عندما كتب إيسوب أسطورته الشهيرة " الغراب و جرة"، لم يكن يسرد خرافات. فقصته كانت مبنية على وقائع أكدتها الدراسات العلمية الحديثة التي وجدت أن الغربان، في الواقع ، تفعل تماما ما جاء في القصة. الغربان هي مخلوقات ذكية بشكل عجيب إذ تملك مهارات خارقة مثل القدرة على تصنيع واستخدام الأدوات، وتذكر الوجوه البشرية ، واستخدام الخبرات الفردية للتنبؤ والتخطيط والتكيف مع بيئتها. ولوحظ بأن الغربان تعمل على ثني الأسلاك وتحويلها إلى سنانير لاستخدامها كملقط للوصول إلى المواد الغذائية التي يصعب الوصول إليها، كما أنها تكسر الجوز عن طريق رميه إلى الأرصفة من ارتفاع عال، حتى أنها تحفظ الجدول الزمني لشاحنات جمع القمامة التي تنتظرها بشكل يومي لالتقاط بعض الفتات اللذيذ. الطعام ليس هو الدافع الوحيد الذي يمنح الغربان القدرة على التكيف. إذ أظهرت الغربان ذكاءً خارقاً في طريقة بناء أعشاشها، وذلك باستخدام أي مواد متوفرة مثل الأغصان المتشابكة، والأسلاك بمختلف أحجامها والتي تجمعها الغربان من المناطق المحيطة من أجل تعزيز بنية العش. وقد لاحظ سكان طوكيو أن الغربان في المدينة قد اعتمدت على علاقات الملابس لبناء أعشاشها. في هذه المدينة الكبيرة، هناك عدد قليل من الأشجار، وبالتالي فإن المواد الطبيعية التي تحتاجها الغربان لبناء أعشاشها شحيحة. ونتيجة لذلك، لجأت الغربان إلى سرقة علاقات الملابس من سكان الشقق المجاورة، لاستخدامها في بناء أعشاشها التي تظهر وكأنها عمل فني متناهي الدقة. مثل هذه الأعشاش المبنية من العلاقات تم اكتشافها أيضا في المدن اليابانية الأخرى . ففي مدينة فوكوكا ، تبني الغربان أعشاشها غالباً فوق خطوط الكهرباء خلال موسم التكاثر مما قد يسبب انقطاعا في التيار الكهربائي بسبب بكئ التيار في الدائرة الكهربائية. شركة الكهرباء "كيوشو" خصصت دوريات أطلقت عليها "دوريات الغراب" تهتم بالبحث عن أعشاش الغربان على الشبكات الكهربائية وتدميرها. وعودة إلى أسطورة " الغراب و جرة"، يروى أنه في يوم حارا جدا، كاد الغراب أن يموت من العطش. فوجد جرة ماء في الحديقة فطار إليها ونظر بداخلها فوجد ماء، حاول إدخال رأسه ليشرب، لكن رأسه لم تدخل الجرة فقد كانت ضيقة. وحاول مرة أخرى لكنه لم يصل إلى الماء، فحاول كسر الجرة لكنها كانت قوية، و من ثمة حاول أن يدفعها على جانبها لكنها كانت ثقيلة. نظر الغراب إلى الجرة لوقت طويل و فكر، ثم التقط حجرا صغيرا و وضعه في الجرة، و فعل ذلك مرة أخرى و أخرى و أخرى حتى استقرت الأحجار في قعر الجرة، و بدأ الماء يتصاعد إلى أعلى و شرب الغراب حتى ارتوى.