حزب واحد قد يكفي لقياس مستوى الإفلاس الأخلاقي و قد يكشف إلى أي حد ينجح الانتهازيون و سماسرة القيم في الانسلال إلى هرم المؤسسات و التحكم في مصير البلد . حزب واحد قد يكفي لفهم أدوار جزء من الدولة العميقة في تحيين أساليب الحكم و ممارسة السلطة و اتاحة الفرصة "لمتلاشيات" من اليمين و اليسار و من تجار الدين ليتبوئوا مسؤوليات تدبير الشأن العام و يطفئوا عطشهم المحموم للسلطة و الجاه و المال، لا شك ان الدولة العميقة تعرفهم جيدا و تعرف عنهم اكثر مما نعرف ؟ تعرف عزلتهم و مساراتهم الموشومة بالفشل و حقدهم على مجتمع لفظهم لشدة غرورهم و غطرستهم و تعاليهم عن الطبقة التي أنتجتهم …..الدولة العميقة بحسها البركماتي و حاجتها الى حياة سياسية متجددة تضمن فيها الولاءات الخالصة ترى في مثل هؤلاء احتياطيا لازما لملأ مساحات الفراغ الناتجة عن تشابه الفاعلين السياسيين التقليديين و تراخيهم و تراجعهم و تماهيهم صاغرين مع الدولة في اختياراتها و خطاباتها و اهوائها و أخطائها و مشاريعها بكل ايجابياتها و سلبياتها .فهذه الولاءات الخالصة ليست سوى صمامات أمان في مواجهة الولاءات" المستقلة " أو :الناقصة " التي جاءت بها رياح التغيير على حين غرة وقادتها مأسي المجتمع و همومه و احباطاته و يأسه إلى مراكز الحكم كهدية من السماء بعدما تفننت و ابدعت في احتكار توظيف الدين بشكل غير مسبوق فنظمت و اطرت و استقطبت و انتشرت ثم انتصرت و تغلبت …..و بما ان الدولة العميقة تعرف ان عطش هؤلاء اشد من عطش أولائك فقد فتحت لهم صنابير الماء الزلاء فاسكرتهم اللذة فنسيوا السماء و بدءوا بالنساء تدليكا حلالا و تعددا مشروعا و زواجا مشهودا دون أن تزيغ عيونهم عن المواقع و المناصب و المعاشات و أضحت شهيتهم مفتوحة على "مزيد من الديمقراطية" و مزيد من الانتخابات لا أحد غيرهم فهم مفاتيحها جيدا ! الدولة العميقة ليست شيئا آخر غير المخزن بثقافته و تقاليده و أعرافه وأحلامه و آماله و هواجسه برجاله و نسائه باحزابه و نقاباته بيسارييه و يمينييه و اسلامييه ! المبثوتين في كل مكان و من تم فلا غرابة ان كانت حياتنا السياسية استثنائية و ديمقراطيتنا متفردة و احزابنا لا شبيهة لها في العالم المتحضر ولادة و موتا و بؤسا ……و احتضارا..!