لقد جعل الضعف الهيكلي الذي طبع في الماضي قنوات الوساطة الاجتماعية والسياسية في المغرب من العلاقة بين الملك والشعب علاقة مباشرة، وهي سمة طبيعية للنظام الملكي. وهي علاقة تعد لا تحظى بطريقة أو بأخرى بما يكفي من التعريف إعلاميا أو على الاقل لا تحظى، حتى نكون أكثر دقة، بوساطة ناجعة. إن هذه العلاقة المباشرة، والمشروعة، التي تستمد منها الخصوصية المغربية مغزاها العميق ضاربة في القدم وتشكل اليوم فرصة للمغرب . فعلى المستوى الشكلي، يمثل حفل الولاء أجلى تعبير على هذه العلاقة أو، بالنسبة للبعض ، الأكثر تمظهرا لها. إن الأساس التاريخي لهذه العلاقة لا يفتأ يقوي ، بدون هوادة ، وعلى مر الزمن ، شرعية الملك ويعبر عن تلك المسؤولية ، والفريدة من نوعها ضمن الأنظمة السياسية في منطقتنا ، بين الملك ، رئيس الدولة، وشعبه. إن كلا منهما مدين للآخر في مختلف المجالات : استقرار البلد ، والعيش المشترك لساكنته ، ووحدته الترابية وسلامة أراضيه ، وتنوعه الثقافي ، وانسجامه الاجتماعي، وواجب تضامنه المطلوب، ورعايته للضعفاء.. إلخ . على مستوى آخر، فإن هذه العلاقة تأكدت من خلال واحد من أكبر الأحداث التي طبعت تاريخ المغرب المعاصر والأكثر تميزا فيه وهو الحدث الذي خلدته ذكرى 20 غشت 1953 بما يستحقه من تقدير . إن ثورة الملك والشعب تبين أن جوهر هذه العلاقة المباشرة ، التي يمكن أن نصفها بالحميمية، تجلت عبر تاريخ المغرب في انتصار مجيد ، عندما انتفض شعب بكامله ضد إقدام السلطات الفرنسية على نفي سلطانه. لقد وضع هذا الشعب ، أمام المستعمر المضطهد ، شرطا فريدا ، ونهائيا لا رجعة فيه، وهو عودة ملكه . لقد قال هذا الشعب بكل وضوح وبدون التفاف " لن أكون حرا إلا إذا كان ملكي حرا أيضا. ولن أقبل بالاستقلال إلا إذا عاد ملكي إلى وطنه الأب وإلا إذا استعاد سلطاته المشروعة وعرش أجداده الأمجاد". ومن الواضح أن يد المستعمر في تلك الفترة المضطربة جدا، حيث كان المحتالون كثيرين ، وحيث كان محترفو النقد والتشهير المناسباتي يناورون مسخرين في ذلك كراكيز من قبل قوى خفية، كانت حازمة ضد مؤيدي الشرعية تعمل على تصفية كل إرادة في التحرر. وبالنظر لواقع علاقة القوى التي لم تكن في صالح المظلومين ، فإنه كان ممكنا منح شعب مسحوق ما يشبه الحرية في مقابل التخلي عن السلطان الذي يواجه معاناة المنفى. بوضوح، منح الاستقلال مقابل التخلي عن الملكية استقلال بكلفة رخيصة إذن. كان المغاربة واحدا من قلة من الشعوب في العالم التي قالت لا لهذه النوع من المساومة الدنيئة. إن هذا الرفض هو السمة البارزة لهذه الملحمة الخالدة لملك وشعبه. إن هذا السمو بسلطان عادل وفاضل قد حمل كل آمال الأمة وأدى في النهاية إلى تحرر الشعب المغربي. ويجب القول ، بدون تردد، أن التحرك الوطني للحركة الوطنية، التي قادها شباب مناضلون متشبعين بقيم الحرية وحب الوطن ، كان رافدا قويا من أجل أن تتحقق هذه المعجزة . إن هذه المعجزة هي التي تؤسس حتى اليوم العقد الاجتماعي المغربي ، بين الحركة التي تتفرع عنها بهذا القدر أو ذاك جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية التي تشكل حتى اليوم القوى الحية للأمة . إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس يحمل اليوم بشكل طبيعى هذا الإرث. ويبدو جليا من