تكتسي الزيارة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم الخميس المقبل إلى مالي لحضور حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد بعدا إنسانيا عميقا تجاه بلد شقيق يعاني جراحا عميقة لكنه يعمل بإصرار على التخلص من أزمة متعددة الأبعاد. وتأتي هذه الزيارة الملكية، في الواقع، أياما قليلة فقط بعد قرار جلالة الملك إرسال مساعدات إنسانية إلى الشعب المالي، وهي التفاتة بمعاني كبيرة وأبعاد سامية تجسد مدى ثقافة التضامن الفعال التي تم تكريسها كقيمة أساسية في علاقات المملكة مع الدول الشقيقة والصديقة، لا سيما في القارة الإفريقية. وبفضل هذه المبادرة الملكية، سيتم إيفاد بعثة طبية متخصصة إلى العاصمة المالية، كما تم إرسال دعم لوجيستي وإنساني على متن وسائل النقل الجوي التابعة للقوات المسلحة الملكية عبر عدة رحلات متوالية. وفي إطار هذه البعثة، سيتم إقامة مستشفى عسكري ميداني، سيظل مفتوحا في وجه جميع السكان ومزودا بعدة وحدات متخصصة، وكذلك كمية كبيرة من الأدوية.وتندرج هذه المبادرة الملكية في إطار التضامن الكامل للمملكة مع مالي والتزامها الراسخ في المساهمة في تنمية هذا البلد. ويتعلق الأمر بمبادرة تندرج ضمن سيرورة تقليد دأب عليه المغرب، الوفي لقيمه التضامنية والفخور بمكانته كفاعل نشيط وفعال على الساحتين الإقليمية والدولية. ولم يمض وقت طويل عن الإعلان عن هذه المبادرة الملكية، حتى لقيت تقديرا دوليا كبيرا على الساحة الدولية والمالية. ففي واشنطن، اعتبرت مجموعة التفكير الأمريكية (غايتستون إنستيتيوت)، المتخصصة في القضايا الاستراتيجية والدفاع، أن المبادرة الملكية تندرج ضمن سياق البعد الأخلاقي والإنساني لقيادة جلالة الملك، والتي تحمل طابع دبلوماسية ملكية فاعلة ومتضامنة وحريصة على تحقيق متطلبات الاستقرار الإقليمي وعلى تحقيق طموحات البلدان الإفريقية الشقيقة في التقدم والازدهار. وأضافت مجموعة التفكير أن الأهمية القصوى التي يوليها جلالة الملك محمد السادس للعلاقات مع البلدان الإفريقية، تمثل أيضا "تعبيرا عن رؤية ملكية تدعو إلى إقامة تعاون يساهم في تعزيز الاستقرار، ويضمن الرخاء والازدهار لسكان المنطقة". أما "ميريديان إنترناشيونال سنتر"، وهي مؤسسة تهتم بالدبلوماسية العمومية ويوجد مقرها بواشنطن، أن الجهود الإنسانية التي يقوم بها جلالة الملك تعتبر تجسيدا ل"دور الوساطة البناء والمسؤول الذي يضطلع به المغرب من أجل خدمة قضايا السلام والاستقرار" وحل النزاعات، "وفيا بذلك لتقاليده الراسخة القائمة على التسامح والانفتاح". وفي باماكو، لقيت مبادرة التضامن التي قررها جلالة الملك ترحيبا من مسؤولين وشخصيات فاعلة في المجتمع المدني المالي اللذين رأوا في هذه المبادرة السامية خطوة جديدة نحو تعميق الروابط التاريخية بين البلدين. وكانت المملكة، في الواقع، أول بلد يبادر في عز الأزمة في مالي إلى مد يد المساعدة إليه من خلال إرسال مساعدات إنسانية إلى النيجر لفائدة اللاجئين الماليين الفارين من المعارك التي اندلعت في بلدهم. وكان المغرب، في إطار الصراع ذاته، قد أرسل 50 طنا من المواد الغذائية والصيدلية لفائدة النازحين في الداخل، ضحايا الأعمال العدوانية، وذلك بهدف تخفيف العبء الصحي والإنساني الذي تعانيه مالي بسبب الأزمة. كما التزمت المملكة، من جهة أخرى، بالمساهمة بخمسة ملايين دولار لتمويل بعثة الدعم الدولية بمالي تحت قيادة أفريقية وذلك خلال مؤتمر المانحين الأول الذي عقد في أديس أبابا. ولم يغب هذا الالتزام الواضح، الذي لا يعتريه شك، عن أعين الشركاء الرئيسيين للمغرب داخل المجموعة الدولية الذين ثمنوا عاليا الدور الإيجابي والبناء الذي ما فتئ المغرب يضطلع به في حل الأزمة متعددة الأبعاد في مالي. ويكرس هذا الدور المعروف والمعترف به مكانة المغرب، الذي عرف كيف يعزز، تحت قيادة جلالة الملك، صورته كشريك موثوق به وجدير بالاحترام من أجل السلام والأمن الدوليين. إن الجهود التي يبذلها المغرب لتسوية أزمات مماثلة كتلك التي ضربت مالي تنبع من مبدأ أساسي تبناه المغرب وهو التنمية البشرية المستدامة كمصدر لصيانة الكرامة. وكان جلالة الملك محمد السادس قد أكد، بشكل وجيه، في إطار زيارة إفريقية قادته مؤخرا إلى السينغال أن "المملكة المغربية لتضع المصالح الحيوية لقارتنا الكبرى والتعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة? في مقدمة سياستها الخارجية? كما تعطي الأولوية للتعاون بين دول الجنوب? في نطاق من التضامن والمصلحة المتبادلة? بغية تحقيق تنمية بشرية مستدامة? أساسها صيانة كرامة شعوبنا الأفريقية? ومنطلقها المساهمة الفاعلة من أجل تقدمها? في إطار السلم والأمن". هذا الالتزام الدؤوب تجاه الشعوب التي توجد في أوضاع صعبة يجعل من المملكة مصدر إلهام بالنسبة للقارة الإفريقية التي تطمح إلى فرض نفسها على الساحة العالمية. كما يدل هذا الالتزام أيضا على الأهمية التي تمثلها أفريقيا بالنسبة للمملكة التي تطبع علاقاتها مع القارة الإفريقية بتضحية حقيقية، تتجسد من خلال روابط لا انفصام فيها مختومة بطابع التضامن المتزايد.