مخيمات البوليساريو ( تندوف ) : يوسف ججيلي تطلب الوصول إلى مخيمات البوليساريو بتندوف الجزائرية 25 يوما كاملة مليئة بالمشاق، قادتني خلالها الأقدار، من الدار البيضاء إلى اخر مركز حدودي بالجنوب المغربي عبر النقل البري، و بعدها، عبر سيارة أجرة إلى نواديبو الموريتانية، و من ثم إلى العاصمة نواكشوط قبل أن أستقل الطائرة نحو الجزائر العاصمة . في مطار الهواري بومدين وجدت في إستقبالي ممثلا عن البوليزاريو، كنت قد نسقت مع رؤسائه من موريتانيا، لتنطلق المغامرة ... " كان في إستقبالي بالمطار الضيق لتندوف، رجل يبدو وجهه كما لو كان صخرة فعلت فيها عوامل الزمن فعلها . أكثر من 35 سنة من العيش في مخيمات لا يمكن إلا أن تفرز وجوها مثل وجه لبيُشير الذي سيرافقني طوال الرحلة ". ساعتان من الزمن إستغرقتهما طائرة الخطوط الجوية الجزائرية بين العاصمة و تندوف . على متنها أجانب و ممثلون للجبهة في عدد من العواصم . و من بينهم ممثل الجبهة في أبوجا النيجرية، الذي سبق له و أن شغل نفس المهمة ببريتوريا بجنوب إفريقيا ، أكبر المدعمين للجبهة . تجاذبنا أطراف الحديث دقائق قبل الإقلاع من الجزائر العاصمة . كان في إستقبالي في المطار الضيق لتندوف، رجل يبدو وجهه كما لو كان صخرة فعلت فيها عوامل الزمن فعلها . أكثر من 35 سنة من العيش في مخيمات لا يمكن إلا أن تفرز وجوها مثل وجه لبيُشير الذي سيرافقني طوال الرحلة . وسط الظلام الدامس من ليلة 26/27 فبراير ، أخذ المرافق يخترق بسيارته الرباعية الدفع الطرق في إتجاه مخيمات البوليساريو التي توجد جنوب تندوف بحوالي 35 دقيقة ، حيث كانت في إستقبالنا الذهبية امرأة في عقدها الخامس، في بيتها ، المبني بالطوب ، الذي سيكون المقام خلال أيام الزيارة ، هنا الضيوف يقيمون عند العائلات الصحراوية في غياب الفنادق و قيادة الجبهة تجعل الضيوف يختلطون عمدا مع السكان في محاولة لجعلهم يتذوقون مرارة العيش داخل المخيمات . ولايات الطوب و الخيام بيت الذهبية المبني من الطوب، شيده الجنود المغاربة قبل أكثر من عشر سنوات، عندما كانوا أسرى لدى البوليساريو، تقول صاحبة البيت مبتسمة و تضيف كانوا يقضون اليوم بكامله في تشييد البيوت و عند السادسة مساءا تأتي سيارات الشرطة لترجعهم إلى زنازنهم في السجن حشرات و ذباب لا يكف عن الطنين و اللسع و غبار يعم أرجاء البيت ، هي معالم الحياة في هذا المكان التي توحد بين بيوت الطوب و الخيام . فقر و تقشف و عيش على المساعدات الدولية في الولايات الأربع لجبهة البوليساريو بمخيمات تندوف الجزائرية . القيادة قسمت تراب جنوب تندوف إلى ولايات أطلقت عليها أسماء : الداخلة ( 180 كلم جنوب تندوف ) و العيون ( 14 كلم شرق ) و السمارة ( 60 كلم جنوب شرق ) و أوسرد ( 30 كلم جنوب شرق ) ، و خصصت جزءا اخر من هذا التراب حولته إلى مركز إداري يسمى الربوني . فيما تم تخصيص مخيم 27 فبراير لاستضافة جمعيات المجتمع المدني و الصحافيين الأجانب في خيام الأسر التي تقطن في هذا المخيم، الذي يعد الوحيد المزود بالطاقة الكهربائية بين جميع المخيمات . "سبب اختيار موقع الولايات هو القرب من مصادر الماء " يقول المرافق "البُشير " و هو يقود سيارته في إتجاه ولاية العيون ، التي كانت