الأزمات والنكبات، بالقدر ما تكون حاملة للمآسي والأحزان والانكسارات، بالقدر ما تحمل بين طياتها دروسا وعبر، تتيح مساحات للتفكير والتدبر والبحث عن الحلول والبدائل، التي تسمح، ليس فقط بالتكيف الآني مع المحن، بل و إعادة ترتيب الأولويات وتصحيح المسارات، والمضي قدما نحو المستقبل بخطوات ثابتة ورصينة، كورونا "كوفيد 19″، الذي لازال يعبث بأوراق العالم، محدثا حالات من الخوف والهلع والارتباك، في ظل انتشاره الكاسح وحصده للمزيد من الإصابات المؤكدة والوفيات، استنفر الدول والحكومات، التي انخرطت جميعها في تبني حزمة من الإجراءات والتدابير الوقائية، تعد نسخة طبق الأصل، على رأسها إغلاق الحدود وفرض حالة الطوارئ الصحية واستعجال الدعم الاقتصادي والاجتماعي، والرهان على خيار "العمل عن بعد"، في محاولة لمحاصرة الفيروس المرعب والحيلولة دون انتشاره وحصده للمزيد من الضحايا، في الوقت الذي انخرطت فيه المختبرات العالمية في سباق مع الزمن، بحثا عن لقاح، قد يقي البشرية من بأس "كوفيد 19" العنيد، وإذا كان في هذه المرحلة المبكرة، يصعب الإحاطة بدروس "كورونا" الذي لازال يزرع الهلع والرعب، بعد أن وضع العالم بعظمائه وبسطائه في أزمة صحية عالمية غير مسبوقة، ألقت بكل تداعياتها على الاقتصاد والمجتمع وعالم المال والأعمال، يمكن المجازفة في هذا الظرف الاستثاني، في توجيه البوصلة نحو "التعليم عن بعد" في زمن "كورونا"، باعتباره آلية من الآليات التي اعتمدتها الدول ومن ضمنها المغرب، لمواجهة تداعيات الجائحة العالمية والتكيف معها، ضمانا للاستمرارية البيداغوجية في ظرفية استثانئية أربكت كل العالم. في هذا الصدد، وفي إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى محاصرة وباء "كورونا" والحد من انتشار العدوى، اتخذت الدولة جملة من الإجراءات والتدابير التي انتهت بفرض حالة الطوارئ الصحية، وإحداث لجنة لليقظة الاقتصادية لتدبير ما ترتب عن الجائحة العالمية من تداعيات اقتصادية واجتماعية متعددة المستويات، إجراءات وتدابير لم تسلم منها حتى منظومة التربية والتكوين (تعليم مدرسي، جامعي، تكوين مهني، مؤسسات التكوين، مراكز اللغات والدعم التربوي الخصوصية…)، بعدما أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، في بلاغ لها، عن قرار التوقيف المؤقت للدراسة بجميع الأقسام والفصول الدراسية منذ يوم 16 مارس الجاري، حتى إشعار آخر، على أساس أن تعوض "الدروس الحضورية" بدروس "عن بعد"، تسمح للتلاميذ والطلبة والمتدربين، بالمكوث بمنازلهم، ومتابعة "الدراسة عن بعد"، وقد اتجهت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في نفس المنحى، فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية التابعة لها (التعليم العتيق، برنامج محو الأمية …)، وهو قرار غير مسبوق، من منطلق أن مغرب الاستقلال على الأقل، لم يسبق له أن تعايش مع جائحة مرعبة بأبعاد عالمية نشرت حالة من الهلع والارتباك عبر العالم، ولم تسلم منها حتى الدول المتقدمة، فرض بشكل قسري، الرهان على "التعليم عن بعد" لاعتبارين اثنين، أولهما: ضمان استمرارية الزمن المدرسي والجامعي والتكويني في إطار "الاستمرارية البيداغوجية"، وثانيهما: استكمال الموسم الدراسي والجامعي والتكويني بدون مشاكل أو إكراهات، بشكل يسمح بالإعداد الاعتيادي للامتحانات الإشهادية ، بعيدا عن مفردات الإرباك أو الارتباك، وهذا النوع من التعليم يسمح بإبداء الملاحظات التالية : – أن التعليم العمومي