رحمة الله تعالى بعباده، أن جعل نعمة في طية كل نقمة،فعلا ففي ضل هذه الظروف العصيبة، من تداعيات جائحة فيروس "كفيد 19" التي يجتازها ويتجاوزها العالميوم بعد يوم، تكاتفت الجهود المغاربة بجميع مكوناتهم من أجل المشاركة الفاعلة والفعالة في ومواجهة هذه الجائحة، فتكاثرت وتعددت المبادرات الحميدة. كل حسب ما جادت به قريحته، والتي تنوعت ما بين اختراعات وبحوث علمية وصناعية وإنتاجات فكرية وفنية، لكل أهميتهاوفوائدها وأهدافها ولله الحمد. في الثاني من مارس الفارط، سجلت أول حالة وافدة من هذا الوباء بالمغرب، وفي السادس عشر منه، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إغلاق أبواب كل الجامعات والمدارس المغربية، كإجراء استباقي واحترازي في مواجهة الوباء، مع الإبقاء على باب التحصيل والتعليم مفتوحين لكن عن بعد، أي أن التعليم لن يكون حضوريا تقليدا كما في السابق، بلعبر منصات إلكترونية تتابع من داخل البيوت المغربية. هذا النوع من التَعَلُّيم وإن تميز بالمرونة والراحة، فله ما له من صعوبات وإكراهات، بحيث يتطلب الكثير من الوقت والجهد مقارنة مع التعليم التقليدي، ويتطلب مهارات حاسوبية معينة والتحلي بقدرات شخصية. وقبل الخوض في نقاش مدى نجاعة أو نجاح هذه العملية من عدمه، أود أولا التحدث عن مقومات ووسائل التعليم عن بعد، إن على مستوى الترسانة التكنولوجية المسخرة لهذا الغرض أو على مستوى المؤهلات الشخصية والفردية. وكل هذا من باب مقاربة تشاركية هادفة. بالنسبة للمستوى اللوجستيكي، ضرورة وجود بنية وتجهيزات أو على الأقل الحد الأدنى منها، ونذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: o جهاز حاسوب، هواتف وألواح ذكية. o شبكة الأنترنيت تغطي جميع أطراف البلاد وبصبيب قوي ومسترسل. o جهاز تلفاز ببث محلي أو عبر الأقمار الاصطناعية. o أشرطة سمعية وبصرية، وغيرها. o إنترانيت خاص بكل مؤسسة تعليمية (intranet). o بريد الإلكتروني فاعل وفعال لكل من الإدارة والأساتذة والتلاميذ. o الهواتف لاستفسار الأساتذة ومناقشتهم. o تغطية كهربائية لكل المناطق. أما بالنسبة للمؤهلات الشخصية والفردية، فنذكر منها كذلك على سبيل الاستئناس: o القدرة التلميذ والأستاذ بحد سواء على التركيز والمُثابرة يوميًا داخل بيئة وظروف مختلفين على ما اعتادوا عليه في الفصول الحضورية. o القدرة التلميذ والأستاذ النفسية والعملية تجاه كلالمشاكل التقنية التي يمكن أن تظهر خلال الصف الافتراضي، كانقطاع الصبيب مثلا، والتمكن من حل المشكل. o إدارة الوقت وإيجاد ظروف صحية ملائمة، من جلوس صحيح وصحي واضاءة مناسبة لراحة العين، وهلم جرة، حتى لا نقع في مشاكل صحية من شئنها أنتزيد في إرهاق كاهل الصحة العمومية. o مهارات تقنية ولو بسيطة للتعامل مع هذه التكنولوجيا،كالتنقل عبر الشبكة العنكبوتية للبحث وتنزيل البرامج والنصوص، وخلق ملفات ومستندات جديدة، … الى غير ذلك. حقا المبادرة تستحق التنويه والتفاعل معها بكل إيجابيةوتشجيع، نظرا لأهمتها واستشفافها للمستقبل، وأنه منحى لا بد منه، وكذلك اعتبارا لأحكام الظرفية ولعامل المفاجأة التي فرضها وبشكل عاجل فيرس "كورونا المستجد". لكن وبهذه الطريق والوسائل والمعطيات، التي عايشتها الأسر المغربية، قطعا لن تحقق الأهداف المتوخاة من وجودها، نظرا لعدم التهيئة القبلية لها بما يكفي، ونظرا للطابع الارتجالي الذي طغى على مراحل انزالها على أرض الواقع والنواقص التي شابتها. بحيث تبادر للأدهان للوهلة الأولى، وكذلك مع مرور الوقت، أن هذا المشروع القديم/الجديد الذي أسال الكثير من الحبر، وخصصت له ساعات وافرة من الاجتماعات، في إطار مواكبة رقمنة كل مرافق الإدارة، لم يغادر دائرة التفكير بالأمر، حتى يصل الى طاولة الدراساتالاكاديمية، الجوهرية والمستفيضة، تفضي إلى اتخاذقرار تنزيل المشروع على أرضية صلبة وواقعية. فتعميم هذا الشكل من التعليم وجعله ممارسة يومية يتوجب المحافظة أولا على مبدئ تكافئ الفرص في التحصيل بين الافراد والمناطق، بالنظر الى امكانياتها ومؤهلاتها، أو توفرها من عدمه عن أجهزة استقبال فضائية وهواتف وألواح ذكية متصلة بالشبكة وما شابه ذلك، ومدى فعالية وجاهزية هذه الأجهزة، كما لا ننسى الجانب المادي والتكاليف الإضافية الناجمة عن كل هذا وذاك، فضلا عن مدى تأثيرها على فئة معينة من المجتمع. فتغطية شبكة الانترنيت غير كافية وتتخللها فترات انقطاع بين الفينة والأخرى بالمدن الكبرى، فما بالك بالقرى النائية، مما يؤثر سلبا على محتوى الدروس ودرجة فهمها واستيعابها، إضافة إلى نفسية الملقي والمتلقي على حد سواء التي تتأثر بذلك. ناهيك عن الأجهزة المستقبلة من هواتف وألواح ذكية، وشاشات تلفزيون، ….. الخ، كل هذا يشكل قواعد ودعامات قوية وأساسية لرفع صرح هذا المشروع الطموح وإنجاحه، والتي تنتظر حلولا عملية وجدية وسريعة، بمراعاة لكل الاكراهات الجغرافية والثقافية والتقنية والمادية والفئوية …… الخ.. اكراه اخر نفسي ويتعلق بالتوتر والقلق الناجمين عن البقاء بالمنزل لفترة طويلة داخل بيئة معينة وظروف معينة، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرا سلبيا بالنسبة للتلميذ والأستاذ سواء، من ضعف في التركيز أوعدم الرضى يمكن أن تصل إلى درجة الاحباط والرغبة في التوقف عنالدراسة لا قدر الله. ومن هذه الناحية أيضا الحلولالبيداغوجية والسيكلوجية، … الخ، المنتظرة جمة وملحة. وأخيرا وحتى نكون من أولئك المتتبعين الإيجابيين، حبذالو تستثمر هذه التجربة بمقاربة علمية تشاركية مع كل الفاعلين في هذا المجال، فهي تشكل فعلا نقطة انطلاقة مهمة لمشروع تنموي واعد. إضافة الى الاستفادة من الدراسات والبحوث والتجارب المحلية والإقليمية والدولية، والتي من شأنها أن تعطي قفزة قوية ونوعية في هذا المجال وتعم جميع أنواع التعليم باستقطاب محدود أو مفتوح. والله ولي التوفيق. أبو يوسف