تحتضن صبيحة ذلك اليوم ذكرى الإحتفال بما يسمونه هناك بتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي تصادف يومه 27 فبراير من كل سنة . على مدى 35 دقيقة . و هي مدة قطع المسافة بين مخيم " الضيافة " و ولاية العيون . ظل " لبُشير"يستعرض أروحة الإنفصال و يستشهد بالتاريخ و بتجارب مشابهة ، و هو يردد عبارات من قبيل : "إن المناورات حولت الحرب لكنها لم تقضي على الخصم ..." و أيضا : " أنه لا يوجد حل لا غالب فيه و لا مغلوب و أن هذا الصراع لابد أن ينتهي بخاسر و رابح ..." كان واضحا أن " لبُشير " ليس مرافقا فقط ... عند باب الولاية ، و هو عبارة عن حائطين قصيرين يفصل بينهما مسرب طرقي غير معبد ، يوجد دركيان تابعان للجبهة يفتشان كل من يدخل العيون . و بقلب الولاية أصوات صاخبة لأطفال يرددون شعارات معادية للمغرب في إستعراض "عسكري" أمام أنظار بعض الضيوف من جمعيات المجتمع المدني ، و هم في الغالب إسبان، إضافة إلى صحافيين أجانب جاؤوا خصيصا لتغطية إحتفالات ذكرى التأسيس. صغار بزي عسكري يؤدون التحية العسكرية و يتدربون على رشاشات كرتونية في إنتضار الحصول على أخرى حقيقية و صغيرات يرددن شعارات "الإستقلال و الإحتلال" و يؤطرهن مشرفون شباب يتجاوز سنهم ثلاثين سنة في الغالب. كانت الأصوات الصغيرة ترتفع حدتها في كل مرة يقترب وفد أشقر من الأطفال أو تركز ألات التصوير على طابور من الطوابير العسكرية التي شكلها الأطفال الصغار القيادة هنا حاضرة تنتقل بين الصفوف توزع الأعلام الملونة بألوان العلم الفلسطيني و تتوسطها نجمة على الجميع. غاب محمد عبد العزيز المراكشي، رئيس الجبهة و حضر البُشير السيد المصطفى، رئيس الوفد المفاوض السابق، أحد أهم الشخصيات المؤثرة في البوليساريو، حيث كان في إستقبال الوافدين الجدد على مخيم العيون يوم الإحتفال . ينتقل من هنا إلى هناك، يشرح لهذا لماذا اختاروا العيش في تندوف الجزائر و يكشف للأخر كواليس المفاوضات السابقة و الحالية مع المغرب، و مستقبلها و الحل السلمي و خيار الحرب ... إسبانيون يستنكرون بلغة فرنسية ركيكة ما يصفونه ب"الإحتلال" ، مراهقون و مراهقات من جيران المغرب في الشمال يقدمون لأهل الصحراء المساعدات، يلتقطون الصور مع الأطفال و النساء و شباب المخيمات... و يشاهدون بأعينهم طفولة تغتصب بإرتداء الزي العسكري و التجنيد في سن مبكرة . هذا يونس، سويدي مسلم، يمثل إتحاد المحامين الدوليين، قدم إلى المخيمات قصد تأسيس فرع للإتحاد هنا، لم يزر يوما بدوره المغرب، كان أقل حدة في الحديث عن المملكة و الوضع داخلها، و ردد أكثر من مرة أنه لا يجب أخذ أحكام جاهزة على دول لم نزرها و لم نقف على الأوضاع بها بأنفسنا... صخب الأطفال تراجعت حدته، فالساعة تقترب من السادسة مساءا، التعب أخذ من الصغار و الأعلام نكست من أيدي الصغيرات و الملتحفات باللباس الصحراوي، و عساكر المستقبل أعياهم رفع الرشاشات و المسدسات الكرتونية، ظلمة الليل الدامس بدأت تعم في غياب الكهرباء للإنارة، فانفض الجمع الصحراوي و إنتهت الإحتفالات و عاد الجميع من حيث جاؤوا في إتجاه بيوت الطوب و الخيام من جديد إيذانا بحلول ليل يطول في تندوف أمام الفراغ القاتل في يوميات قاطني المخيمات . عدنا إلى