بما فيه الخصوصي، ظل منذ الاستقلال، وفيا كل الوفاء للدروس الحضورية داخل الحجرات والمدرجات الدراسية، في إطار ممارسات تعليمية تعلمية أو تكوينية، يشكل الأستاذ(ة) أو المكون(ة) محورها الأساس، بشكل استبعد بشكل غير مقبول، الانفتاح على تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وما تتيحه من فرص للتواصل البيداغوجي، ويمكن المجازفة في القول، أن "الرقمنة" وإن حضرت، فهي لا تتجاوز عرض دعامة رقمية عبر جهاز العرض "دتشاو"، وحتى هذه الإمكانية، غير متاحة بالشكل المطلوب، لأن الكثير من الحجرات الدراسية غير مجهزة بأجهزة من هذا القبيل. – الرهان على أنماط التعليم أو التكوين الكلاسيكية (الدروس الحضورية) التي ظلت وفية للسبورة السوداء أو البيضاء، أفرز "بروفيلات" من الأساتذة والتلاميذ، المصابين إن صح التعبير بنوع من "الإعاقة الرقمية"، التي تجعلهم أبعد ما يكون من الثورة الرقمية الهائلة، ومن شيء اسمه "التعليم عن بعد". – حتى الوزارة الوصية لم تكن مهيأة للخوض في تفاصيل هذا النوع من التعليم الحديث الذي تفرضه ضرورات الثورة الرقمية الهائلة، التي لا تؤمن إلا بسنن التحول والتغير والخلق والإبداع، ولم تجد وهي تراهن على هذا النوع من التعليم العصري، ما تتطلبه العملية "الفجائية"، من مضامين رقمية، ومن منصات افتراضية للتعليم عن بعد، قبل أن تستنفر في وقت وجيز، كل الإمكانيات والطاقات البشرية واللوجستية، من أجل توفير المضامين الرقمية الضرورية، التي من شأنها وضع التعلمات رهن إشارة التلاميذ بمنصة "تلميذ.تيس" أو عبر القنوات التلفزية التي انخرطت في هذه العملية المواطنة، وتحديدا القنوات التابعة للقطب العمومي (القناة الرابعة، قناة العيون الجهوية، قناة الرياضية). – نساء ورجال التعليم، وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها، وجها لوجه أمام نمط من التعليم (التعليم عن بعد)، ظلوا ولسنوات بمعزل عنه، بشكل أوقع الكثير منهم في حالة من الارتباك، سواء تعلق الأمر بمحدودية الثقافة الرقمية (عدم التوفر على الموارد الرقمية الجاهزة، عدم القدرة على إنتاج المضامين الرقمية، صعوبات الولوج السلس للمنصات التعليمية الافتراضية، عدم قدرة البعض من الأساتذة على التعامل مع الحواسيب …) أو انعدام أو محدودية الوسائل الرقمية (حواسيب ممتازة، هواتف ذكية، أجهزة تصوير..) أو عدم توفر البعض على تغطية الأنترنيت أو ضعف الصبيب …). – نساء ورجال التعليم، تحلوا بروح المواطنة الحقة، وانخرطوا رغم الصعوبات القائمة المشار إلى بعضها سلفا، في التواصل مع التلاميذ، عبر مختلف وسائل التواصل المتاحة، لتمكينهم بما يلزم من ملخصات مكتوبة أو مضامين رقمية ومن أنشطة داعمة للتعلمات، حرصا منهم على ضمان الاستمرارية البيداغوجية في هذا الظرف الاستثنائي، من باب الالتزام بواجبات المواطنة، وما تقتضيه رسالتهم النبيلة من سمو ورقي وتضحية ونكران للذات. – إذا كانت هذه التعبئة الجماعية المتعددة المستويات، كلها تصب في خدمة التلاميذ وتمكينهم من التعلمات عن قرب، فإن التلميذ(ة)، هو الطرف المغيب في هذه المعادلة، لأن الأزمة المرتبطة بوباء كورونا، وضعته شأنه في ذلك شأن الأستاذ(ة)، أمام تعليم "عن بعد" ليس له أي حضور في حياته الدراسية، فرض عليه المكوث بالمنزل على غير العادة، واستقبال المضامين الرقمية عبر مختلف الوسائل التواصلية المتاحة، وتتبع في نفس الآن، ما يعرض من دروس عبر قنوات القطب العمومي بشكل يومي، دون إغفال ضرورة المرور عبر المنصة التي وضعتها الوزارة تحت تصرف التلاميذ "تلميذ.