من يقرأ اللهجة التي كتبت بها جماعة العدل والإحسان افتتاحية موقعها الإلكتروني، وهو الموقف الرسمي للجماعة، يفهم دون سابق عناء ودون استعمال أدوات التأويل أن جماعة العدل قررت الركوب على وفاة الشاب كمال عماري بآسفي، الذي ما زالت قضية وفاته موضوع بحث طبي وقانوني وحقوقي، لتعلن بدء القومة الإسلامية، مؤلبة الشعب ضد الدولة لأنها تعتبرها نمر من ورق يصول ويجول فقط لأن القوى الفاعلة في المجتمع تركت لها الفرصة. وأوضحت الافتتاحية أن الدولة بما هي "شردمة من الطغاة" ما كان لها أن تستأسد وتتجبر لولا تفريط الأمة في مواجهتها والثورة عليها، وهي دعوة من الصراحة بمكان للثورة ولأول مرة تستعمل جماعة العدل والإحسان هذا المصطلح الذي تفضل عليه القومة الإسلامية، وذلك استمالة لتعاطف النهج الديمقراطي خصوصا وقوى اليسار عموما الذي يشترك معها اليوم، ولو بالتبعية، في الخروج في المسيرات والوقفات التي تنظمها حركة 20 فبراير. العدل والإحسان أفصحت عن رغبتها في الثورة أو القومة وما تنتظر إلا إعداد العدة لذلك بل هي ترى ذلك ممكنا غير أن الخلل يكمن فيمن يمثل الشعب، وفي الوقت الذي تعتبر الدولة نمرا من ورق فإنها توحي للناس أن الأمر سهل ويمكن بسرعة الانقضاض على النظام. ولنتمعن دقيقا في العبارة التالية من افتتاحية موقع العدل والإحسان "إن اللحظة والواجب الوطني والتاريخي يدعوان القوى الحية الوطنية والشريفة إلى تحمل مسؤولياتها في حماية شعبها من هذا البطش المخزني الأعمى"، إنها دعوة للحرب الأهلية أو حرب الشوارع ومواجهة القوة العمومية المكلفة بحفظ النظام العام، فما معنى حماية الشعب؟ وممن تحميه؟ إن جماعة العدل والإحسان تقصد بحماية الشعب حماية الخارجين عن القانون والشرائع المرعية ودفاعا عن الفوضى التي تسعى إليها، فالشعب الذي تريد هي حمايته لم يطلب في يوم من الأيام تمثيلها له وهي الرافضة للديمقراطية التي لا محالة سوف تفضحها وسوف تفضح قوتها المتوهمة. وتقول الافتتاحية "إن هذا الزلزال الذي أججه بإذن الله تعالى الربيع العربي لن يتوقف بعون الله حتى يأتي على آخر بنيان للظلم والاستبداد ويصنع بحول الله فجرا جديدا لهذه الأمة يعلو فيه صوت الحرية والعدل والكرامة" ، لا يمكن التمييز بين هذه الفقرة وكتابات عبد السلام ياسين الداعية إلى التغيير الجذري عبر القومة الإسلامية. ولم تكل جماعة العدل والإحسان من التذكير بما حدث في تونس ومصر مشيرة إلى أن الاستثناء المغربي مجرد أكذوبة بما يعني أن مصير الدولتين المذكورتين ينبغي أن يكون هو مصير المغرب. لكن ما تسميه العدل والإحسان نمور من الورق هو في الأصل قوة واجهت تحديات كثيرة منها بناء الدولة ومواجهة النزوعات العسكرية للحكم.