من يسير فعلا المؤسسات السجنية بالمغرب ؟ لماذا تتأرجح بين وزارة العدل سابقا ، ثم الوزارة الأولى فرئاسة الحكومة فمندوبية ؟ هل القوانين المنظمة " 23/98 لسجون المملكة المبنية في مجملها على العقوبات المنضافة إلى العقوبة السالبة للحرية التي قد تطال المحكوم بصفة نهائية أو إحتياطيا ، تتأقلم فعلا ومجال حقوق الإنسان ، سيما إذا ما علمنا أن معظم فقرات التأديب تعتمد على " الكاشو " والحرمان من الزيارات ،والتنقيل من مؤسسة إلى أخرى ، والحرمان من المكالمات الهاتفية ، ومن القفة العائلية ، ومزاولة الأنشطة الثقافية ،وباقي الهوايات ، والمنع من الخلوة الشرعية إن كان متزوجا ، وانعدام النظافة وسوء التطبيب وضيق مدة الفسحة ، وحجبها في نهاية الأسبوع والعطل ، ومشاكل متابعة الدراسة ، والتضييق على تفعيل قوانين تسمح بالإفراج المقيد ، والعفو ، وخشونة التعامل والتحقير والتعنيف والسب تزيد فقط من تعذيب النزيل وأسرته ؟ هل يؤدي موظفوا السجون وظيفتهم كحراس في ظروف تجعلهم متحمسون فعلا لأداء مهامهم بارتياح ومؤمنون من المخاطر ؟ ماهي حقيقة شعار " إعادة الإدماج ؟ ثم ماذا أضاف صالح التامك سجين الأمس كبير سجاني اليوم المعين منذ 2013 ، و الذي أكل "الفيضانسي " في السجون ، وزاره أهله أمام شباك فاصل وعلى رأسه حارس، لمنظومة السجون المغربية خلفا لمولاي عبد حفيظ بنهاشم المدير العام السابق لإدارة السجون الذي ظل على رأس المؤسسة من 2008 إلى 2013؟، و الذي أسقطته خطيئة البيدوفيل الإسباني _ أو كما قدم لنا أنه وراء خطإ إدراج إسمه بلائحة العفو الملكي _ وقبله القاضي مصطفى مداح من 2001 إلى 2005 ، ومحمد عبد النباوي من 2005 إلى 2007 ، ثم محمد ليديدي من 2007 إلى 2008، وقبله محمد بركاش من 1978 إلى 1983، وقبله حمو مستور من 1983 إلى 1992 ، وقبله محمد ليديدي من 1992 إلى 2001 ، وقبله بلحاج عمر من 1961 إلى 1967 ،وقبله العلوي مولاي المهدي من 1967 إلى 1971 ،وقبله العلوي مولاي مصطفى من 1971 إلى 1978 وعبد الله المالقي من 1956 الى 1957، وعبد الرحمان بادو من 1957 إلى 1961.؟ سنحاول _ بكل بساطة _ لن نقول معالجة مادامت ترسانة من الجمعيات الحقوقية والمرصد الوطني للسجون والتقارير الدولية والداخلية والبرلمانيين وخريجو السجون وتقارير قضاة جطو لم يستطيعوا المعالجة _ بل فقط تسليط الضوء على جزء من واقع مرير يصنف المغرب في ذيل التراتيب كما أشارت ولاتزال العديد من لجان المنتظم الدولي ، فضلا عما نسمعه مؤخرا عن تنقيل جماعي والزنازن الإنفرادية التي يعيشها السجناء بعيدا عن منطوق القرار القضائي الذي يقف عند المدة الحبسية وقيمة الغرامات ، دون ذكر باقي الأمور التي قد تحرمه من حقوقه مستقبلا وهو في السجن ، ليصطدم بأحكام قاسية أخرى تنتظره بعلة القانون الداخلي للمؤسسة ، لن يجيره منها إلا جيبه وعلب السجائر _ بالعربية تاعرابت التدويرة المستمرة _ ليضمن تملكه للهاتف الخلوي والريشو والمكان الآمن ، بل وسيسمح له بخرق كل حرف من قوانين " الدين والدنيا " . فبإطلالة بسيطة على الموقع الإلكتروني للمندوبية العامة لإدارة السجون ، ستخال نفسك أنك وسط المدينة الفاضلة والذي وصفته هذه الأخيرة بأنه نوع من الإنفتاح الإعلامي وأنه ذا طابع إخباري موجها لرجال الصحافة داخل وخارج المغرب ، وتمكين أسر السجناء من مختلف الخدمات ، غير أن الواقع المعاش والإكراهات والمآسي وأسباب الإنتهاكات و الإختلالات والأمراض والمضايقات والشكايات المعروضة لاسبيل لذكرها أو معالجتها نهائيا داخل هذا الفضاء الإلكتروني الرحب ، تدحض ماتتصوره المندوبية . وبالنظر إلى العدد المهول للنزلاء سواء منهم المحكومين نهائيا أو إحتياطيا فقد ينيف عن 100 ألف سجين وسجينة ، والتساؤل عما قدمه السجان الكبير " صالح