تيس". – التلاميذ، يجدون أنفسهم في سباق يومي محموم، يفرض عليهم "الاعتكاف" ليس فقط في المنازل، ولكن أيضا "الاعتكاف" أمام شاشات الحواسيب والهواتف الذكية، تارة للتواصل مع الأساتذة عبر مختلف آليات التواصل المتاحة وتلقي الملخصات والمضامين الرقمية، وتارة ثانية بتتبع الدروس التي تعرض على القنوات التلفزية التي انخرطت في عملية التعليم عن بعد، وتارة ثالثة بتفقد منصة "تعليم.تيس" واستثمار ما تتيحه من مضامين رقمية، وفي ظل هذه الوضعية، يمكن التساؤل : إلى أي حد يتحلى التلاميذ بملكة "الجدية" و"الانضباط" و"الالتزام" و"الإحساس بالمسؤولية" وهم يتواجدون في وضعية بعيدة عن "الرقابة التربوية" وأحيانا حتى "الرقابة الأسرية"؟ إلى أي درجة، يمكن للتلاميذ الانخراط في هذا النمط التعليمي "المفاجئ" في ظل محدودية الثقافة الرقمية أو ضعفها أو انعدامها بالمرة؟ إلى أي مستوى، يمكن أن يتحقق "رهان الاستمرارية البيداغوجية"، في غياب أو محدودية "التأطير" التربوي والأسري، في ظل الزخم الكبير من المعلومات والمضامين التي تتيحها مختلف الآليات التواصلية، والتي تحتاج عمليات استثمارها، إلى توفر شروط "الالتزام" و"الانضباط" و"الجدية" و"المثابرة"، طالما أن الأمر، لا يتعلق بعطلة استثنائية، بل باستمرارية بيداغوجية في إطار "التعليم عن بعد"؟ بل ما نجاعة ما ينتج ويقدم للتلاميذ من مضامين رقمية مختلفة، إذا غابت الوسائل التي بدونها، لا يمكن البتة الحديث عن أي تعليم عن بعد (هواتف ذكية، حواسيب جيدة، أنترنيت)، خاصة في الأوساط الاجتماعية المتوسطة أو الفقيرة في المجال الحضري كما في المجال القروي؟ وما السبيل، إذا كان التلميذ(ة) لا يتوفر على هاتف ذكي وحاسوب، أو إذا كانت الوضعية الاجتماعية لأسرته، لا تسمح له بتغطية المصاريف المرتبطة بالأنترنيت بشكل مستدام؟ وبين كل سؤال وسؤال، لابد من مراعاة "الحالة النفسية" للتلاميذ في هذه الظرفية الاستثنائية، بحسن تأطيرهم وتوجيههم وعدم إثقال كاهلهم بالموارد، عدا، ما من شأنه تقديم الإفادة الضرورية وإحداث الأثر المأمول. في جميع الحالات، نقر جميعا أن "التعليم عن بعد" قد تم اللجوء إليه بشكل "فجائي"ولم يكن "خيارا" أو "إرادة" رسمية لرقمنة التعليم، تحت ضغط الحرص على ضمان "الاستمرارية البيداغوجية"، في ظرفية استثنائية مرتبطة بجائحة "كورونا" التي لم تفرض "التعليم عن بعد" فقط، وبل وفرضت آليات "العمل عن بعد" على عدد من الهيئات والمؤسسات والإدارات والشركات، ومن حسنات هذه الجائحة العالمية، أنها نقلتنا بشكل قسري إلى "رقمنة التعليم"، وفرضت الحاجة، إلى إعادة النظر في عدد من المنظومات، ومنها منظومة التربية والتكوين، لكن في نفس الآن، لا يمكن البتة، النبش في حفريات ما قد اعترى أو يعتري، هذه الممارسة التعليمية الجديدة، من بعض مشاهد الارتباك واللخبطة، بالنظر إلى "فجائية الحدث" و"حداثة التجربة" التي جعلت من "الإصلاح" ضرورة ملحة، وبالقدر ما نؤكد أن الظرفية الآنية، تفرض التعبئة الجماعية والانخراط في عملية "التعليم عن بعد" عبر كل الوسائط التواصلية المتاحة ضمانا للاستمرارية البيداغوجية، وطرح أسئلة الانتقاد واللوم، بالقدر ما نؤكد أن هذا النوع من التعليم، يحتاج مستقبلا – بعد رحيل الجائحة – إلى مساحات من التفكير الرصين والمسؤول، بشكل يرسم خارطة طريق تعليم عصري ناجع وفعال متفتح على الثورة الرقمية على مستوى المناهج والبرامج والطرائق، وفي هذا