تيسر لي أن أحضر يوما دراسيا نظمته كلية الحقوق بمدينة وجدة، حول الجريمة بالمغرب. ومن بين المداخلات لفتت انتباهي مداخلة للسيد عميد الكلية حول جرائم النساء بالمغرب. تحدث الأستاذ المحترم عن نوعية الجرائم التي يرتكبها "الجنس اللطيف" وعن مدى فظاعة بعضها، وذكر إحصائيات وأرقاما كبيرة عن نسبة السجينات من النساء في السجون المغربية، منها أنه من أصل 18 محكوما بالإعدام بالمملكة هناك 8 نساء.. لكن ما أغفله القانوني المحترم وما يغفله القانون برمته، جريمة من نوع خاص، جريمة تمر عادة دون عقاب رغم خطورتها وتفشيها في مجتمعنا.. هي كما يبدو "الجريمة الكاملة" التي يصعب إثباتها والتي ترتكبها غالبا نسوة "نواعم".. إنها جريمة "التسميم" أو ما يعرف بالمغرب بعملية "التوكال".. هذا الجرم الشنيع الذي لا تتورع العديد من بنات حواء عن اقترافه في حق الرجل بغضا وانتقاما حينا.. وحبا وشغفا وغيرة أحيانا.. ضحك السادة الأساتذة، وكان الأجدر أن يرتعبوا، حين أخبرتهم أني تعلمت كيف أقتل رجلا في أقل من شهر وعمري لم يتجاوز العشر سنوات.. كيف ذلك؟ يكفي أن أضع له في فنجان القهوة كل صباح مادة "الزرنيخ" الخضراء السامة التي تتكون على النحاس، فيسري مفعولها في أوصاله شيئا فشيئا، فلا يمضي الشهر حتى أصير أرملة.. طبعا مع شرط أن يكون الرجل في هذه الحالة ثريا حتى أرث ثمنا أو ثلثا يستحق عناء ما اقترفت.. معلمتي حينها كانت "أجاثا كريستي" التي كنت أقرأ رواياتها بنهم طفل جائع.. سيدي الرجل.. ومن موقع الخائنة لبنات جنسها.. أقول لك: والله فعلا عليك توخي الحذر.. فلا تستعدي أنثاك عليك.. فقد تدس لك السم في العسل في لحظة وصال.. مهما جمح خيالك سيدي الرجل، ما كان لك أن تتخيل تنوع وصفات "التوكال" ومحتوياتها السامة والتي تباع في كل محلات العطارة على مرأى ومسمع من السلطات التي لا تحرك ساكنا. قسم الدكتور شارنو، وهو طبيب شرعي في دراسة له عن التوكال خلال الفترة الاستعمارية، المواد المستعملة في المغرب، في وصفات التسميم الشعبية "التوكال" إلى ثلاثة أنواع : سموم من أصل نباتي. سموم من أصل حيواني، سموم من أصل معدني، ويندرج ضمن النوع الأول بيض بعض الزواحف وبعض الحشرات وأيضا رأس الغراب المحروقة وغيرها، وبالنسبة للصنف الثاني، ذو الأصل النباتي، يتضمن الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية كتفاح الجن (بيض الغول) الشديد الخطورة على صحة الإنسان، (وشدق الجمل) الشديد التسميم، بحيث يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان.. أما النوع الثالث من أنواع السموم ذات الأصل المعدني، فأشهرها الرهج (وهو حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص). وتباع هذه العناصر السامة لدى العطارين كأي مستحضرات عادية أخرى، رغم خطورتها الشديدة على صحة الإنسان، وتستعمل أغلبها مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة كالكسكس والحريرة (التي تخلط المادة السامة مع عناصرها "الثقيلة") وأيضا بعض المشروبات كالقهوة "كحلا".. وأرى أن الدكتور"شارنو" قد كان "رفيقا" بك أيها الرجل "المسكين"، ولم يشأ إرعابك، حين أحجم عن ذكر نوع رابع من الوصفات تقشر لذكره الأبدان.. إنها وصفات تتكون من أجزاء من جسم الإنسان كالأظافر ودم حيض المرأة الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا.. ولأن الموت في اعتقاد المغاربة يعدي، فان كل ما يلمس جسد الميت، وكل ما يوجد في المقبرة ينتج بالضرورة الموت، ولذلك نجد من بين المواد المستعملة في وصفات التوكال أيضا: التراب المجلوب من سبع مقابر مختلفة، وأضلع الموتى وعظامهم وأظافرهم، وماء غسل الميت وما إلى ذلك... حسبك.. أم أزيدك..؟؟ إذن يا رجلا لوع بالهوى أنثاه، عليك أن تكون ممتنا وتقبل جبين امرأتك الوضاء، إن أنت وجدت تميمة تحت وسادتك أو بعضا من "فاسوخ" في كعب حذائك.. أو حتى فاجأتها متلبسة بجرم حرق خرقة بها بعض من بضعك.. فالأسوأ لم يحصل بعد.. وأنت عزيزتي المرأة كوني عاقلة وأحبي رجلك بمنتهى الحضارة.. ولامسيه كما تلامس القيثارة.. لكن إن خانك وفضل الحقارة.. سمميه بمنتهى الحضارة.. بوصفة الرائعة "أجاثا كريستي".. فلا تلمعي كل أوانيك النحاسية..