التامك " في إطار الإصلاح و الذي إستشاط غضبا من تقرير إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات بعدما فضح إن لم نقل عرى على واقع معروف غير مستور من ضخامة الإختلالات التي تعتري تدبير المؤسسات السجنية ، لم يفاجئ الرأي العام عدا " التامك فقط " الذي لم يتمالك نفسه للرد على تقرير جطو ونعته بالمغالطات في تحدي صارخ منه لمؤسسة دستورية قائمة الذات ، بل سبق وأن إعتمدها عاهل البلاد لإعفاء وزراء والغضب على مسؤولين آخرين ، فقد أصبحت سجون المملكة مؤسسات لتفريخ المجرمين المحترفين عوض التأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع ، ونموذج صارخ لتدبير مالي وإداري وبشري عليل ، يزيد الوضع إختناءا بالعودة لما جاء في تقري قضاة جطو .
ومما يزيد الطين بلة ، هو الوضعية المتأزمة التي يعيش عليها الموظفون " الحراس " بلا تأمين من خطورة ما قد يتعرضون له من إنتقامات بعض النزلاء ذووا الميول الجرمي ، فكلما انتظروا تحسنا في أوضاعهم ، إلا ووجدوا أن قرارا قد إتخذ بشأن تغيير الزي الرسمي لهم ، ويسمعون عن تكبد ميزانية الدولة لمبالغ خيالية لتغطية البدل ، ولاحديث عن تأمين الأخطار ووضعياتهم خارج أسوار السجون وتعرضهم للإنتقامات ، راح ضحيتها العديد من الموظفين الذين لقوا حتفهم على يد مجرمين أنهوا مددهم وأفرج عنهم ، ولاحديث عن رفع مستوى أجورهم ، وتعزيز أعدادهم لتأطير السجناء المكتضين وتحميلهم مسؤولية حراسة أعداد كبيرة لكل حارس ، دون الإستفادة من تدابير دول ديمقراطية عريقة في هذا المجال ، ناهيك عن توزيع المساجين لايخضع لأية معايير عدا مايطلقه التامك بين الفينة والأخرى من وعود تتعلق بتمديد أمتار مساحة اقامة السجين إلى تلاثة امتار للفرد في أفق سنة 2022_ إن هو ظل على رأس المندوبية طبعا _، مما يجعل المعايير الحالية ومنذ زمان لاترقى إلى المستوى المطلوب من حيث المساحات ،كما ان التنظيمات الداخلية للمؤسسات السجنية لا تتحكم في فرز طبيعة الأعمال الإجرامية للنزلاء ، وفصل بعضهم البعض يزيد من الإحتقان ويضرب في العمق شعار " إعادة الإدماج " كما لاننسى أن لجوء النيابات العامة ومؤسسات قضاة التحقيق لمسطرة الإعتقال الإحتياطي والتأخرات في البث لفض النزاعات ، وعدم تفعيل مسطرة الصلح وغياب مساطير بديلة للإعتقال الإحتياطي ، رغم التصور الذي سبق لعبد النباوي ؤئيس النيابة العامة أن طرحه قبل سنتين والمتعلق باللجوء إلى السوار الإلكتروني ، فأنها عوامل تزيد من ضبابية مستقبل تسوية أوضاع السجون بالمغرب وتقوي من هشاشة التدبير غير المعقلن الذي فشل في إتخاذه صالح التامك منذ توليه أمر الإشراف ثماني سنوات خلت ، عدا إجراءات محتشمة أجبرت الدولة على إتخاذها سميت بأنسنة ظروف إقامة النزلاء بشكل لم تقوى على تعميمه ،وشملت طرق التغذية التي عهدت لشركات هي موضوع إنتقادات واسعة من حيث طبيعة الصفقات وجودة المواد ،علما أنها لم تتجاوز بعض المدن الكبرى . ومما يبرز جليا إنهزام التامك في مواجهة حجم المشاكل المطروحة ، هو تشكيه المتواصل بقبة البرلمان من ضعف الميزانية وإكتضاض السجون ، حيث تجده دائم إلصاق المال بالتدبير اللوجستيكي حتى في الأسئلة المتعلقة بالانشطة الموازية ، أو الفسحة ، أو الزيارات ، او تفشي المخدرات داخل الزنازن ، وهي كلها أمور لا علاقة لها بالميزانية بقدر ما لها علاقة بالتدبير والحكامة وسوء توزيع الموارد البشرية . فلم يجد " التامك "مؤخرا في لحظات فشله التي يتذوق طعم مراراتها ومعه الدولة والسجناء وعائلاتهم ، ويضع المغرب أمام فوهة تقارير سوداء من طرف لجان أممية ، من سبيل لتبرير الوضع المتأزم ، والذي اصبح ملحا مستعجلا لتغيير هيكلة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من القمة إلى السفح ،سوى الدفع ببلاغات وبيانات وخرجات للرد على كل إنتقاد حتى وإن صدر عن مؤسسات دستورية كالمجلس الأعلى للحسابات ، مما يستوجب معه إعادة النظر في إلحاق هذه المندوبية بوزارة قادرة على التعجيل بإنقاذها من السكتة القلبية ، أو تمكينها من الإستقلال الذاتي بعد تنصيب كفاءات سبق لعاهل البلاد أن طالب بها رئيس الحكومة ، والتي لم نرى لها لحد الساعة أي أثر يذكر على مستوى تدبير الشان العام . ومن بين ردود وخرجات سي التامك العنترية الجمعة الماضية أمام لجنة العدل بمجلس المستشارين ، والتي تنذر بقرب رحيله المحتوم ، تعليق ترسانة محطات فشله في التدبير على وزير المالية السابق " أمير المدوخين " محمد بوسعيد كون هذا الأخير عرقل إتفاقية وقعت أمام الملك مطالبا بتفعيلها ، وكأن تلكم الإتفاقية هي التي ساهمت في سوء تدبير ملف معتقلي الريف داخل زنازنه ، كما هاجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا معتبرا تقريره حول تعذيب معتقلي الريف مجحفا ، مضيفا أن الذين يودون تلطيخ سمعة المغرب هم إنفصاليون يروجون لصورة مغلوطة محاولين تسويدها _ حسب التامك _ دون الحديث الحقيقي عن سوداوية التعامل الجاف الذي يشتكي منه معظم السجناء المفرج عنهم ، كما إعتبر شكاية موجهة ضده من طرف الزفزافي أنه يعيش لحظات تعذيب ، أنها من قبيل الإدعاءات ليس إلا ، دفعه إليه بعض المغرضين ، كما لم يفوت الفرصة للرد على قناة فرانس 24 منتقدا إياها طريقة معالجة ملف معتقلي الريف ، واصفا القناة أنها محركة ضد المغرب وتخدم أجندات محددة ، مطالبا بتكثيف الجهود ووضع اليد في اليد لمواجهة الإستفزازات والتحديات التي يواجهها المغرب . ودائما في إطار غزوات التامك للرد عمن يعتبرهم خصوما تارة ، وإنفصاليين تارة أخرى ، وأنهم ضد دولة المغرب برمته ، في محاولة منه إلى تعميم الإنتقاد الموجه لسجونه فقط، فقد وجد الوقت الكافي للرد على تدوينات فايسبوكية _ حسب إشعار ديوانه المكلف طبعا بترصد كل كبيرة وصغيرة _ عوض ترصد مشاكل السجون بربوع المملكة، فضل رمي سهامه على " عشيرو " صديق الفترات السوداء في عمره " المعتقل وإياه سابقا فؤاد عبد المومني " هذا الأخير إنتقد طرق التعامل والتضييق على معتقلي الريف على خلفية أحداث سجن رأس الماء بفاس ، مذكرا صاحبه التامك الذي سجن معه بسجن سيدي سعيد بمكناس أنهما كانا يتلقيا زيارات أصدقاء لهما ليست لهم علاقة عائلية بهما ، ويعملان على طبخ الطعام وهو نيئ في أحلك سنوات القهر ،سائلا إياه كيف تطاوعه نفسه لهذا العبث ؟ لم يتواني التامك طبعا عن الرد العاجل ، مذكرا المومني أنهما كانا يتناولان " الفيضانسي " في قزانات وخبزا يحمل في أغطية لم تنظف منذ عهد الإستعمار ، مضيفا أن سجين اليوم يحصل على تغذية متوازية وظروف صحية ، ويتمتع بمشاهدة التلفاز والإستماع للراديو ، قبل أن يهاجمه بالقول : " أما أن تطلب مني خرق القانون بشكل تعسفي واستفزازي لباقي النزلاء لصالح فئة قليلة تصبغ عليها أنت وبعض الأشخاص صفة "معتقلين سياسيين"، لأن أحدهم تجاسر على خطيب الجمعة، وبعضهم تسبب في عاهات مستديمة في حق رجال القوة العمومية، ففي الأمر عبث". مادام الأمر كذلك ، هل سيقبل سجين الأمس كبير سجاني اليوم بقبول الحوار ومواجهة منتقديه ، ويستسيغ أمر فشله في تدبير القطاع ؟ أم أن قدراته تبزغ فقط عندما يجهز مدرعاته للرد على البرلمانيين والتقارير الدولية والمنظمات الحقوقية والمقالات الصحفية داخل بلاده وخارجها ، وأصدقائه بل حتى على تقارير قضاة إدريس جطو النابعة عن مؤسسة دستورية ، هنا يبدو أن الأمر غير طبيعي نهائيا ، وأنه يحاول عبثا إيهام الجميع أنه الوحيد وبطانته غير الصالحة على حق ، فعليه أن يجعل بينه وبين ربط المسؤولية بالمحاسبة عازلا طبيا ,,, عصير كاب …