز الصادرات البريطانية ووجد تأييدا بين بعض المتخصصين الماليين والمشاريع الصغيرة. وحث هذا المعسكر الناخبين على تجاهل ما يسميه "المؤسسة" التي قال إنها ستكون أكبر الخاسرين من خروج بريطانيا من الاتحاد.
ويجاهد الاتحاد الأوروبي لمعالجة أزمة للهجرة وأزمة اقتصادية وفي حالة الموافقة على خروج بريطانيا من الاتحاد فان ذلك سيعزز المعارضة له داخل دول أعضاء أخرى.
وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي في لشبونة يوم الاثنين مخاطبا الناخبين البريطانيين "ابقوا معنا."
وأضاف قائلا "بدونكم.. ليس فقط أوروبا بل المجتمع الغربي كله سيصبح أضعف. معا سيكون بمقدورنا التغلب على تحديات المستقبل التي تزداد صعوبة."