دافع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التي تقود الإئتلاف الثلاثي الحاكم في تونس عن علاقة النهضة بالولاياتالمتحدة الأميركية واعترف بأن واشنطن تدعم حركة النهضة مشددا على أن النهضة "ليس لها عداوة مع أميركا" التي "تبحث اليوم عن المصالحة مع الإسلام" و"أتت إلى الربيع العربي" و"اعترفت بان الإسلاميين أصبحوا قوة" بعد أن "غيرت قراءتها للإسلاميين الذين أصبحوا أمرا واقعا في سياسات المنطقة".
وقال الغنوشي في مقابلة صحفية نشرتها جريدة "الصحافة" الحكومية الثلاثاء "نحن هنأنا اوباما بنجاحه باعتبار دعمه لدول الربيع العربي، نحن ندعم كل من يدعمنا ونرحب بكل دعم وان أتى من دولة كبرى مثل أميركا وألمانيا فهذا مبعث ارتياح".
وأضاف يقول "ليس عندنا عداوة في الجينات للولايات المتحدة الأميركية أو عداوة عقائدية، الولاياتالمتحدة هي التي أتت إلى الربيع العربي وهي التي غيرت قراءتها للإسلاميين الذين أصبحوا أمرا واقعا في سياسات المنطقة واعترفت بأن الإسلاميين أصبحوا قوة لا مناص من تجاهلها فغلبت عقليتها البراغماتية وتعاملت مع الواقع الجديد. فهل على الإسلاميين أن يرفضوا".
وتواجه النهضة انتقادات حادة من قبل القوى الوطنية والديمقراطية التي تتهمها بتنفيذ أجندة السياسة الأميركية في تونس التي تقود الربيع العربي.
وكانت صحيفة "المغرب" اليومية التونسية كشفت في عددها الصادر يوم الجمعة 9 نوفمبر الحالي "إن اللقاءات بين قيادات حركة النهضة والمسؤولين الأميركيين تكثفت منذ فترة ولاية بوش الابن إما في أميركا أو تحت مظلة دولة قطر التي يبدو أنها أقنعت واشنطن بأن حركات الإسلام السياسي، ومن بينها النهضة، تمثل الإسلام المعتدل وهي القوة البديلة الوحيدة خلال العشريات القادمة".
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن حركة النهضة عرضت مباشرة على الأميركيين "بناء تحالف إستراتيجي" خلال لقاء جمع حمادي الجبالي الأمين العام للحركة سنة 2007 بالمسؤول الثاني في السفارة الأميركية بتونس دافيد بيلار وهو لقاء دام أكثر من ستة ساعات.
وسربت شبكة "ويكيليكس" خلال محتوى التقرير المفصل الذي أعده الدبلوماسي الأميركي عن تلك المحادثة المهمة والإستراتيجي.
وقال الغنوشي الذي يوصف بأنه حاكم تونس الفعلي "عندما تعارضنا أميركا نستنكر هذه المعارضة وعندما تؤيدنا ننوه بذلك، لا شك أنها لا تعارض إلا بقدر ما تقدره من مصالحها" لافتا إلى أن "مصالح الدول تلتقي".
وبرأيه فإن أميركا تسعى اليوم إلى "توافقات ومصالحات دولية بما في ذلك مع الإسلام" وهي اليوم "تبحث عن المصالحة مع الإسلام".
غير أنه أشار إلى أن النهضة "انتقدت الإدارة الأميركية نقدا شديدا عندما غزت العراق و"طالبناها بسحب جيوشها من المنطقة لأننا لا نرضى لجيوش أجنبية أن تقيم على أراضينا".
من جهة أخرى دافع الغنوشي عن حق السلفيين في العمل السلمي معتبرا إياهم "نبتة في أرض تونس" وقال "هم أبناؤنا وليسوا أبناء الجيران".
وأضاف "السلفيون ليسوا شيئا واحدا، هناك من هو أميل للاعتدال ومن هو أميل للتشدد... فيهم الملتزم بالعمل السلمي وفيهم من يفكر في العنف لذلك يجب أن تعالج كل حالة بما يناسبها".
غير أنه دافع عن "حق الدولة في احتكار ممارسة العنف المشروع" معتبرا أن "تحدى الدولة من طرف السلفيين هو سلوك أرعن".
وأرجع رئيس الحركة التي تسعى إلى كسب ثقة التونسيين تنامي الجماعات السلفية إلى "غياب مرجعية دينية في تونس" مما جعل البلاد "أرضا منخفضة تهب عليها كل الرياح" في إشارة إلى انتشار الفكر الوهابي عبر الفضائيات وهو فكر رفضه شيوخ جامع الزيتونة في منتصف القرن التاسع عشر.
ورفض الغنوشي التعاطي مع عنف السلفيين بالطرق الأمنية لأنه "ملف معقد" ينبغي أن "تتضافر على علاجه أكثر من جهة بالتوعية الدينية".
ورأى أن تحييد المساجد عن "الدعاية الحزبية لا يعني تحييدها عن السياسية" لأن "الإسلام كله سياسة" على حد تعبيره.
ولم يتردد الغنوشي في التأكيد على حق الأئمة في "التحريض على الانتخابات أي على القيام بالواجب الانتخابي دون التلميح أوالتصريح للتصويت لهذا الحزب أو ذاك فهو واجب ديني".
ودعا إلى ضرورة أن "تدخل الديمقراطية المساجد أيضا".
وكان الغنوشي وصف السلفيين بأنهم يمثلون "خطرا على تونس" إثر ضغوطات مارستها واشنطن على حكام تونس الجدد بعد مهاجمة الجماعات السلفية الجهادية لسفارتها في 14 أكتوبر الماضي.
وفي 10 أكتوبر الماضي أظهر فيديو مسرب على الانترنت راشد الغنوشي وهو يقول في اجتماع نادر مع سلفيين أن العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما في ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام داعيا السلفيين إلى التحرك بحرية بعد أن أصبحت المساجد في أيدي الإسلاميين.
وأثار الفيديو سخطا في أوساط الفاعلين السياسيين والنشطاء في وقت تعالت فيه أصوات التونسيين مطالبة بوضع حد لعنف الجماعات السلفية التي بدأت تخنق الحريات الفردية والعامة.
وخلال الأشهر الأخيرة تراجعت شعبية حركة النهضة لدى قطاعات واسعة في المجتمع التونسي حتى أن الكثيرين ممن منحوها أصواتهم في انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي فازت فيها عبروا عن ندمهم وأكدوا أنهم لن يمنحوها أصواتهم خلال الاستحقاق الانتخابي القادم.
واعترف عدد من قيادات النهضة وفي مقدمتهم راشد الغنوشي بتراجع شعبية الحركة التي تواجه اليوم سخطا شعبيا ما انفك يتزايد حتى أن عددا من مقراتها في الجهات المحرومة وفي الأحياء الشعبية تعرضت للحرق احتجاجا على عدم وفائها بتعهداتها بحق التونسيين في الشغل والتنمية العادلة.