قال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، امس الاثنين بالرباط ، إن تحليل وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لا يستقيم إلا باستحضار المسار الإصلاحي الذي دشنته المملكة على الأقل منذ 1999 والمكتسبات التي تحققت في إطاره. وأوضح اليزمي، في تقرير عن أنشطة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ( مارس 2011 / دجنبر 2013 ) قدمه أمام مجلسي البرلمان، أن هذه المكتسبات تهم إدماج الحقوق الثقافية واللغوية في أجندة السياسات العمومية مع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفتح ورش العدالة الانتقالية (إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة)، وتمكين المغرب من عناصر سياسة تروم توسيع الولوج إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة بالنسبة للفئات الهشة مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتقرير الخمسينية وورش الجهوية.
وأبرز أهمية تعديل والمصادقة على العديد من النصوص بما يسمح بتوسيع مجال الحقوق والحريات ، خاصة صدور مدونة الأسرة (2004)، وتعديل قانون الجنسية (2007)، وتعديل ومراجعة قوانين الحريات العامة (2002)، ووضع مدونة للشغل (2004)، والتطوير المتدرج لقانون المسطرة الجنائية (2003 ،2006) ، والقانون الجنائي من خلال تجريم التعذيب في 2006 والتحرش الجنسي سنة 2003، وإلغاء محكمة العدل الخاصة (2004).
وأضاف أنه تم العمل على إعداد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، طبقا لتوصيات تصريح وخطة عمل مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان المنعقد سنة 1993 بهدف تمكين المغرب من إطار منسجم ومندمج للسياسات العمومية.
وذكر أن هذه المكتسبات مكنت المغرب من تدشين دينامية جديدة انطلاقا من 2011 مع إحداث مؤسسة الوسيط، وخلق المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان.
وأضاف أن الممارسة الاتفاقية للمغرب تعززت على الخصوص من خلال المصادقة على الاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها (2009) والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري (2013)، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب(2013)، وقرار المغرب برفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء.
وشدد اليزمي على أن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة شكلت علامة فارقة في مجال الانتقال والتثبيت الديمقراطيين وترسيخ دولة القانون عبر اعتماد الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية والسياسية لضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان، موضحا أن هذا النجاح لم يكن ممكنا بدون استناد التجربة إلى توافق وطني قوي.
وذكر في هذا الصدد بالخطاب الملكي السامي في 07 يناير 2004 بأكادير بمناسبة تنصيب الهيئة، حيث أكد أنها "...إنجاز من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، عاملا على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي يمارس فيه كل المواطنين حقوقهم وينهضون بواجباتهم بكل مسؤولية وحرية والتزام".
وأوضح أن المغرب تمكن من تعويض 26 ألف و 63 شخصا من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي وذوي حقوقهم وذلك بغلاف مالي وصل إلى مليار و 804 مليون و 702 ألف و 899 درهم ( 1.804.702.899,80 درهم) إلى غاية 31 دجنبر 2013، ضمنهم 5027 من الضحايا المنحدرين من الأقاليم الجنوبية بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب 618.529.270,00 درهم، مضيفا أنه تم تعويض الضحايا المدنيين الذين تعرضوا للاختطاف والاحتجاز لدى البوليساريو والبالغ عددهم 217 شخصا بمبلغ مالي إجمالي مقدر ب 85.234.375,00 درهم.
وبخصوص الإدماج الاجتماعي، قال إن عدد المستفيدين من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بلغ 1306 حالة، منها 828 حالة تم تنفيذها، و335 حالة في طور التنفيذ، و118 حالة تبين بعد دراسة ملفاتها أنها استطاعت الاندماج ذاتيا.
وعلى مستوى تسوية الأوضاع الإدارية والمالية، أفاد أن مجموع المستفيدين من توصية التسوية الإدارية والمالية بلغ 540 حالة تمت تسوية 366 حالة منها فعليا، فيما 72 حالة في طور التسوية، و102 حالة في طور الدراسة من قبل القطاعات الحكومية المعنية.
أما بالنسبة للتغطية الصحية، فقد بلغ عدد البطائق الصادرة عن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي إلى حدود 31 دجنبر الماضي 7271 بطاقة لفائدة المؤمن لهم، فيما بلغ عدد المستفيدين من ذوي المؤمنين 15690 تتكفل الميزانية العامة للدولة بتغطية تكلفتها المالية التي بلغت 11 مليون و 833 ألف درهم سنة 2012 و 13 مليون و 295 ألف درهم سنة 2013.
أما فيما يخص برنامج جبر الضرر الجماعي، فقال اليزمي إن المجلس أشرف على تتبع تنفيذ 149 مشروعا ب 13 إقليم، شملت أربعة محاور رئيسية تهم دعم قدرات الفاعلين المحليين، وحفظ الذاكرة وتحسين شروط عيش السكان والنهوض بأوضاع النساء والأطفال، مبرزا تعبئة 159.799.892,00 درهم لهذا الغرض.
وفيما يتعلق بالأرشيف والتاريخ وحفظ الذاكرة، ذكر أن المجلس ساهم في إخراج مؤسسة أرشيف المغرب إلى حيز الوجود وأشرف على إعداد العديد من المشاريع بهذا الشأن.
وذكر أن تفرد التجربة المغربية هو ما جعلها مصدر إلهام للجميع بعد التطورات الأخيرة بالمنطقة ، مؤكدا وجود رغبة كبيرة للاستفادة منها من طرف العديد من الدول، حيث استقبل المغرب أزيد من 22 وفدا من مختلف الدول العربية والإسلامية والإفريقية بغاية التعرف عن قرب على هذه التجربة وسبل الاستفادة منها.
وأضاف أن السياقات المحيطة تتطلب التملك الجماعي الجيد والواعي بأهمية هذا المسار كمرجع تاريخي وضع العديد من الأسس الكفيلة بتطوير التجربة الديمقراطية الواعدة وتحصينها، ومن جهة أخرى استثمارها بما يقوي حضور المغرب في المنتديات العالمية.
وأبرز أن هذه المجهودات كانت موضوع تنويه ملكي سامي، يعتز به المجلس، في الرسالة الملكية السامية إلى المشاركين في الندوة الدولية حول "التراث الثقافي بالريف: أية تõحافة¿" بالحسيمة يوم 15 يوليوز 2011 والذي أكد في منطوقه أن دور المجلس في "مواصلة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بمساراتها المتعددة، وبخاصة في شقها المتعلق بجبر الضرر الجماعي، ومجال التاريخ وحفظ الذاكرة، تكتسي أهمية بالغة في تعزيز النموذج المغربي المتميز".
وأوضح اليزمي أن عناصر قوة هذه التجربة تكمن في التقدم الملحوظ في استجلاء الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإقرار العلني بمسؤولية الدولة بخصوصها، وجعل الإصلاحات المؤسساتية التي أوصت بها الهيئة، مرجعا أساسيا، توجت بتأكيد العرض الدستوري الوارد في الخطاب الملكي ل9 مارس 2011 على ضرورة دسترة التوصيات الوجيهة منها .
وقال إنه تم تنفيذ أغلب توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، مضيفا أن بعض توصياتها المركزية المؤسساتية مازالت لم تعرف سبيلها إلى التفعيل كالانضمام إلى نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية وإلغاء عقوبة الإعدام والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإفلات من العقاب.
ورحب بتعهد الحكومة في شخص رئيسها عبد الإله بنكيران، بتوفير كافة الإمكانيات لإنهاء ملفات جبر الضرر الفردي في متم السنة الجارية.