من ينصت إلى مديح سعيد أمزازاي، وزير التربية الوطنية، عن «تجربة» التعليم عن بعد، سيعتقد أننا في بلاد السويد أو النرويج، لا في بلاد منظومتها التعليمية مهلهلة وبنياتها التحتية ضعيفة وطبقاتها الاجتماعية المستفيدة من التعليم العمومي هشة، إلخ. والحال أن واقع هذه الخطوة غير المسحوبة يكشف مفارقات خطيرة من شأنها أن تزيد حدة الفوارق الاجتماعية أو تُخل بمبدأ تكافؤ الفرص، خاصة في الامتحانات. صحيح أن «التجربة» تسير بشكل جيد، كما يشهد بذلك بعض الأساتذة. لكن الأمر يقتصر على مؤسسات تعليمية بعينها، توجد، أساسا، في الأحياء الراقية، بحيث تستطيع العائلات تمكين أبنائها وبناتها من كل الوسائل التقنية التي تسمح لهم بمتابعة الدروس عن بعد، من هواتف ذكية ولوحات وحواسيب وبرمجيات وتطبيقات متطورة وصبيب عالٍ من الإنترنت، بل ودروس إضافية يقدمها أساتذة (بالمقابل طبعا)، إلخ. غير أن هذه الصورة الوردية- التي يتكئ عليها أمزازي في أحاديثه الصحافية الرامية في المقام الأول إلى صرف الانتباه عن قراره المتسرع هذا- لا تنطبق على أبناء وبنات الأرياف والقرى النائية والمناطق الجبلية والمدن الصغرى، بل والأحياء الشعبية والهامشية في المدن الكبرى. ذلك أن العديد من التلاميذ في هذه المناطق لا يستطيعون متابعة الدروس، إما لغياب التجهيزات التقنية من هواتف وحواسيب، وإما لانعدام تغطية شركات الاتصالات، وإما لضعف الإمكانيات المادية التي من شأنها توفير الارتباط بالإنترنت، وإما لهذه الأسباب مجتمعة. فعندما ناشدت بعض مكونات المجتمع شركات الاتصالات تمتيع التلاميذ بمجانية الاستفادة من الإنترنت، كانت تنطلق من هذا الواقع، لكن الشركات لم تستجب لهذه المناداة إلا في حدود ضئيلة، قوامها إضافة بعض الدقائق إلى كل تعبئة. والأنكى من هذا أن عائلات كثيرة لا تملك تلفازا يسمح لأبنائها متابعة الدروس المبثوثة على بعض القنوات. إلى جانب هذا، يشتكي عدد من الآباء والأولياء من ضعف أو انعدام استفادة أبنائهم وبناتهم فعلا من الدروس المقدمة عن بعد، خاصة في المدارس الخاصة، إذ تواجههم مشكلات الفهم والاستيعاب الناتجة، أساسا، عن غياب التفاعل الحي والمباشر بين الأستاذ والمتلقي. أضف إلى ذلك أن الكثير من الأطر التربوية يكتفون بتقديم دروسهم عبر الفايسبوك والواتساب والبريد الإلكتروني، وهي قنوات لا تسمح بتبليغ الدرس بما فيه الكفاية. بل إن منهم من لم يستطع التواصل مع التلاميذ بسبب عدم توفرهم على الوسائل التقنية المذكورة أعلاه. ثمة إذاً مشكلات كثيرة كشفها واقع التعليم عن بعد في أسابيعه الأولى، وهي ناتجة، أساسا، عن الفوارق الاجتماعية الصارخة السائدة في المجتمع المغربي. لهذا، فالوزارة مطالبة بضرورة معالجتها فورا، حتى لا يختل مبدأ تكافؤ الفرص بين تلميذات المغرب وتلاميذه. وختاما، نقول للوزير: لو كان التعليم عن بعد مجديا فعلا، لما أوفدت العائلات الثرية في المغرب أبناءها وبناتها لمتابعة الدروس مباشرة على مدرجات الجامعات الفرنسية والأمريكية والإنجليزية، إلخ.