قال رئيس الحكومة الليبية السابق زعيم "تحالف القوى الوطنية" محمود جبريل، إن "ليبيا اليوم خطرة على نفسها وعلى جيرانها"، لافتاً إلى أن استمرار المنزلق الحالي "يهدد وحدتها وسيادتها واقتصادها ويدفعها إلى التحول مشكلة أمن قومي للدول المجاورة". وحذر من "أن هناك من يخطط لاستعادة مصر عن طريق ليبيا"، لافتاً إلى تقارير تتحدث "عن تهريب الرجال والمال والسلاح" إلى داخل مصر. وقال جبريل، الذي تحدث للحياة اللندنية على امتداد ست حلقات، إن السياسة الأميركية اتسمت بازدواجية المعايير في التعامل مع الثورة، وإن برنامجها الحقيقي كان دعم وصول الإخوان في مصر وليبيا وتونس على أمل أن يؤدي ذلك إلى "احتواء الإرهاب والإرهابيين".
وأضاف أن تنفيذ البرنامج تم برعاية وكيلين إقليميين هما قطر وتركيا. واعتبر أن نجاح المصريين بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي في إطاحة حكم الرئيس السابق محمد مرسي وجَّه ضربة إلى "البرنامج الأميركي" ودفع واشنطن إلى إعادة تقويم توجهاتها. وقال إن انسحاب مصر والجزائر أعطى الفرصة للدول الداعمة لتيار الإسلام السياسي للتأثير في مسار الأحداث، وهو ما أدى إلى الانحراف الذي نشهد اليوم تجلياته.
واعترف جبريل بأن قطر ساعدت الثورة الليبية لكنه لاحظ أنها عملت منذ البداية في خطين متوازيين، وأن تيار الإسلام السياسي كان حليفها الأول. وروى سلسلة من الوقائع تؤكد في نظره أن الدوحة سعت منذ البداية إلى تنصيب عبد الحكيم بلحاج، الأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة، قائداً لثوار ليبيا، وأن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق، عارض علناً جمع السلاح من أيدي الثوار.
وكشف جبريل أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي استدعاه على عجل بعدما طالت المواجهات العسكرية، للنظر في مشروع حمله بشير صالح مدير مكتب القذافي، وأن رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني شجعه أيضاً على النظر فيه.
وينص المشروع على تنحي القذافي، على أن يقيم في ليبيا تحت حراسة فرنسية، وأن يتولى جبريل الرئاسة لأربع سنوات يسمح بعدها لسيف الإسلام نجل القذافي بالترشح للرئاسة. وأكد جبريل أنه رفض المشروع بعد التشاور مع زملائه. كما كشف أن القذافي أعد خطة لتقسيم ليبيا إلى خمسة مناطق بعدما يئس من قمع الثورة، وأنه عثر على خريطة التقسيم هذه في مكتب رئيس وزرائه البغدادي المحمودي.
وقال جبريل إن هيمنة السلاح أدت إلى تحريف مسار الثورة وإطاحة نتائج الانتخابات النيابية كما أدت إلى إقرار قانون العزل الذي تسبب في إقصاء الدولة لا النظام. ولفت إلى أن وجود 21 مليون قطعة سلاح في البلاد وتزايد الاغتيالات والتفجيرات ينذر بإغراق ليبيا في صراعات جهوية وقبلية مدمرة. وتساءل كيف تمكن آلاف المسلحين الأجانب من دخول الأراضي الليبية في وقت كانت الدول الكبرى تراقب حدود هذا البلد.
وقال جبريل عندما اندلعت الثورة في 17 شباط بدأنا فوراً أنا وعلي العيساوي اتصالات، ومع ابراهيم الدباشي، ثم تواصلت مع مصطفى عبدالجليل في بنغازي، ثم عرضت مقترحاً على الأخوين العيساوي والدباشي، مخافة ان يتكرر ما حدث في الحالة المصرية والحالة التونسية. ففي مصر، لم يكن العالم يعرف مَنْ يقود هذه الظاهرة الجديدة، فالشوارع ملأى بالملايين ولا نعرف مَنْ يقودها، ومَنْ الرأس المحرِّك. وبخصوص موقف ساركوزي من "الثورة" الليبية قال جبريل إن ساركوزي تعرض لنقد شديد بسبب تأخره في موقفه من الثورة في تونس تحديداً، بحكم علاقات تونس التاريخية مع فرنسا، وتجاه مصر، وكان لا بد من أن يعوّض عن ذلك التأخر تجاه الثورة الليبية. وهناك مواقف شخصية بين ساركوزي والقذافي فيها كثير من التوتر، مثل قضية الممرضات تحديداً، لأن ساركوزي عندما زار ليبيا لم يستجب القذافي طلبه، بينما استجاب طلب زوجته (السابقة) سيسيليا، ثم خرجت بعض التأويلات وبينها أنها قضت بعض الوقت مع القذافي... وأُشيعت تقارير وأقاويل.
وفي سياق آخر قال جبريل "بعد وصولي الى الدوحة التقيت الشيخ حمد أمير قطر، ورحّب بشدة وشدَّ من عزمنا وعبَّر عن الدعم الكامل للثورة الليبية". وأشار إلى أنه كان عنده اعتقاد في البداية بأن كل الاتصالات مع الجانب الليبي ستتم عبر قناة المكتب التنفيذي الذي يرأسه، خصوصاً أنه موجود على أرض قطرية. موضحا أنه "بعد أسابيع قليلة اتضح ان القيادة القطرية تتحدث مع قنوات عدة، ويبدو أنه كان هناك رهان مبكر على التيار الإسلامي في ليبيا، فكانت قطر تعمل في قناتين: قناة رسمية معي أنا ومع مصطفى عبد الجليل، وما تخبره لمصطفى عبد الجليل لا تخبره لمحمود جبريل على المستوى الرسمي، وقناة أكثر فاعلية غير معلنة مع بعض الشخصيات في التيار الإسلامي السياسي مثل الشيخ علي الصلابي وعبد الحكيم بلحاج، ثم تتالت الشخصيات التي كانا يُحضّرانها للتعرف الى القيادة القطرية وربط العلاقات مع الدوحة".
وأشار جبريل إلى وجود خريطة لتقسيم ليبيا الى خمس مناطق بينها منطقة للقذافي بحيث تتبع المنطقة الغربية نظاماً والمنطقة الوسطى تتبع نظاماً آخر وتكون مصراتة منطقة عازلة ما بين نظام القذافي ونظام الثورة. وكان هناك تصور بهذا الشكل حتى أنهم وضعوا نسباً من الثروة النفطية لحصة كل منطقة ما يدل على أنهم فكروا جيداً في الأمر.