قدرنا ان نكون نحن اول جيل على هذه الارض شاهد بام عينيه و تتبع بالصوت و الصورة غزو الشعوب وطي ابنائها تحت حديد الدبابات و حمم جحيمها كما شاهدنا عن قرب تدمير وسرقة اقدم الحضارات و أعرقها وجودًا و تاريخًا . بكل حزن نحن اول جيل تلقى بدون استئذان، بخبث و تشفي و احتقار وبكل مؤثرات الفرجة الاحتفائية الممكنة تجويع الشعوب و التنكيل بها و إعدام الرؤساء و الزعماء و سحلهم على خشبة مسرح امة واحدة في يوم احتفائها بعيد لازالت تعاند في وصفه "بالكبير "! نحن جيل ، بعيون جواحظ تفرجنا من قبل و على الهواء مباشرة على " مناطحة" طائرات محملة بوابل من الحقد و " الكيروسين لناطحات السحاب و لأبراج الاقتصاد و المال و ما نتج عن ذلك من دمار و قتل اخرج العدوان المحتشم ليستحيل قتلا و غزو ا ممنهجا غير الخرائط و أجْلى البشر و انتزع بالحديد و الدم الارض و الحجر و الشجر .. نعم شاهدنا على هواتفنا الذكية و على شاشاتنا المحمولة اكثر درجات القتل قسوة في الإخراج "الديني "السادي الحاقد ، بإعدام الناس في أقفاص القصاص بالتحْريق و الغرق دون رحمة و لا شفقة… هذا صديقاتي أصدقائي نزر يسير من شرائط العنف والبشاعة التي صنعها الإنسان عن قصد ضد أخيه الإنسان تحت مبررات و مسميات في غاية السريالية و العبث و التي أكيد ستبقى حاضرة في ذاكرتنا الفردية و الجماعية و خالدة على صفحات تاريخنا كغيرها من مآسي مضت و خلدت لعُقد الإنسان و ظلمه و طغيانه و جبروته ..و منعطفات انهياره … ليس هناك من خيط ناظم قد يبدو ،لكن المأساة واحدة ما دام الانسان هو الضحية الاولى في مواجهة فيروس خرافي لا مرئي ينقض على الانسان خلسة ، يتسرب و يتغلغل ثم قد يقتل دون رحمة و لا تمييز ، دوخ العالم ، اغلق المدارس و الأسواق و الشوارع و الساحات كما اغلق الكنائس و المساجد و المزارات و الأضرحة ، ضرب في كل الاتجاهات عن قصد مسبق و تحد معلن لهزم الانسان في عقر قوة اقتصاده و علمه و تنظيمه و تحكمه ….الضحية واحد و الفاعل مختلف والإخراج متشابه في كل عناصر التراجيديا المتعارف عليها …القنوات التلفزية تنقل لنا بالصوت و الصورة و من مسرح الأحداث في ذروتها نتائج الحرب الاحادية- الهجوم و على خط الدفاع الأطباء و ممتهني الصحة في المستشفيات و المركبات الصحية و علماء البيولوجيا في مختبرات اوطانهم المعدة سلفا استشرافًا وتحسبا … يعملون باخلاص وتفاني و عيونهم مع ذلك على قرارات السلطة و احترازاتها السياسية ! في الغرب كما في الشرق اذ تقلصت التمايزات امام جلال الموت ورهبته و روع الفيروس و مساواته ! نحن "شيوخ " ! جيل الكورونا أضيف لسجل مشاهداتنا الدرامية ، إذن ،صراع جديد مصدره الطبيعة حيث اضحى الاعلام " جوقة" مصاحبة تحمل إلينا في كل مساء الى عمق حجرنا الصحي العازل اجواء بورصة الوجود بمتواليات و ثنائيات الحياة و الموت ، الورطة و الخلاص ، الهزيمة و الانتصار …و بدت الأرقام رغم صراخها و سوادها باردة برودة الموت المنتشر في كل مكان و باردة برودة المدافن الجماعية التي اضحت حزاما لمدن الفرح و المتعة و السهر و الشهرة كما مدن القهر و الفقر و الظلم … ونحن جيل كل هذه المآسي قد نكون ربحنا ربما مناعة لم تتأت لغيرنا .ربحنا حيزًا كبيرًا من قوة الامل رغم كل السواد الذي احاط و يحيط بنا .أمل في ان نرى عالما جديدا ينبعث بقيم انسانية و اخلاقية اعمق و ارقى و اشمل .أمل في ان نخرج ،نحن و جيل المستقبل، من ويلات حصار الكورونا بتضامن و تقارب انساني اكبر يقرب بين الدول و الشعوب و يعطي للأوطان و الانتماءات ابعادا مغايرة تعلي من شان الانسان و تثمر قيمًا تنير طريقنا الإنساني المشترك نحو الحرية و العدالة و الكرامة للجميع على هذه الأرض .