الصدد، ندلي بالمقترحات التالية : – لا يمكن الحديث عن أي "تعليم عن بعد"، إلا بالرهان على التكوين المستمر، وتنزيل برامج تكوينية للارتقاء بمستوى الثقافة الرقمية للأساتذة، خاصة تلك المرتبطة بإنتاج المضامين الرقمية (دروس، فيديوهات، خلق مواقع أو منصات رقمية، تقنيات التواصل الافتراضي…). – تعميم تدريس مادة "الإعلاميات" على كل المؤسسات التعليمية، مع تخصيص حجرات خاصة بالمادة مجهزة بما يلزم من أجهزة رقمية (حواسيب، أجهزة عرض، كاميرات …)، مع الحرص على تجهيز كل الأقسام بأجهزة العرض "دتشاو"، وتشجيع الأساتذة على إنتاج وتقديم دروس رقمية، من أجل الاستئناس والمرور "السلس" نحو "التعليم عن بعد". – بما أن العملية، ترتبط بإضافة "مهمة جديدة" لنساء ورجال التعليم، فهذا يفرض، إحاطة التجربة بشروط النجاح، من خلال تخصيص "تعويض عن المهمة"، "تعويض عن التكوين المستمر"، إتاحة هواتف ذكية وأجهزة حواسيب بأثمنة مشجعة، والتفكير في التقليص من ساعات "الدروس الحضورية"، والحيز الزمني المحصل عليه، يمكن استثماره في "الدروس عن بعد"، إما لتقديم دروس أو أنشطة مندمجة أو أنشطة داعمة أو عروض… – الرهان على "التعليم الرقمي"، يقتضي استعجال نفض الغبار عن المناهج والبرامج الحاضرة منذ سنوات، بشكل يضمن مسايرتها للتحولات والمتغيرات القائمة وطنيا ودوليا، ومواكبتها للثورة الرقمية الهائلة. – التعليم "عن بعد" لابد أن يكون على غرار" التعليم عن قرب" (التعليم الحضوري)، على مستوى الانضباط التربوي والديدكتيكي، وإلا تحول إلى فوضى ناعمة، تحركها الرغبة الجامحة في التخلص من الموارد الرقمية ورميها في مرمى التلاميذ، وهذا يفرض من الآن، التفكير، في "تقعيد" هذا النمط من التعليم الذي حولته "كورونا" إلى ضرورة ملحة وقصوى، من حيث الضوابط المنهجية والبيداغوجية والديدكتيكية والتقويمية والزمنية (زمن التعلم)، بل أكثر من ذلك، فإثقال كاهل التلاميذ بكم هائل من المضامين الرقمية وعبر منصات تواصلية مختلفة، وفي ساعات، أحيانا تمتد إلى المساء، فهذا نراه شكلا من أشكال "العشوائية" غير المقبولة من الناحية البيداغوجية والديدكتيكية، وهي "عشوائية" يمكن تقبلها في هذه اللحظة الاستثنائية، لكن، لابد من استثمار هذا الدرس الجيد الذي أتاحته لنا "كورونا"، من أجل إرساء دعامات "تعليم عن بعد" يمكن التعويل عليه، لزحزحة المناهج والبرامج المتجاوزة، والتي آن الأوان للقطع معها بشكل لارجعة فيه. – ما قامت به الوزارة الوصية من مجهود متعدد المستويات، لا يمكن إلا تثمينه، لأنه أتاح أمام التلاميذ وحتى الأساتذة موارد رقمية، من شأنها دعم العمليات التعليمية التعلمية، بشكل جعل المعلومة، متاحة أمام الجميع، لكن، وموازاة مع ما قدمته وتقدمه الوزارة الوصية من مضامين رقمية، وما خصص لذلك، من منصات افتراضية، لابد من التفكير في الآليات التي من شأنها ضبط وتأطير هذه العملية، بأن تحدث كل "مؤسسة تعليمية" منصة إلكترونية، تتيح لكل أستاذ التواصل السلس مع الأقسام المسندة إليه داخل نطاق المؤسسة، وهذا من شأنه أن ينتشل التلاميذ من حالات الارتباك والشتات بين مواقع التواصل والمنصات التعليمية، أو إعادة النظر في آلية "الأقسام الافتراضية" المرتبطة بمنظومة مسار، بما يضمن تيسير سبل الولوج إلى الخدمة، خاصة وأن عدد كبير من الأساتذة والتلاميذ، صادفوا صعوبات عملية، في تفعيل الخدمة والولوج إليها، إما لضعف المعرفة الرقمية، أو لمحدودية صبيب "الأنترنيت" أو لتعقد العملية. وقبل