قم للمعلم وفه التبجيل~~~ كاد المعلم أن يكون رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ~~~ يبني وينشئُ أنفساً وعقولا سبحانكَ اللهمَّ خيرَ معلّمٍ~~~ علَّمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ~~~ وهديتَهُ النورَ المبينَ سبيلا وطبعتَهُ بِيَدِ المعلّمِ ، تارةً ~~~صدئ الحديدِ ، وتارةً مصقولا بهذه الكلمات امتدح أمير الشعراء أحمد شوقي المعلم ورأى في التعليم أشرف مهنة على الإطلاق. فالمعلم هو الذي ينشأ الأجيال ويربي ويبني، هو من يعلم الطبيب والطيار والوزير والشرطي والمحاسب والسياسي، هو من صنع عظماء التاريخ وعبَّد طريق علماء الأمة. إن كل حرف تعلمناه وكل كلمة لهي دين لمدرسينا علينا ما حيينا. فتشبيه أحمد شوقي المعلم بالرسول ليس مجازيا ولا اعتباطيا. فالرسل تكفلوا بتبليغ رسالة التوحيد وإخراج الأقوام التي بعثوا فيها من الظلمات إلى النور وكذالك مهمة المعلم: تنوير العقول وإخراج المجتمع من ظلمات الجهل إلى نور العلم. وحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أبلغ وأعمق وأشمل عندما يقول "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم." وقال عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن استطعت فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلما، فإن لم تستطع فأحبهم، فإن لم تستطع فلا تبغضهم." أكتب هذه الكلمات وكلي حسرة وألم بعدما رأيت معلمينا وأساتذتنا يُضربون ويُرفسون ويُهانون في شوارع الرباط لا لشيء سوى لأنهم "تجرؤوا" وطالبوا بحقوقهم وكرامتهم. كنت هناك وعاينت المشهد عن قرب. رجال ونساء التعليم يُطارَدون في شوارع وأزقة الرباط أمام الملأ من طرف عناصر البوليس كما يُطارَد اللصوص والمجرمين في أفلام الأكشن الهوليودية. والنتيجة إصابة حوالي 170 أستاذ وأستاذة، نقل من بينهم حوالي 50 مصابا إلى مستعجلات المستشفى الجامعي ابن سيناء، سجلت من بينهم عدد من الحالات الخطيرة والحرجة. إن كان الإضراب حق يكفله الدستور فما ذنب هؤلاء إذن كي يُضربوا؟ هل كسَّروا ونهبوا وخرَّبوا؟ لا، لم يفعلوا. هل رفعوا شعارات تمسُّ بمقدسات الدولة؟ لا، أبدا لم يفعلوا. هم لهم صوت أرادوا أن يسمعوه بعد أن صُمَّت الآذان وأغلقت أبواب الحوار حول مطالبهم المشروعة. إن رجل التعليم شمعة تحترق لتنير طريق الأجيال ورغم احتراقه وذوبانه لا تُعلق له أوسمة ولا ميداليات اعترفا بتضحياته وهو راض بذالك لأن كل تلميذ ناجح هو بالسبة له وسام حتى وإن لم يعترف هذا التلميذ نفسه بالجميل. في بلد إسمه المغرب يُضرب هذا المعلم ويُركل ويُرفس تحت أقدام عناصر الأمن، عفوا عناصر اللاأمن بينما يُكرَّم الشواذ في مهرجانات التبذير والانحلال. أي مصداقية بقيت لشعارات التغيير إن كان منطق الحديد والنار لازال سائدا؟ كيف سنبني الثقة في مؤسسات مغرب يضرب خيرة أبنائه؟ إن كانت هناك فعلاً ديمقراطية في المغرب فيجب التحقيق فيما حدث يوم الجمعة 25 مارس ويوم السبت 26 مارس في الرباط وتقديم المسؤولين عن ذالك إلى العدالة وتقديم الاعتذار إلى الأسرة التعليمية ككل. إن المسألة الآن ليست مجرد دريهمات تضاف إلى رواتب الأساتذة رغم أنها من حقهم وإنما هي مسألة كرامة ورد الاعتبار. ما لم يتم ذالك فلنصل صلاة الجنازة على التعليم وعلى الديمقراطية معاً وننتظر الأسوأ.