أن يرفع المتهمون في مجزرة أكديم إيزيك، أو بعضهم، أصواتهم عند بداية كل جلسة، معلنين تأييدهم لانفصاليي "البوليساريو"، فذاك شأنهم، وهم أحرار ما داموا موجودين في المملكة المغربية التي توفر لهم شروط وظروف حرية التعبير التي يكفلها القانون.
يفعلون ذلك من دون اعتراض، بل من دون احترام هيئة وهيبة المحكمة ومن فيها من محامين ومراقبين وصحفيين وعائلات وجمهور. أكثر من ذلك، لا يترددون في الكذب والافتراء على المحكمة وعلى المراقبين ورجال الإعلام والناس أجمعين، كدأب أسيادهم الذين غسلوا لهم الأدمغة وألقوا بهم في أتون مواجهة كحطب فتنة لن يخرجوا منها سوى منهكين، مهلوكين، مدمرين، مهترئين... ضحايا شعارات سرابية كلما اقتربوا منها لا تلوي أيديهم سوى على الفراغ.
كذبوا حين اعتبروا أنفسهم "مناضلين سياسيين". كذبوا حين قالوا أن محاكمتهم سياسية. كذبوا حين قالوا أنهم مرضى تعرضوا للإهمال وعدم العناية الصحية بهم، وسيظلون يكذبون ويكذبون حسب الوصايا المسربة إليهم من تندوف .
ربما أبهرتهم الأجواء العادية، السليمة، الديمقراطية التي تدور فيها جلسات المحاكمة، وأدهشهم اكتشاف هذا المغرب - بلدهم الأصلي- الذي يطعنونه من الخلف بأيدي مكرة، غدرة، لأنهم كانوا يتصورون واقعا آخر، وتعاملا آخر صوره لهم المتحكمون في رقاب ومصير المغاربة الصحراويين في مخيمات الفاشيين بتندوف بدون وجه حق ولا شرع.
لكن سقط في أيديهم كلهم، ولم يصدقوا ما يرونه بأم أعينهم في هذا المغرب الحديث الذي تنكروا له في مقابل وعود سرابية، تلقوها من حكام جمهورية السراب، بإحلال جميع مظاهر الزعامة والقيادة، وإفراغ نياشين البطولة، وشارات النصر عليهم طالما يقهرون المغرب – مغربهم – الذي يتسع فضاؤه الديمقراطي ومجاله التحرري لجميع أبنائه من أمازيغ وصحراويين وعرب ويهود. لكنهم سقطوا في أحابيل الكذب حتى أصبحوا يكذبون على أنفسهم ويعتبرون ما يقولون هو الحقيقة.
إن مغرب اليوم يتسع صدره للاستماع لجميع أبنائه، كان قوميا أوعلمانيا، محافظا أو تقدميا، وسطيا أو متطرفا، ليبراليا أو اشتراكيا، رأسماليا أو شيوعيا، إسلاميا أو ملحدا، كما يتسع صدره لاستيعاب مختلف أشكال التظاهر والاحتجاج في أي وقت وحين، ويفتح آذانه للاستماع لجميع الطلبات والمطالب ..
هذا هو قطار المغرب الذي ضيعتم فرصة الصعود إليه وهو ينتظركم في أكثر من محطة، ولم تنتبهوا إليه – لأن على أعينكم غشاوة- إلا بعد أن أقلع إلى وجهة أخرى.
بالأمس، كنتم، في مخيم أكديم إزيك، مدججين بالأسلحة، ما ظهر منها وما خفي. اليوم، أنتم مدججين وسط المحكمة بملاحظين ومراقبين، معروفين وغير معروفين، بعثهم من يتحكمون فيكم عن بعد، لمؤازرتكم، وبث الروح فيكم خوفا من الانهيار، ولدعمكم بنفحة من الأكاذيب تمكنكم من الوقوف مدة أطول أمام هيئة المحكمة.
لم يكونوا ينتظرون هذا التغيير الذي انخرط فيه المغرب بكل حزم وجدية، فانقلب السحر على الساحر حين فتحوا أعينهم ولم يجدوا أثرا أو تأثيرا لحملتهم الغوغائية التي كانوا يظنون أنه سيكون لها ما سيحكيه الحاضرون للغائبين.اعتقدوا أن شعاراتهم وصراخهم وزعيقهم، بترديد الطرح الانفصالي، من شأنه أن يهز القاعة ومن ورائها بلدا بكامله في حجم المغرب، بينما آخرون ينتظرون، في مكان ما، في زاوية ما، خبر اندلاع الثورة للانقضاض عليها.
سينتهي كل هذا الضجيج المفتعل كما انتهى قبله الكثير من الضجيج المصطنع (الذي يحمل يافطة "مصنوع في الجزائر" أو "مصنوع في اسبانيا") ما دام أنه مجرد صخب مؤدى عنه. وحتى لو استمر، فلن يكون له كبير الأثر، لأن المغرب أصبح محصنا بترسانة صلبة من الديمقراطية ومن الأنظمة القانونية والحقوقية يصطدم بها كل زائغ، ومسلحا بإيمانه القوي بالله، وبتشبثه بوطنه، وبوفائه لملكه.
لحد الآن، ربح المغرب التحدي بتوفيره شروط وظروف المحاكمة العادية، العادلة التي لن يجادل فيها إلا المارق المتنكر، وهو على استعداد للمضي قدما، إلى النهاية، لمنح المتهمين فرصة الدفاع عما اقترفوه من أعمال النهب والقتل والتدمير والتخريب..
أما الطغمة المتحكمة في مصير المغاربة الصحراويين في مخيمات تندوف، فإنها لم تستطع حتى مواجهة المناضل الحقيقي، مصطفى ولد سلمى، الذي فضح أكاذيب "البوليساريو" وادعاءاته، فبالأحرى أن تحاكمه وتوفر له شروط محاكمة عادية فقط، ولا نقول عادلة. فمن المستحيل على من يقتل الناس بدم بارد أن يعرف العدل.