البيت حيث برنامج المساء ينظم على مزاج "لذهبية" ، صاحبة البيت ، و غالبا ما يتضمن جلسة نقاش حول كأس شاي صحراوي مع الضيف الصحافي المغربي . " في معسكرات التجنيد " السادسة صباحا من يومه 28 فبراير الماضي، وضعت " الذهبية" ما تحتاجه التركة و هم الأبناء لوجبة الإفطار على طاولة صغيرة مهترئة علق بها الغبار بسبب الزوابع الرملية التي لا تتوقف على طول الأسبوع في المخيمات. على الطاولة "حليب و قهوة و زبدة و مربى إسبانية..." . جل المواد الغذائية هنا مصبرة مكتوب عليها بلغات مختلفة، و هي عبارة عن مساعدات إنسانية يتوصلون بها من طرف منظمات إنسانية دولية . كانت "الذهبية"كلما وجهت للكلام، و هي على المائدة، لا تتوقف عن رفع عينيها إلى المرافق " البُشير"و كأنها تترقب ترخيصا منه بإشارة من عينيه الغائرتين للحديث إلى الصحافي . موائد الصحروايين لا تزين جميعها بنفس المواد الغذائية التي تتوفر عليها "الذهبية" . في مخيمات أخرى يفتقر الناس إلى ما يسدون به جوعهم مع توالي عمليات الإتجار في الإعانات الإنسانية و التي كشفتها تقارير منظمات حقوقية دولية . البؤس يبدو جليا على وجوه قاطني المخيمات و تكشف الأجساد الهزيلة للأطفال عن سوء تغذيتهم. تركنا مخيم "27 فبراير" في إتجاه ولاية "السمارة" لزيارة مدرسة إعدادية هناك، و بمجرد ما ركنت السيارة أمام الباب ترجلت قصد الدخول، إستوقفني طفل صغير و هو يلقي التحية بلغة إسبانية : "هولا كيتال ؟" في فصل اللغة الفرنسية كان الإستقبال مغايرا وقف التلاميذ مرحبين بالضيف، و بعضهم رفع علامات النصر بأناملهم الصغيرة في وجهه بعد أن علموا هويته، "هنا نعتمد على المقررات الجزائرية في التدريس" ،تقول أستاذة بالمدرسة و هي تؤكد أنه " كانت هناك مناهج بداغوجية صحراوية ، لكن نظرا لصعوبة طبع المقررات الخاصة بنا، توجهنا إلى الإعتماد على تلك القادمة من الجزائر" فيما أكد مدير مدرسة ولاية السمارة أنه " في هذه المدرسة يوجد 874 تلميذا يشرف عليهم 55 أستاذ . منهم من حظي بتكوين في كوبا أو إسبانيا أو الجزائر..." . في بيت "الذهبية' قضى الإبن الأكبر 16 سنة في الأحضان الكوبية، حيث تلقى تكوينه الثانوي و بعد ذلك الجامعي في ميدان الطب، و إبن أخر عاد لتوه من دولة قطر ليكمل دراسته الجامعية في الجزائر، و ثالث يتكفل خلال الصيف بالإشراف على أطفال المخيمات في الرحلات التي يتم تنظيمها لهم إلى الدول الأوروبية، خصوصا إيطاليا، بعد أن يكون قد قضى سنة كاملة موظف في المخيم الربوني و هو المركز الإداري لجبهة البولساريو . هنا ، التهجير القصري للأطفال إلى كوبا و إسبانيا أمر بات عاديا وسط سكان المخيمات لا أتذكر السن التي توجهت فيها رفقة مجموعة من الأطفال إلى كوبا ، يقول رشيد ، الذي قضى أكثر من 14 سنة في مراكز الإيواء الكوبية قصرا. " الالة الإعلامية الجزائرية مراكز وزارات قيادات البوليساريو توجد هنا، و كذلك القواعد الإعلامية للجبهة تستقر في هذا المخيم، و وكالة الأنباء الصحراوية و القناة التلفزيونية . بمخيم الربوبي يوجد مكتب ضيق بباب قزديري و بساط أحمر تغير لونه بسبب التراب الذي يغطيه، هنا الصحافيون حفاة بدون نعال و لا أحدية نزعوها قبل دخول المكتب، الذي توجد به 4 حواسب موضوعة