خلال تفكيره كما في أعماله أنه ملتزم بهذا التراكم التاريخي وبالقيم المتولدة عنه . في يوم 9 مارس 2011 على سبيل المثال ، تجلت هذه العلاقة المباشرة بشجاعة وبعزيمة وبقوة. نفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لمراحل أخرى ميزت عهد جلالة الملك محمد السادس : هيئة الإنصاف والمصالحة ، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، ودستور 2011 ، خطاب أجدير.. إلخ. نجد هذا النفس، وهذه الحميمية مع الشعب ، وهذه العلاقة المباشرة أيضا في تدبير قضية كالفان المؤلمة. بلا وساطة ، بلا وسطاء على هذا القدر أو ذاك من النزاهة، بادر الملك، بشكل طبيعي، وانطلاقا من قيمه الشخصية وقناعاته، إلى إصلاح الخطأ. ضمد الجراح، بدد الشعور بالغبن، أعاد للنفوس اطمئنانها، وأعاد الأمور الى نصابها، بالطريقة الأكثر انسانية. بالطبع ، والمغرب متعود على ذلك، انضم الى حفلة الرقص بعض مناهضي الديمقراطية الذين حجبوا دور الوساطة البناءة. لا يتعلق الأمر لا بشباب 20 فبراير الذين يسعون ، بشكل مشروع ، الى لعب شوط ثالث من المباراة، واستعادة قدر من الزخم لقضيتهم ، ولا بالأحزاب السياسية والمنظمات التي هي راديكالية بقدر ما هي تمثل أقلية، والتي تعد ملح الديمقراطية المغربية، على غرار النهج الديمقراطي والاشتراكي الموحد والجمعية المغربية لحقوق الانسان، حتى وان كنا نأسف ، بخصوص هؤلاء ، للمنحى الذي اتخذوه في تضخيم سيناريو الأحداث الذي تساهم فيه الوسائط الاجتماعية التي تفسح المجال أمام شجاعة سياسية تحت اسم مستعار ، وارتدائهم لبوس الضحية، الذي تكرسه أحيانا ، وبكل موضوعية، تجاوزات أمنية غير مفهومة ومجانبة للصواب. إن المقصودين هم أكثر لؤما وخبثا. إنهم يختبئون خلف خطابات أكاديمية مزيفة لإجهاض مشروع سياسي لبلد "متفرد" يرفض الانحدار إلى أتون دمار شامل ينذر به ربيع عربي غامض وفوضوي. إنهم يختطفون مهنة الصحافة النبيلة من أجل عمليات نصب وارتزاق مأجورة تروم بث الشك في روح الأمة. إنهم يتحالفون مع أخطر أعداء البلاد من أجل إرواء ظمئهم لانتقام عدمي. هم يرتدون ، تباعا وبشكل متصاحب ، لبوس أمراء مهمشين أو أشباه مثقفين أو رجال أعمال يرسمون صورة أكثر سخرية لدجلهم المفضوح. لهؤلاء، تجار العدمية ، الديمقراطيين المزيفين، أشباه الباحثين ، مهمة خاصة : إجهاض الانتقال المغربي وإسقاط الشرعية عن جميع المسلسلات الجارية ، التي تفضي إلى بروز ديمقراطية مغربية ناضجة، متينة ومتماسكة العناصر. بالفعل، إن مجمل التحدي الذي يواجه توطيد الديمقراطية في المغرب، اليوم ، يكمن في بناء وساطة سياسية واجتماعية، أصيلة وشرعية ، ذات مصداقية وكفاءة ، تحمل على عاتقها ، مع الملكية ، مشروع الحداثة والتقدم في البلاد. لقد أنقذت العلاقة المباشرة لصاحب الجلالة مع الشعب المغربي من عدة أزمات، وجنبته الأسوأ مرات عديدة. وإنه بفضل الرصيد الشخصي لجلالة الملك ، ننجح في تجاوز المطبات. لا صرخات المدلسين ولا الحقد المسموم للمرتزقة الدوليين يمكن أن يغير مسار تاريخ هذا البلد. طالما يواصل الشعب الهمس في أذن ملكه ، وطالما ظل الملك يواصل الانصات بحميمية إلى شعبه، وطالما واصلت الوساطة الوطنية والديمقراطية تطورها من خلال ميثاق دستوري واضح، متحصنة ضد المغامرين من كل نوع، سيكون لهذا البلد مستقبل.