الختم، نؤكد، ونحن نعيش زمن "كورونا" الذي غير العادات والتقاليد وأنماط العيش، وأربك الدول وأحرج الحكومات، هناك "جنود" فرضت عليهم وظائفهم، أن يتواجدوا في الجبهات الأمامية في حرب ضد العدو الذي لخبط العالم (كورونا المستجد) من أطباء وممرضين وقوات عمومية ورجال وأعوان سلطة وعمال نظافة…، وهناك أيضا، "جنود خفاء"، فرضت عليهم، مهمتهم، الجلوس خلف شاشات الهواتف الذكية والحواسيب، يكافحون ويجتهدون ويناضلون في صمت، في أحيان كثيرة على حساب راحتهم النفسية والجسدية، بل ويسخرون إمكانياتهم المادية، إسهاما منهم، في التعبئة الجماعية والانخراط الإيجابي في عملية "الاستمرارية البيداغوجية"، بالحرص المستدام على التواصل مع تلاميذهم، بكل الوسائط التواصلية المتاحة، لتمكينهم بما يلزم من ملخصات ومضامين رقمية ومن أنشطة مندمجة وداعمة، إنهم نساء ورجال التعليم، الذين يحترقون كالشموع في صمت في منازلهم في ظل حالة الطوارئ الصحية، متجاوزين إكراهات الوسائل والإمكانيات، بكل تضحية وإخلاص ونكران للذات، خدمة للوطن في هذه المرحلة الحرجة، والتزاما برسالتهم النبيلة، إسهاما في بناء الإنسان/المواطن وصناعة مشاهد الرقي والنبل والتميز، ورغم "فجائية الحدث" و "حداثة التجربة " (التعليم عن بعد)، كانت "التعبئة الجماعية" وسط الأطر التربوية والإدارية، للإبقاء على جسور "التعلمات" قائمة مع التلاميذ، بعدما فرضت الضرورة، مغادرة الحجرات الدراسية على مضض. ونختم بالقول، إذا كانت الظرفية الحرجة التي يعيشها المغرب كما بلدان العالم، قد وجهت البوصلة بأكملها نحو "الأطباء" و"الممرضين"، فنساء ورجال التعليم عبر التراب الوطني، يشقون ويتعبون، من أجل "تلقين" ليس فقط، أبناء "الأطباء" و"الممرضين"، بل وكل "الناشئة" في مهمة مواطنة، قد تفرز – مستقبلا – "أطباء" و"ممرضين" و"مهندسين" و"علماء" و"موظفين" و"قوات عمومية" و"اقتصاديين" و"قضاة " و"محامين" …إلخ، و"مواطنين" صالحين، يمكن أن تعول عليهم الدولة، في لحظات السلم والرخاء، كما في لحظات المحن والأزمات، وإذا خصصنا المقالة، للتعليم "عن بعد" في زمن كورونا، فهي – أولا- محاولة لفتح نقاش رصين ومسؤول حول هذا النمط من التعليم، ودعوة – ثانيا-، للتفكير من الآن، في السبل الممكنة من أجل إعادة النظر في المناهج والبرامج والطرائق، بشكل يسمح، بالانفتاح الواسع على "الرقمنة" التي لا مفر منها، لكن نؤكد بالمقابل، أن "التعليم عن بعد" يتطلب شروطا، بدونها يصعب البتة، كسب رهان "الرقمنة"، من ضمنها – كما تمت الإشارة إلى ذلك – تحفيز الأساتذة عبر "تعويضات" أو "علاوات" تشجع على المردودية والخلق والإبداع والتميز، وإتاحة الوسائل والمعدات الرقمية (حواسيب، أجهزة عرض، أنترنيت …) وتعميم تدريس مادة "الإعلاميات" لتدعيم القدرات الرقمية للتلاميذ، والرهان على التكوين المستمر، والحرص على وضع هذا التعليم في قالب بيداغوجي وديدكتيكي رقمي، تفاديا للارتباك أو الإرباك، مع دعوة التلاميذ للتحلي بروح المسؤولية والانضباط، واستثمار هذه الوضعية، في إعادة ترتيب الأوراق وتلخيص ما يمكن تلخيصه وكتابة ما يمكن كتابته، استعدادا للامتحانات الإشهادية القادمة، ودعوة مماثلة للأسر، لمواكبة وتتبع ما يقوم به أبناؤها في هذه المرحلة الاستثنائية، في إطار "المسؤوليات الجماعية"، التي تسمح بتجاوز صعوبات المرحلة بنجاح، أو على الأقل، بأقل الأضرار، على أمل أن ترحل الجائحة المرعبة عن الوطن وعن العالم، مع أحر التمنيات للجميع بدوام الصحة والعافية …