على مكاتب صغيرة، إنها وكالة الأنباء أمام باب مقر القناة الصحراوية تتوقف سيارة تحمل صحنا هوائيا كبيرا، في هذا المكان ممكنوع الدخول على الصحراويين و الضيوف معا لأسباب ترتبط مع طبيعة العمل بالداخل،اعذروني فموعد نشرة الأخبار المباشرة قد إقترب... ، هكذا إعتذر مدير القناة للضيف عند مدخل القناة. هنا يظهر حجم الدعم الجزائري لإعلام البوليساريو من التمويل إلى إعداد القصاصات التي سيتم نشرها أو إذاعتها أو بثها. الصحافيون هنا تلقوا تكوينهم بالجزائر قبل أن يلتحقوا بالقناة، التي أسستها البوليساريو بتمويل جزائري، في 20 ماي 2009 و بمساعدة بعض الجهات الإسبانية أما الإذاعة فإن قادة البوليساريو يحكمون قبضتهم عليها منذ إحداثها في28 دجنبر 1978، إذ يراقبون كل المواد قبل بثها و لا يسمحون بإنتقاد الأوضاع داخل المخيمات بدعوى أن الظرفية لا تسمح . إنتقاد الجزائر و البوليساريو ، على القناة و الإذاعة، خط أحمر ، لكنهما تخصصان فضاءات زمنية كبيرة لتشويه صورة المغرب و رسم صورة قاتمة عن أقاليمه الجنوبية و لو تطلب ذلك فبركة الأخبار و سلخ الأحداث عن حقيقتها على حد قول إعلامي سابق للبوليساريو الذي عاد مؤخرا إلى المغرب . تخصص ثلاث أرباع شبكة برامج القناة لنشر أخبار الأقاليم الجنوبية بعد صياغتها على نحو يخدم الأهداف الدعائية للجبهة مع تزييف مستمر للحقائق عندما يتعذر عليهم الإتصال بمصادرهم المشكلة من إنفصاليي الداخل . كانت هناك جريدة إلكترونية تسمى الصحراوي و أدتها القيادة، لأنها تنتقد الوضع الداخلي بالمخيمات، يهمس لي شاب بصوت خافت، و هو يستعرض وضعية حرية التعبير في المخيمات. عند العودة من هذا المخيم في إتجاه بيت الذهبية توقف المرافق البُشير في مكان قال إنه مقهى، تتوزع فيه الطاولات هنا و هناك و يقوم أحدهم بخدمة الزبائن، إقترب إحد معارف المرافق من الطاولة، التي نجلس بها، و هو يتطلع لمعرفة هوية الضيف. إنه صحافي مغربي، هكذا قدمني إليه لبيُشر إنشرح محيا مولود، و هو إسمه ، و هو يؤكد أنه سيكشف اليوم سرا لا يعرفه أحد من الصحراويين، مرددا : والدتي ريفية من شمال المغرب و والدي من أكادير.... مارو البوليساريو عدنا مساءا إلى بيت الذهبية كان التعب و الإرهاق قد أخذ منا . بعد ساعة من الإستراحة، حان موعد العشاء. على الطاولة سلطة طماطم و البصل و الخس، و بعدها وجبة مارو و هي عبارة عن كسكس من الأرز بلحم الإبل، الأكلة مشهورة عند الصحراويين عامة، لكن في المخيمات ألذ من تلك التي يعدها الصحراويون في نواذيبو و نواكشط بموريطانيا... كانت الذهبية بعد كل وجبة تسألني إذا كان الأكل قد أعجب ضيفها الصحافي... كانت تعد الأطباق تماما كما تعدها كل إمرأة مغربية تجيد الطبخ، و حتى الأكل فهو يماثل ذلك الذي تعده نساء العيون أو وجدة و سطات ... الكوتشيرا وهي أكلة عبارة عن خليط من الطماطم و البصل المطهو بدون لحم، كانت الوجبة المفضلة لالذهبية. كانت جلسة الشاي، بعد وجبة العشاء مناسبة لتبادل النقاش مع لبُشير الذي كان لا يفارقني و لو للحظة كما هو الشأن بالنسبة للوفود التي كانت تقبل على البيت التي إستقبل الصحافي المغربي في تلك الليلة كان الأمين با عليممثل الجبهة في العاصمة البريطانيا في لندن أحد اللذين