يعرف كل المتتبعين للشأن العام، أنه خلال الشهور الأخيرة وجهت للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تُهم عديدة، من طرف الحكومة، مستندة على حجج قانونية، و ربما باستهداف سياسي كذلك، لكن في نفس الوقت وجهت الصحافة، على مختلف إتجاهاتها، انتقادات لهذه الجمعية، تتمحور كلها حول ولائها المطلق "للنهج الديمقراطي"، و اتخاذ موقف متحيز في قضية الصحراء، لصالح الطرح الجزائري، و استقبال تمويلات ضخمة، من طرف جهات، أغلبها معاد للمغرب. بالنسبة للتهمة الأولى، فإن الذين يتنقدون الجمعية، يستندون على الإنتماء السياسي للغالبية العظمى لقيادييها، و الذين هم أعضاء في منظمة "النهج الديمقراطي"، النسخة الجديدة لمنظمة "إلى الأمام"، الماركسية اللينينية، والتي تنادي بالثورة الشعبية ضد النظام، من أجل بناء المجتمع الشيوعي.
و قد أدى الولاء لهذا الخط السياسي و الإيديولوجي، إلى انسحاب العديد من أطر ومناضلي حزب الطليعة، خاصة بعد أن هيمن أعضاء النهج على الجمعية، وفرضوا موقفهم المساند للجزائر في قضية الصحراء. بل أكثر من ذلك، فإن الجمعية تواطأت بشكل واضح مع الإنفصاليين، المجرمين، الذين ذبحوا أفراد القوات المساعدة في أحداث "اكديم إيزيك"، و نكلوا بالجثت.
كما دافعت عن منح قوات المينورسو، صلاحيات مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، مطابقة في ذلك موقفها مع موقف الجزائر و البوليزلريو، و مخلة بهذا بأحد أهم مبادئ حقوق الإنسان، و هو عدم التعامل بالإستثناء لصالح جهة دون أخرى، حيث أن القضاء و العدالة هي ضامن الحريات، إلا إذا كانت الجمعية تعتبر المغرب "محتلا أجنبيا" في الصحراء، و هذا موقف سياسي و ليس حقوقي، و يفترض أن اي مواطن رغب في الإنتماء لهذه الجمعية، فعليه أن يتبنى وجهة نظر الجزائر في ملف الصحراء، و هذا أيضا سلوك غير ديمقراطي من طرف هذه الهيأة.
و يعرف الرأي العام أن الجمعية تتخذ موقفا أيضا من مسألة حقوق الإنسان، في قضية الصحراء، أقل ما يقال عنه، انه يكيل بمكيالين، حيث تدين بشكل منهجي، كل ما تعتبره انتهاكا لهذه الحقوق، من طرف السلطات المغربية، بينما لم يصدر عنها أي موقف تجاه الإنتهاكات التي تمارسها قوات البوليزاريو، ضد الصحراويين، كما أنها لم تفتح أي تحقيق حول الشهادات التي أدلى بها عائدون من تندوف، حول ما تعرضوا له من اختطاف و تعذيب.
و في نفس الإتجاه سكتت الجمعية، عن استمرار الجزائر في احتجاز الجنود المغاربة، الذين أسروا في الحرب، في تناقض واضح مع القانون الإنساني الدولي، الذي ينص على أن أول إجراء يتم بعد وقف إطلاق النار، أي سنة 1991، هو تبادل الأسرى، الأمر الذي لم يتم، و الذي كان من الواجب على الجمعية، أن تقف ضده من منطلقات إنسانية و حقوقية، لكنها لم تفعل، وفاءا لخطها السياسي، الوفي "للنهج الديمقراطي"، الذي يعادي المغرب و يعتبر الجنود المغاربة "غزاة" يستحقون كل ما تعرضوا له.
المنطقي هو أن الجمعية كان عليها أن تتخذ موقفا حقوقيا، و ليس موقفا سياسيا، في قضية الجنود المغاربة الأسرى، أو في بشاعة ذبح أفراد القوات المساعدة في العيون، أو في إحراق و تدمير ممتلكات المواطنين و المنشآت العمومية. إن الجمعية، التي تعلن أنها تنطلق من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، لم تبلور هذه المبادئ في مثل هذه القضايا. بل بلورت مواقف سياسية، و بذلك أخلت بتعاقدها مع المجتمع، باعتبارها هيأة حقوقية تشتغل في مجال حقوق الإنسان بدون تمييز بين الضحايا.
المسألة الثانية التي من الواجب على الجمعية أن تقدم أيضا فيها الجواب، هي ما يتعلق بالتمويلات التي تحصل عليها من جهات أجنبية. فعلى هذا المستوى، تلقت الجمعية، حسب ما نشر في العديد من الجرائد و المواقع الإلكترونية، أموالا لا يستهان بمقدارها، حيث وصلت إلى قرابة 40 مليون سنتيم شهريا، و هي ميزانية تفوق ميزانية أحزاب سياسية كبيرة و مركزيات نقابية.
غير أن الأهم من كل هذا هو ما يتعلق بمسألتين إثنتين:
أولاهما هي مسألة الضرائب، أي هل صرحت الجمعية بهذه المداخيل و هل أدت عليها ما تستحقه من ضرائب، و هل صرفت الأموال بشكل شفاف و قانوني؟ وهذه قضية في غاية الأهمية، حيث أنها تحيلنا على إشكالية المواطنة، التي تنادي بها الجمعية نفسها. لأن من واجبات المواطنة هي التصريح بالمداخيل وأداء الضرائب، التي تمول، في غالبيتها الإستثمارات العمومية و البنيات التحتية والخدمات الإجتماعية... وهي المبادئ التي تدافع عنها الجمعية في بياناتها ومؤتمراتها و ملتقياتها.
أما المسألة الثانية، فتتعلق بمبدأ الشفافية، في كيفية صرف الأموال، كما تحيلنا هذه القضية أيضا على مصادر التمويل والتعاقدات المضمرة، التي تقف خلفها. ومبرر هذا التساؤل هو أن الممولين الرئيسيين هم الدول الإسكندنافية و إسبانيا، و هي قوى معروفة بعدائها المطلق للمغرب في موضوع الوحدة الترابية. لذلك من حق المواطن، الذي تعلن الجمعية أنها تتحدث باسمه، أن يعرف خلفيات هاته التمويلات و أهدافها، ومدى ارتباطها بالمواقف التي تعبر عنها هذه الهيأة في قضية الوحدة الترابية للمغرب.
فهل يمكن للجمعية أن تخرج عن صمتها و تدافع عن توجهها، لأن الشعب المغربي يريد الشفافية في مثل هذه القضايا، و لا يمكن أن يكون الرد مقنعا إذا اكتفى بالقول إن الإتهامات ناتجة عن حملة يقودها "المخزن"، فهذا غير كاف.
و لنفترض أن السلطات المغربية تريد إحراج الجمعية، بالمطالبة بالشفافية في موضوع التمويلات، إستنادا على القانون، وفي هجومها المنهجي على المغرب، لكن هذا لا يعفي الجمعية من التواصل مع الرأي العام المغربي، وتقديم أجوبة حول التحيز في قضية الصحراء و مساندة النظام الجزائري، واستقبال تمويلات ضخمة من دول معادية للمغرب في هذه القضية.