قدموا لتحية الضيف و لتبادل الحوار معه... كان الرجل الذي يبدوا هادئا، محاورا مشاكسا، فالأية كانت تنقلب عقب وجبة العشاء فاللذين يفدون على البيت لجلسة الشاي يتحولون إلى صحافيين يطرحون الأسئلة دون ملل على الضيف المغربي. يعرفون هنا تفاصيل أخبار المغرب و المستجدات و الوزراء و أسماءهم و يقدمون تحليلا سياسيا غالبا ما يكون بسيطا و متواضعا لما يحدث في المملكة . و في كل مرة يتجازو فيها النقاش حدود اللباقة و يتحول إلى المس برموز البلد كان الثوثر يخيم على الجلسة، فيعيد الأمين مؤشر الثوثر إلى الصفر. حقوقيون أم إنفصاليون كانت الذهبية تقول لي كل صباح : سير شوف ولاد عمك راهون فالربوني... و كانت تقصد بأبناء عمي إحدى عشر شخصا، يرأسهم إبراهيم الصبار، قيل إنهم حقوقيون قادمون من المغرب إلى مخيمات لدعم الصحراويين المتواجدين في الخيام تفاديت لقائهم أكثر من مرة، إلى أن خليل، وزير الأريا ف، كان يصر على أن أحضر ولو للسلام عليهم في إحتفال نظم على شرف الحقوقيون في ولاية أوسرد... بلغنا مكان وجودهم ذلك المساء بعد حوالي 20 دقيقة من إختراق طريق غير معبدة بين مخيم 27فبراير و مخيم أوسرد. عند الباب كاميرات لتلفزيون البوليساريو و مصورون يغطون حفل قدوم الحقوقيين الاحدى عشر... ترددت أكثر من مرة في دخول المكان لتفادي نقاش اخر عقيم حول المغرب و رموزه. اخذني الوزير البدين من يدي و هو يتوجه بي الى المكان، الى ان فوجئت تعدسات الكاميرات توجه نحوي و بأحدهم يضع ميكروفونا طالبا تصريحا صحافيا من الصحافي المغربي الذي أتى لمساندة الشعب الصحراوي ..إنني صحافي مثلك، وأنا هنا لست لمساندة البوليساريو، انا هنا لأنقل للمغاربة الضع الذي تعيشونه يوميا...، هكذا اعتذرت للصحافي القناة، الذي كان متفهما، عن تقديم أي تصريح صحافي. بمجرد أن ولجت القاعة الضيفة، التي كان يجتمع فيها الحقوقيونوالحضور الذي جاء لإستقبالهم، وقف الجميع و هم يصفقون و يرددون شعاراتالإستقلال و الإحتلال ويلوحون بعلامات النصر في وجه الصحافي الذي قدمه خليل للجميع على أنه جاء لمساندة قضيتنا ، وحتى قيل أن أحتج فوجئت بالبعض يعانقني و يصافحني، و ثالث يقدم لي الحلوى و العصير احتفاء بالقدوم حييت الجميع بالسلام و غادرت المكان على الفور و هو ما لم يعجب كثيرين، قبل أن أتحجج بدعوى أن لدي موعد اخر... هنا لا يفرقون بين الحقوقي و السياسي و الصحافي، و في نظرهم و كل من يزور المخيمات فهو مساند لقضيتهم و هذا الخلط مصدره مجموعة ممن يقولون عن أنفسهم حقوقي، و هم في الحقيقة لهم رأي سياسي في الموضوع، لأنهم يتخصصون في المبالغة في وصف الوضع الحقوقي بالمغرب فيما لا يجرؤون على الحديث عن الإنتهاكات و التجاوزات التي تقع داخل خيام البوليساريو، و عند عودتهم من المخيمات لا ينشرون و لو تقريرا واحدا يتحدث عما يعانيه الصحراويون في هذه المنطقة من العالم و كأنهم قاموا بزيارة إلى دولة السويد، حيث المشاكل الحقوقية أقل حدة من تلك التي توجد في العالم العربي. كان مفترضا أن تكون ليلة اللقاء مع الحقوقيين هي الأخيرة في مخيمات تندوف، إذ كان من المفروض أن أستقل الطائرة المتوجهة إلى الجزائر و بعدها إلى الدارالبيضاء مباشرة، لكن لم يتم ذلك بعد أن أخلفت طائرة الخطوط الجزائرية موعدها، تماما كما تفعل حافلات محطة أولاد زيان بالدار البيضاء... فقضيت ، مجبرا، يوما كاملا إضافيا بالمخيمات. المغرب في تندوف ليلة الرابع من شهر مارس الماضي، كان موعد الطائرة في حدود الساعة الثانية صباحا انطلاقا من مطار تندوف في إتجاه الجزائر العاصمة. قبل ذلك، أصر ''شي غيفارا''، و هو شاب من المخيمات له شبه بالمعارض الثوري الأرجنتيني شي غيفارا، و ''معطا الله'' و ''رشيد'' على أن نخلد ذكرى اللقاء وقضاء اسبوع كامل بالمخيمات صور جماعية تحتفظ بذكرى المرور من هذا المكان. ألن يشكل عليك خطر أن أضع صورتي معك على صفحة بالفايسبوك؟،يسأل أحدهم بابتسامة صفراء لا أبدا ضع الصورة أين ماشئت...، أجبته و اخر يسأل عما إذا كنت أعرف مصيري في مطار الدار البيضاء هل سيفعلون لك ما فعلوه بالتامك و رفاقه؟، كنت أؤكد في كل مرة انني صحفي أقوم بواجبي المهني في نقل واقع ناس يعيشون في المخيمات الى الشعب المغربي ، و انني لست انفصاليا. بالمطار، الذي رافقني اليهلبيشير بعد وجبة عشاء أخيرة من يدي الذهبية، إلتقينا بممثل البوليساريو في أبوجا النيجيرية، الذي إلتقيته على متن الطائرة قبل أن أحلق في إتجاه المخيمات... كان يرفق اسئلته بابتسامة و هو يتحسس عنفقته الطويلة .هل لاقيت إستقبالا جيدا عند الصحراويين؟ ماهي انطباعاتك؟... الطائرة تأخرت عن موعدها مرة أخرى بدأ شعور الخوف من أن لا تأتي ثانية يتسرب إلى نفسي، و استغل ممثل البوليساريو في أبوجا الفرصة لدعوتي إلى شرب فنجان قهوة عند محل للبقالة يوجد في المطار الضيق الذي يفتقد إلى معالم الحياة. في هذا المحل نغمات من الموسيقى المغربية تخترق ذبذبات المذياع، كان عبد الوهاب الدكالي ينشد ''مرسول الحب فين مشيتي و فين غبتي علينا...'' لقد كان فأل خير لي و طمأنة بإمكانية العودة إلى المغرب، التفتت إلى ''البشير'' و قلت له : هل سمعت؟ نحن موجودون في كل مكان حتى في تندوف... فما كان منه إلا أن أكد لي إعجابه الشديد بالأغنية المغربية و بصوتي عبد الهادي بلخياط و عبد الوهاب الدكالي... ''أعشق أغنية القمر الأحمر و سوق البشرية لرائدي الأغنية المغربية...'' يقول لبشير. نصف ساعة مرت و لم ينادي المنادي بقدوم الطاشرة، لا تقلق سوف تأتي الطائرة اليوم إن شاء الله... هكذا كان يطمئنني ممثل الجبهة في أبوجا، نظرت إليه مبتسما و أنا أفكر في 25 يوما كاملة، و هي مدة هذه الرحلة، التي قادتني إلى نواذيبو الموريتانية و بعدها نواكشوط ثم الجزائر و بعدها تندوف، و أن الوقت حان لإنهاء هذه الرحلة المتعبة. بلغة فرنسية أبلغ المنادي المسافرين بقرب مغادرة الطائرة لتندوف، عانقني لبيشر مودعا و متمنيا لي التوفيق، و رافقني ممثل الجبهة في أبوجا إلى الطائرة. ما هي وجهتك بعد الجزائر؟ سألته ، سأذهب إلى أبوجا يجب أن أحضر لمؤتمر سوف تحتضنه العاصمة النيجيرية... يجيب صديقنا و هو يأخذ مكانه في الدرجة الأولى لطائرة الخطوط الجوية الجزائرية و أحشر أنا مع باقي المسافرين في الدرجة الثانية. بمجرد ما أخدت مكاني في الطائرة قلت في نفسي إن القياديين في الجبهة ربما لا يكفون عن التنقل بين العواصم العالمية، إلا هربا من شظف العيش في المخيمات التي يعلق في فخها بسطاء الناس .